هم لا يريدون منا أسراً عربية متماسكة، هم يريدون تفكيكنا، وطمس عقيدتنا، وقوميتنا، وعروبتنا، هم يريدون منا شواذّ بلا أخلاق، هم يعبثون في عقول أولادنا، ويرضعونهم أخلاقهم.
هم.. وهم.. وهم، إن كانت كل هذه الجمل صحيحة منطقياً.. أين أنتم؟ هل أنتم إمعات إلى هذا الحد؛ ليعيثوا في حضارتكم وأخلاقكم وثقافتكم ودينكم فساداً؟
كثيرة هذه الجمل نسمعها هنا وهناك، خصوصاً من الناس الذين وقعوا في مشكلة أو مصيبة، وللأسف لم تنتشلهم مما وقعوا فيه من أخطاء تراكمت على مدار من الزمن، وهذه الجمل يبدأون بتناقلها والمبالغة في أبعادها، خصوصاً في أصداء القادمين الجدد إلى ألمانيا، أو غيرها من الدول الأوروبية.
إن نواة العائلة، وإنباتها النبات الحسن من أهم سمات العائلة الصحية السليمة، التي تبدأ بالرجل والمرأة، واختيارهما السليم لكليهما، وهذا الأساس للعائلة، ومن ثم إنجاب الأولاد والتعاون في تربيتهم التربية الصالحة، وأن يكونا قدوة حسنة لهم؛ لأنهما الجدار الأول الذي سيتكئ عليه الطفل منذ أن تلامس يداه الأرض؛ ليحبو ثم يقف، ويتكئ على هذا الجدار، ويتشرب منه، كالإسفنجة العطشة إلى الماء.
يكبر هذا الطفل، ويبدأ احتكاكه بالعالم الخارجي، التواصل المعنوي والروحي من أهم الركائز لمعرفة تأثير البيئة الخارجية على عقل الطفل، ومحاولة تصحيح الرتوشات التي قد يأتي بها الطفل من الخارج، وخلال هذا التصحيح يكون الصقل بالثقافة والتعاليم الصحيحة، فتجد هذا الطفل يزداد قوة وصلابة مع كل تساؤل يأتي به مستغرباً أو مستنكراً ثقافة خارجية، وفي كل مرة يخرج فيها هذا الطفل ويتصادم حضارياً مع المجتمع الخارجي يجد نفسه أقوى وأكثر قدرة على إقناع نفسه، وإيصال وجهة نظره بطريقة سليمة إلى مخالفيه بالرأي والدين، وهذا الكلام ينطبق على الولد والبنت على حد سواء.
بالتالي عندما يسمع الطفل عن ديانة أخرى، فهو يؤمن عميقاً بديانته وتعاليمها وطقوسها؛ لأنه تربى عليها وتشربها من والديه القدوة، وبذلك يصبح له الدين السد المنيع والرادع لأي تصرف لا أخلاقي قد يصادفه أو يقع فيه.
لنر الموضوع بالعكس الآن، العائلة بدأت برجل وامرأة ليسا مؤهلين لتكوين عائلة، ينجبان أطفالاً، لا توجد ثقافة التربية، ولا الحوار ولا المتابعة ولا التواصل مع العالم الخارجي الذي يضم هؤلاء الأطفال، لا اهتمام بالدين، وإذا وجد الاهتمام يكون بطريقة الترهيب والتحريم دون إقناع وتفسير، الولد يكبر ويكون الوالدان هما عبارة عن إطار للعائلة فقط، أو المصدر الممول لكل ما يتمناه ويطلب، يدخل ويخرج ولا يعلم والداه أين يذهب، ومع من وكيف، يخطئ هذا الولد خطأً فادحاً، فيعاقب بالضرب والشتائم والكلام البذيء، يهرب إلى حضن دافئ يجده في المدرسة، يحاوره ويطلب منه نقل هذا إلى المهتمين بحقوق الأطفال، وتبدأ النهاية الذي بارك بداياتها الوالدان، ولكن قصصهما وأحاديثهما لمعارفهما والجيران وجيران الجيران بأن الألمان هم من يريدون تفكيكنا، وأخذ أولادنا وصهرهم في مجتمعهم المنحل وتطول الرواية.
أما البنت لنفس هذه العائلة فتكبر وتنشأ وهي كأخيها، لا حوار ولا متابعة، ولا ثقافة، ولا تحفيز على التعليم والتعلم، قمة الإبداع أن تلبس مثل هذه المغنية أو ترقص مثل تلك، وأن تبدع في تلوين يديها وصبغ شعرها بألوان قوس قزح، وتدخل وتخرج بلا سؤال أو رقيب، والبنت تكبر على الرومانسية، تعشق ذلك الأشقر الجذاب لتحاكي صديقاتها في المدرسة، وهنا يفيق الأهل على عمق الكارثة، تحبس البنت وتضرب وتشتم بأنها ستجلب العار لأهلها، فإما أن تنتحر هذه الصبية من أجل حبيبها الأشقر، وإما أن تلجأ إلى الحكومة للمطالبة بحقها، تماماً مثل حال أخيها، فهذه نهاية الرواية، وببركة الأهل منذ نعومة أظفارها، ويصبح عنوان الرواية المحكية: غسلوا عقل ابنتي وعلموها الإباحة وقلة الأخلاق في المدارس.
ولكن كل منا لديه عقل يفكر ويتفكر، وقد قال الله تعالى: (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ).
والآيات هي أن نتفكر في أنفسنا وفي عقلنا وكيفية التعبير عن ذاتنا، وتحث أيضاً على العلم والمعرفة الذي هجره الكثيرون بحجة (أنا فهمان وفهمان بيسوى مئة متعلم)، الفهم هو أصل العلم، لا يوجد إنسان خرج إلى الدنيا يعلم كل شيء، والإنسان يبقى يتعلم حتى آخر رمق فيه، أما من أوقف ذاته وعقله عن العلم، فلن تكون عواقب ذلك سليمة أبداً، ولا يقصد به أيضاً الشهادات والدرجات العلمية الخالية من أي نوع من الثقافة.
لنعد إلى هذه الأسرة البائسة، هم لهم جيران بنفس المنطقة، أب وأم مثقفان يعملان ويتابعان الأطفال ويخصصان وقتاً للحوار معهما، والوقوف على مشكلاتهم، وحلها بطريقة علمية وتربوية، كبر أولاد هذه العائلة ودرسوا في نفس المدارس التي غسلت عقول أولاد العائلة البائسة، تفوق هؤلاء الأولاد علمياً ورياضياً، دخلوا الجامعات، تخرجوا متفوقين ولم يسمع عنهم أحد غير السمعة الطيبة والتربية الصالحة، مع أن نفس الأولاد ونفس العائلات يعيشون في ذات البيئة والمجتمع، ودرسوا في ذات المدارس.
فمن يجب أن نلوم، وعلى من يجب أن تعلو أصواتنا، في النهاية لا يوجد دخان من دون نار، فلا نرهق آذاننا بسماع إشاعات لا نتأكد من صحتها ومتابعة مجرياتها، لا نصدق كل ما يقال لنا من الطرف الضحية، فقد نجد للطرف الآخر مبررات، وقد يكون الضحية هو من يمثل دور القتيل، كالمثل الشعبي القائل: (ضربني وبكى سبقني واشتكى)، ولا نعلق أخطاء تربيتنا المتراكمة على شماعة الغير التي نسميها شماعة الفاشل.
أولادكم فلذات أكبادكم، وهم كنزكم في هذه الحياة، لا ترهقوا أنفسكم في جمع الأموال وإهمال الأطفال، استثمروا في أطفالكم.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.