رحلة في عقل مواطن مغفل

عربي بوست
تم النشر: 2019/01/15 الساعة 15:08 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/01/15 الساعة 15:08 بتوقيت غرينتش
man with bowler with cloud over his head

 

 دأبت الأنظمة القمعية في عصور مختلفة وفي بلدان مختلفة على تغييب وعي وعقل شعوبها لكي تستمر أكبر وقت في الحكم؛ لأن الشعب المغيب سهل وسلس القيادة.

وهذه بعض سمات المواطن المغفل:

1- عاطفي

الشعوب في الدول القمعية عاطفية، والعجيب أن عاطفتها أشد ما تكون مع رأس النظام القمعي الحاكم؛ وانظر إلى المظاهرات التي خرجت ببقاء القائد الورقي ناصر (والمنهزم دائماً) والذي أتي بهزيمة ساحقة لجيشه ولمصرنا المكلومة بالحكام العسكريين في حرب 5 يونيو (حزيران) 1967!

وفي كرة القدم، إذا انهزم فريق هزيمة ساحقة، فإن جماهير النادي المهزوم تهتف بكل قوة حناجرها لتغيير المدرب، أما حينما ننهزم (5/صفر) في حرب يونيو (حزيران) 1967، فإن الجماهير خرجت لتهتف بكل قوة حناجرها ببقاء الزعيم الورقي والمسؤول عن الهزيمة الساحقة الماحقة!

والخمسة صفر تجلت في فقدان سيناء والقدس وغزة والضفة الغربية والجولان في 6 ساعات!

 

2- يقبل بالفتات من موارد الدولة

في الدول الاستبدادية، يقوم النظام الحاكم بالاستيلاء على ثروات البلد ويجرفها تماماً ويرسلها إلى بنوك سويسرا وأخواتها، وحين يلقي إلى الشعب شيئاً من تلك الثروات، فإنما يرمي إليه (الفتات) في صورة كرتونة زجاجة زيت مع شوية أرز، ومن غفلة المواطن المغفل أنه يعتقد أن هذا الفتات هو كرم وعناية من النظام الحاكم للشعب!

 

3– لا يعترض

شعوب الدول القمعية (لا تهش ولا تنش)، وهي سهلة القيادة، ويدعون على المنابر (بكل خير) لحكامهم القمعيين الذين يحكمونهم، وحتى تقدسهم أحياناً!  

 

4- يصبر ويتحمل

المواطن المغفل عن حقوقه في ثروات بلده، يكد ويكابد أهوال الفاقة والحاجة والفقر والبؤس، ويقوم رجال الدين بجعل عقله يتقبل أن الحياة الدنيا ما هي إلا الشقاء والكد والتعب والفقر والبؤس والمسكنة، أما الحياة الآخرة فهي الراحة والغنى وجنات الفردوس.

 

5- جاهل

الأنظمة القمعية تحرص كل الحرص على تجهيل شعوبها، وتجريف التعليم من محتواه، وعادة ما تكون ميزانية التعليم والصحة من أقل الميزانيات، وأغلب الميزانية تذهب إلى منظومة وزارتي الدفاع والداخلية لحماية كرسي الحاكم بأمره، وليس لحماية الشعب والدولة من عدوان خارجي.

ومن السخرية القاتمة، أن الأنظمة القمعية ما برحت تخسر معاركها مع الدول المعتدية!

 

6- مغيب الوعي

إن وظيفة أجهزة الإعلام في الدول الديكتاتورية هي تغييب وعي الشعب؛ لأن الشعب المغيب وعيه سهل القيادة.

ومن الوسائل الهامة لتغييب وعي الشعوب هي (انتشار المخدرات) بأنواعها؛ لأن الشعب المسطول سلس القيادة.

ومن المخدرات الشهيرة التي تنشرها النظم القمعية هي (كرة القدم)؛ حتى تستهلك وقت وجهد وطاقة المواطن المغفل وتبعده عن التفكر في حقوقه السياسية والاقتصادية والاجتماعية المهدرة!

 ومن تغييب الوعي، توزيع النظم القمعية (صكوك الخيانة والإرهاب) للثوار هذا إذا حدثت ثورة؛ وانظر إلى نظام السيسي بعد انقلاب 3/7/2013، كيف اعتبر كل ثائر إخوانياً، وكل إخواني إرهابياً؛ إذن كل ثائر إرهابي؛ وكل إرهابي يجب قتله، وهذا ما نراه في الأخبار حينما تعلن وزارة الداخلية عن تصفية شباب قاوموا السلطات بالسلاح، ولم نرَ ولو جرحاً بسيطاً لأفراد الأمن أثناء الاشتباك!

7- مقموع الفكر والإبداع

دأبت الأنظمة القمعية على تكميم الأفواه وبث الخوف في نفوس الشعوب التي تحكمها بالاعتقالات والتعذيب والقتل خارج القانون؛ وأدى هذا إلى قتل الفكر والإبداع والتطوير، وأدى القمع أيضاً إلى أن يكون شعار الشعوب المقموعة هو (ليس في الإمكان أبدع مما كان)؛ فلا يوجد طموح لديه للتغيير إلى الأفضل، ولتطوير بلادهم، وللتقدم والازدهار، وأنى له ذلك وهو مقيد في الأغلال؟!

 

8- خائف

المواطن في الدول القمعية يعيش في دولة تسمى (دولة الخوف)، وفي هذه الدولة، يتجسد الخوف أمام نفوس المواطنين في أشكال كثيرة؛ فهناك خوف من الجار فربما يكون من أحد بصاصي السلطة، وهناك خوف الأب من الابن والابن من الأب، والخوف من عدو وهمي صنعته أجهزة الإعلام، والخوف من تجسس أجهزة أمن النظام على وسائل الاتصال المتعددة مثل الهواتف الأرضية والمحمولة وحتى وسائل الاتصال الاجتماعي مثل تويتر وفيسبوك، والخوف من بطش القوة الحاكمة وأجهزة التعذيب الرهيبة والتي تفتك بمعارضي النظام الحاكم وغيرهم؛ فالخوف يجوس خلال نفوس أفراد المجتمع، وهذا يؤدي إلى الرعب، وفقدان الثقة بين أفراد المجتمع، والتوتر، والحزن، والكآبة، والتمزق الروحي، حتى يصل الفرد إلى محطة الانتحار.

ورأس النظام الحاكم ذاته لا يفتأ يبث (نشر فوبيا سقوط الدولة)!

وفي دولة الخوف، لا حق للمواطن أن يبدي رأيه، ولا يحق له أن يعترض على ظلم واقع به أو بغيره، ولا يحق له أن ينبس ببنت شفة حتى وإن هجر من بيته أو أخذ بيته لصالح فئة مرتبطة بالنظام الحاكم، ولا يحق له أن يتنفس إلا بإذن النظام القمعي الحاكم!

 

9- منافق

وبسبب حالة الرعب التي استولت على روح المواطن، فإنه لا يجد أمامه سبيلاً للنجاة سوى أن ينافق السلطة الحاكمة بدءاً من مديره في العمل وانتهاءً برأس النظام الحاكم! يا لطيف يا رب..

 إن عودة الوعي للمواطن المغفل هي البداية لكي ينفض عنه غبار الغفلة عن حقوقه المهدرة، وهي البداية لينزع عنه براثن الخوف من أشياء كثيرة ما برحت أجهزة الدعارة الإعلامية تزرعها في جنبات نفسه، وهي البداية لكي يثور ضد كل ظلم وطغيان، وهي البداية لكي ينطلق ويبدع ويطور نفسه وبلده ليلحق بقطار الحضارة والتقدم والازدهار..

إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.

 

[1] انظر إلى موقع السينما كوم.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
محمود خليفة
كاتب وطبيب بشري
محمود خليفة، طبيب بشري أخصائي جلدية، من مواليد 1963. كاتب وأديب وله رواية "أرض الجمل" مطبوعة. وله عدة قصص قصيرة منشورة في مجلة "أنهار" الأدبية وموقع "قاب قوسين" وغيرهما. وله مقالات سياسية منشورة في موقع "عربي بوست" و"ساسة بوست" وغيرهما.
تحميل المزيد