اقتحموا الكعبة بالأسلحة فجراً وأعلنوا ظهور المهدي المنتظر.. قصة احتلال الحرم المكي

عربي بوست
تم النشر: 2019/01/13 الساعة 14:31 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/01/13 الساعة 14:31 بتوقيت غرينتش
جهيمان العتيبي الذي اقتحم الحرم المكي عام 1979

بنبرة تميل إلى الحدة انطلق هذا الصوت عبر مكبرات الصوت لتصل أصداؤه إلى أرجاء الحرم المكي، إنه إنذار من حكومة خادم الحرمين الملك خالد بن عبدالعزيز لمن يستحوذون على ساحات الحرم ويحتجزون بعض الوافدين لأداء المناسك بأن يسلموا أنفسهم ويجبروا أسلحتهم ويطلقوا سراح المحتجزين، لكن لم يجد هذا النداء من القابعين داخل الحرم أي تلبية مما زاد الأمر تعقيداً، وهنا أصبحت الصورة أكثر وضوحاً، الحرم المكي تحت الاحتلال.

فجر الثلاثاء العشرين من نوفمبر من العام 1979 قررت مجموعة من الجماعة السلفية والتي كانت تكنى بالمحتسبة، وعلى رأسها جهيمان العتيبي السيطرة على الحرم المكي بدعوه ظهور المهدي المنتظر، في دقائق معدودة من بعد انقضاء صلاة الفجر استطاعت تلك المجموعة والتي كان يقدر عددها بنحو مئتي فرد متعددي الجنسيات، من السيطرة على الحرم وإغلاق أبوابه وبدأوا بتنفيذ خطة الانتشار المعدة مسبقاً وبتوجيهات مباشرة من جهيمان والتي كانت تأتيهم عبر مايكرفون الحرم والذي تم الاستيلاء عليه بالقوة بعد تنحية أمام الحرم عنه بالقوة، اتخذت المجموعات أماكنها في أنحاء الحرم ومن ثمَّ قدم جهيمان العتيبي صهره محمد بن عبدالله القحطاني بصفته المهدي المنتظر وطلب من الجموع المتواجدة داخل الحرم مبايعة المهدي المزعوم، وفي ظل هذا المشهد المهيب وتحت أصوات الطلقات التي انطلقت بغزارة من تلك الأسلحة التي يحملها رجال جهيمان والتي استطاعوا إدخالها الحرم المكي على حين غفلة من فرق أمن الحرم في نعوش مزيفة، بدعوى أنها تحوي جثامين جيء بها إلى صحن الحرم لأداء صلاة الجنازة عليها، وهي تحمل بداخلها كمية ضخمة من الأسلحة الخفيفة والذخائر، في ظل هذا المشهد اندفع بعض من الناسكين طوعاً وكرهاً لمبايعة محمد بن عبدالله القحطاني كونه المهدي المنتظر، سادت حالة من السكون ساحات الحرم ولكنه سكون يسبق العاصفة.

في تلك الآونة لم تكن تعي بعد القيادة السعودية حجم الكارثة التي حلت بها، فهذه الحادثة سوف تكشف الغطاء عن نظام آل سعود وتري العالم مدى هشاشته وضعفه وعدم قدرته الحفاظ على استقرار وأمن أهم بقعة في المملكة بل الأقدس على وجه الأرض عند المسلمين، أفاقت القيادة السعودية من الصدمة الأولى وبدأت في بداية الأمر وبشكل غير مدروس وتكتسيه العشوائية بإرسال بعض المجموعات من الأمن للاستطلاع، مما أدى إلى سقوط عدد ليس بالقليل في صفوف هذه القوات التي اشتبكت معها مجموعة جهيمان بشكل عنيف.

بدأ الخبر بالانتشار وأصبح في مقدمة نشرات الاخبار ومنشتات الصحف العالمية، مما دفع النظام السعودي إلى استصدار فتوى تبيح له التعامل بالقوة المسلحة مع جماعة جهيمان المسيطرة على باحات الحرم، ومن ثمَّ بدأت الاشتباكات على أبواب الحرم، ولكن على غير المتوقع وجد النظام السعودي مواجهة ضارية من مجموعة جهيمان وأرجع ذلك إلى استغلال مجموعة جهيمان مآذن الحرم كنقاط تمركز وسيطرة أعطتها أفضلية على القوات السعودية التي ظهرت بمظهر في منتهى الهشاشة بالإضافة إلى الخبرة التي اكتسبها جهيمان العتيبي كونه عضواً سابقاً في الحرس الوطني السعودي، مما دفع النظام السعودي إلى طلب الدعم من الرئيس الفرنسي "فالتري جيسكار ديستان" والذي كشف فيما بعد مدى هشاشة النظام السعودي، والتي تجلت في هذا المشهد وعدم قدرته على التعامل مع هذا الموقف. أرسلت فرنسا فريقاً للتعامل مع الحدث ووضع الخطة، وبعد ما يقرب من إسبوعين من الاشتباكات استطاعت القوات السعودية وبخطة فرنسية ومشاركة باكستانية وباستخدام الغاز الخانق استردادَ الحرم المكي من قبضة جهيمان ورجاله، واعتقال جهيمان العتيبي ومن تبقى من رجاله أحياء، وقد كان من ضمن القتلى محمد بن عبدالله القحطاني "المهدي المدَّعى". قتل في هذه الأحداث بحسب المصادر الرسمية السعودية 127 من القوات السعودية و117 من جماعة جهيمان و26 من الحجاج بالإضافة إلى 450 جريحاً من القوات السعودية ولكن شكك بعض المراقبين في هذه الأرقام وقالوا إن الأعداد فاقت العدد الذي ادعته السلطات السعودية بكثير، أصبح هذا الحدث النقطة السوداء الكبرى في في حكم آل سعود من لدن عبدالعزيز المؤسس إلى وقتنا الحالي، ففي عصرهم لم يعد البيت مقدساً ولا الحرم آمناً.

هذا الحدث سلط الضوء على حقيقة لم تكن بهذا الوضوح من قبل، لم يكن يوماً نظام آل سعود خادماً للحرمين ولم يشكل أمنه في وقت من الأوقات جزءاً من أولوياته، بل انحصرت مهمته في كونه وكيلاً للغرب على تلك الآبار المبعثرة في أنحاء المملكة والتي تضخ النفط للغرب. الحقيقة أن نظام آل سعود هو النظام الأكثر هشاشة في العالم، وأصبح هذا الأمر جلياً للعيان عندما ذكر ترامب في إحدى خطاباته السابقة أن نظام آل سعود هش لدرجة لا تبقيه على عرش المملكة إسبوعاً واحداً، ولولا دعم أمريكا والغرب له لطويت صفحته من زمن مضى، ولذلك عليه أن يدفع مقابل هذا الدعم وتلك الحماية، إضافة إلى مهمته الأساسية والتي وجد من أجلها، وهي حراسة آبار البترول وهذا بالضبط ما ذكره الرئيس الفرنسي وقت أحداث الحرم، الآن نستطيع أن نقول أن الحرمين حالهما كحال المسجد الأقصى، ولكن الفرق يكمن في أن الأقصى واقع تحت احتلال من عدو مباشر وواضح، أما الحرمان فيقعان تحت احتلال بالوكالة والوكيل يسمى نظام آل سعود.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
عبدالله حمادة
صحفي مصري
تحميل المزيد