تشاجر من أجل علاقة أنجح وحياة أفضل.. لكن تعرف على آدابه قبل أن تبدأ

تم النشر: 2019/01/10 الساعة 15:41 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/01/10 الساعة 15:41 بتوقيت غرينتش
Aggressive couple arguing about their problems at home.

سبق وأن سمعنا عن ثقافة الحوار، فهل سمعنا من قبل عن ثقافة الشجار؟ إن كلمة "شجار" حين تتبادر إلى سمعنا تترك انطباعا سلبيا جدا. لا يمكن أن نتقبلها فضلا عن أن نتقبل أن يكون لها "ثقافة" خاصة بها، وعلى الرغم من استنكارنا لهذا الأمر إلا أننا نمارس الشجار في حياتنا اليومية بشكل متكرر بدون أن نلتزم بقواعد سلوكية تجعل من هذا الشجار مقبولا ومثمراً! نعم، أنا أتحدث هنا عن الشجار، والشجار يمكن أن يكون مقبولا، بل أن يكون مطلوبا ومن ثم يثمر ثمارا إيجابية في حياة الإنسان.

غياب الشجار ليس علامة على نجاح العلاقات:

فيما يخص العلاقات الإنسانية نحن نؤمن ببعض المسلمات الخاطئة، سواء أكانت علاقة بين الإخوة أو بين الأزواج أو بين الأصدقاء أو بين الولد والوالد أو بين رب العمل والعامل أو حتى بين الحاكم والمحكوم. واحدة من هذه المسلمات تقول أن العلاقة الجيدة لا شجار فيها، لا مشاكل، لا اعتراض من قبل أي طرف على أي شيء، فالكل راض وسعيد، والحب الحقيقي أو الإخلاص الحقيقي أو البر الحقيقي أو أيا كان المسمى، يستوجب من الإنسان تقبل أي شيء من طرف العلاقة الآخر بدون اعتراض، فأي شجار في نظرنا هو علامة سلبية على اتجاه العلاقة نحو الفشل، لذا يجب لملمته وإنهاؤه بأسرع وقت!

ولكن الشجار على العكس من ذلك هو حاجة ملحة لنجاح أي علاقة إنسانية وليس مؤشرا خطيرا على فشلها. بل إن خلو العلاقات من الشجار قد يكون المؤشر الأخطر على فشل العلاقة ولو على المدى البعيد، قد يكون دلالة على أن هناك شيئا ما خاطئا فيها، أن هناك طرفا يتعدى على حق طرف آخر بدون وجه حق أو حتى بدون قصد، وأن هناك طرفا يسكت دائما عن حقه المهضوم ويكبت شعوره بالغبن، ثم يسكت وبكبت ويسكت ويكبت.. حتى.. ينفجر في النهاية، فتنفجر معه شجارات مدمرة لا تؤدي إلى أي تفاهم ولا تؤتي إلا الخراب!

شاجر فليس كل صبر جميلا:

نحن نسأل الله دوما أن يرزقنا الصبر الجميل، ولكن ليس كل صبر جميلا، ففي بعض الحالات يكون صبرنا على أمر نستطيع تغييره موقفا سلبيا، وعندما يصبر المرء على واقع فيه ظلم قابل للتغيير فإن صبره مهما كان طويلا وكبيرا فسينتهي يوما ما، وسينتهي في الوقت الخطأ الذي تكون فيه المطالبة بالحقوق مصنفة في بند التمرد وقلة الوفاء و"شو عدا ما بدا"! باختصار، في أي علاقة طويلة الأمد في حياتك، عندما تشعر أنك مغبون، أن حقك مسلوب.. اعترض.. طالب بحقك، حاور، ناقش، فإذا لم تنجح هذه الطرق شاجر! شاجر، فالطرف الآخر يجب أن يعرف أنه على خطأ من أجله ومن أجلك ومن أجل مصلحة علاقتكما معا وضمانا لاستمراريتها ونجاحها!

شاجر، فشجار جيد هو أمر مطلوب في كل علاقة حية ومتطورة، وشجار جيد أفضل من صبر طويل يعقبه انفجارات غير محسوبة، وأحيانا يكون الشجار هو الطريقة الوحيدة التي يعرف بها شريكك في العلاقة مدى جدية أمر ما وأهميته لديك! ولكن لا تنس أن تجعل لشجارك ثقافة رفيعة، فما كل شجار هو شجار ناجح ومثمر، ولكن الشجار الجيد يجب أن يكون خيارا عقلانيا مدروسا لا ردة فعل عاطفية، يجب أن يكون له خطته الواضحة في ذهنك وأهدافه النهائية التي تتسم بهامش يصلح للتفاوض عليه، يجب أن يتسم بالمرونة والليونة والقدرة على الإصغاء، فقد يجعلك شجارك ربما تدرك أنك تطالب بشيء ليس من حقك عندما تتاح للطرف الآخر أيضا فرصة شرح نفسه!

الصراحة ثم الحوار ثم الشجار الجيد قد تغني عن شروخ كبيرة تتسلل إلى أجساد العلاقات المتينة وتتسع على مهل حتى تزلزلها في النهاية وتنهيها بسبب أمور كان من الممكن بقليل من الوضوح والصراحة وبشيء من الشجار… تجنبها!

للشجار آداب أيضا:

ومن الضروري التأكيد على أن الشجار لا يعني الصراخ وتبادل الشتائم والأذية المتعمدة للطرف الآخر، فرسول الله أخبرنا أن من صفات المنافقين الفجر في الخصومة، ولكن الشجار الجيد الناجح يجب أن يكون راقيا محترما له أصول وقواعد وله أخلاق وآداب!

فإلى كل زوج وزوجة وأخ وابن وأب وصديق وعامل ومواطن ومحكوم ومظلوم وصاحب حق، لا تلعب دور الصبور المثالي، ولا تنتظر أن تتغير الأمور من تلقاء نفسها، ولا توصل نفسك إلى عتبة الانفجار ونفاد الصبر! الصراحة ثم الحوار ثم الشجار الجيد قد تغني عن شروخ كبيرة تتسلل إلى أجساد العلاقات المتينة وتتسع على مهل حتى تزلزلها في النهاية وتنهيها بسبب أمور كان من الممكن بقليل من الوضوح والصراحة وبشيء من الشجار… تجنبها!

 

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ديما مصطفى سكران
كاتبة ومدونة مهتمة بشؤون المرأة والأسرة واللغة العربية
كاتبة ومدونة مهتمة بشؤون المرأة والأسرة واللغة العربية
تحميل المزيد