الأنثى هي الأفق الذي تشرق منه شمس السعادة على هذا الكون فتنير ظلمته إذا كانت طفلة، وهي البريد الذي يحمل مع يده نعمة الخالق، إلى المخلوق إذا كانت أماً، والهواء المتردد الذي يهب الإنسان حياته وقوته إذا كانت زوجة، والمعراج الذي تعرج فيه النفوس من الملأ الأدنى إلى الملأ الأعلى إذا كانت امرأة صالحة.
عالم الأنثى عالم فريد من نوعه، عالم مليء بالرقة والعطف والحنان، عالم جميل وناعم.
فمثلاً، عالم النحل هو مجتمع بقيادة ملكة، الكل يعمل فيه بنشاط فائض ليعطي عسلاً صائغاً حلواً.
أكتب اليوم عن هذه الجوهرة النفيسة ليس لأقارن بينها وبين الرجل، فهما كائنان مختلفان كل الاختلاف ولا تكتمل تجربة الإيمان بالله إلا بوجودهما معاً، والرجل هو الأب والأخ والزوج والابن وهو رفيق الدرب.. وإنما أكتب عنها لشعور دفين بالنقص بداخلي، وذلك جراء ما عانيته في مجتمعي كأنثى من نظرة دونية تختزل دورها في بيت بين أربعة جدران، ذاك الكائن الحساس والضعيف الذي وجب التحكم فيه والتسلط عليه، في ظل مجتمع قليلاً ونادراً ما تحظى فيه المرأة بذلك الرجل الذي يدعم طموحها ويكون عوناً لها.
ما دفعني أن أكتب هذا المقال أيضاً قراءتي لكتاب "المرأة عبر التاريخ البشري"، حيث يرصد فيه المؤلف الدكتور عبد المنعم جبري واقع المرأة عبر العصور التاريخية بدءاً من الحضارات القديمة (العبرانيون، الفراعنة، الشرق الأقصى، البوذيون، الصينيون، اليونانيون، روما القديمة، المسيحيون، الجاهليون) إلى حدود بزوغ نور الإسلام.
كتاب مليء بالأحداث الغريبة والعجيبة، ألمت بنفسي عاطفة غريبة متنوعة الألوان وأنا أقرأه كأنما هو مزيج من الاشمئزاز والاطمئنان، من الخوف والسرور والحزن والأمل.. إحساس مليء بالشعور ونقيضه.
ملخص الكتاب هو كالتالي:
المرأة عند الهنود: إن الوباء والموت والجحيم والسم والأفاعي والنار خير من المرأة. وحقها في الحياة ينتهي بانتهاء أجل زوجها الذي هو سيدها ومالكها، فإذا رأت جثمانه يُحرق ألقت بنفسها في نيرانه، وإلا حاقت بها اللعنة الأبدية.
المرأة عند اليونانيين: كانت المرأة من سقط المتاع، وكانت تُباع وتشترى، وكانت تُعد رجساً من عمل الشيطان.
المرأة في التوراة: درت أنا وقلبي لأعلم ولأبحث ولأطلب حكمة وعقلاً، ولأعرف الشر أنه جهالة والحماقة أنها جنون، فوجدت أمَرَّ من الموت المرأة التي هي شباك، وقلبها شراك، ويداها قيود.
المرأة في الجزيرة العربية: "وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ ، يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ" ,( النحل ): 58 59 فإن نجت الوليدة العربية من الوأد، وجدت غالباً في انتظارها حياة ظالمة، ليس لها فيها نصيب من الميراث وقد تُكره على البِغاء. وقد تبقى بعد وفاة زوجها متاعاً يورث.
المرأة في العصور الحديثة: عقد في فرنسا اجتماع سنة 1586 م ليبحث شأن المرأة، وما إذا كانت تُعدُّ إنساناً أو لا تُعدُّ إنساناً. وبعد النقاش قرر المجتمعون أن المرأة إنسان ولكنها مخلوقة لخدمة الرجل.
المرأة في الإسلام: مع ظهور الإسلام وانتشار تعاليمه السامية دخلت حياة المرأة مرحلة جديدة بعيدة كل البعد عما سبقها. في هذه المرحلة أصبحت المرأة مستقلة ومتمتعة بكل حقوقها الفردية والاجتماعية والإنسانية. وقد اعتبر الإسلام المرأة كالرجل: كائناً ذا روح إنسانية كاملة، وذا إرادة واختيار.
وأكد أن الجنسين قادران على انتهاج طريق الإسلام للوصول إلى الكمال المعنوي والمادي لبلوغ الحياة الطيبة (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُون) [ النحل: 14 / 97 ]
إذاً بعد مجيء الإسلام تحلت المرأة بتاج الكرامة ولبست خاتم العفة، وعززت وظهر عزها وظهرت قيمتها.
فالمرأة والرجل متساويان أمام قوانين الجزاء أيضاً فهما متساويان في أصل النشأة، متساويان في الخصائص الإنسانية العامة، متساويان في التكاليف والمسؤولية، متساويان في الجزاء والمصير. وفي ذلك يقول القرآن الكريم: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) [النساء : 4/ 1] ويخاطب الله كلاً من الرجل والمرأة في القرآن، على مستوى واحد من الخطاب التكريمي وعلى مستوى واحد من التنويه بالقيمة الإنسانية التي يشتركان فيها. فهو يقول مثلاً: {مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً}[النحل:16/97]
ومن هذا المنطلق أود أن أوجه رسالتي للمرأة:
كوني التي أبت الرضوخ والاستسلام على مر العصور والأزمان، وسعت سعياً حثيثاً لإبراز ذاتها وإثبات قدراتها في شتى المجالات رغم تعدد المعيقات وكثرة المطبات.. كوني كتفاً بكتف مع الرجال في عتمة الليل أو حر النهار وهدفك الأسمى هو حريتك ولو متِّ في سبيلها.
تعلمي، فالعلم لا نهايةَ له وَلا يمكن حصره بشهادةٍ جامعية أو وظيفةٍ ما، احفظي القرآن الكريم وتعلمي علومه، ادرسي ما شئتِ من علومٍ دنيوية تُفيدك وتُفيد مجتمعك، اقرأي كثيراً واكتبِي أكثر، اعملي على تنميةِ مواهبكِ وَلا تستخفي بما لديكِ من مواهب وقدرات، فَكل ما تتملكينه من أشياءٍ ولو كانت بسيطةً وصغيرة، فهي أشياء جميلة وثمينةٌ لا شك. كوني امرأة حرة أبية لا ترضى الدونية في دينها ووطنها وحريته..
كوني ملكة وجميلة يجمّلك الحياءُ والطهر.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.