جدتي «بنفسج»

عربي بوست
تم النشر: 2019/01/08 الساعة 14:39 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/01/08 الساعة 14:39 بتوقيت غرينتش
مشهد من فيلم "up"

 

ذات صباح دافئ

جدي جدي.. لماذا دائماً كنت تنادي جدتي بفتاتي، إنها كبيرة.

ضحك وقال لي:

لأنها بالفعل فتاتي.  

أتعلمين ياصغيرتي كانت في غاية الجمال، حتى وإن كسا شعرها اللونُ الأبيض فى أيامها الأخيرة.

عيناها المكحلتان بالسواد واسعتان،

 كنت عندما أنظر إليها أشعر أنني دخلت في متاهة المجرة..

تمتلكين نفس سواد عينيها يا صغيرة.

كانت أحياناً تزينهما بخط أسود يزيدهما جمالاً، فتشتعل الغيرة في جسدي،

فأرفضه تماماً، وكان صوتٌ في داخلي يقول إنها لي فقط لا أريد أن يراها أحد ولا يتغزل بعينيها سواي.

كانت عندما تبتسم تغلق عينيها،

وعندما أقول لها كلاماً معسولاً كانت النار تشتعل في وجنتيها وتصبحان بلون حبات الفراولة التي أحب التهامها.

أما عن ثغرها فلا أستطيع أن أحدثكِ عنه.. كان دوماً سرَّ جنوني، وعندما كانت تلونه بالأحمر الداكن كنت أقرأ على عقلي الفاتحة؛ يجن جنونه ويفقد صوابه.

أما عن خصلات شعرها، فكانت سوداء يكسوها لون الشمس من الأسفل.. كنت دائماً أمرر يدي عليه وأخبرها أني أحبه.. فتزجر وتقول: أهو فقط! وتعقد بين عينيها، فأطبع قبلة على جبينها، وأقول أحبه لأنه لك، أما أنت فقد تخطيت مراحل الحب ولا أعرف ماذا أسمي الذي أُكِنه لكِ يا بنفسج.

بنفسج.. ما هذا الاسم يا جدي؟

لن أفصح عن هذا السر أبداً يا فضولية

تقريباً أخذتِ هذه السمةَ أيضاً من جدتك..

كانت جدتك يا صغيرتي ذات عقل موزون، كأن مرَّ عليها ١٠ عقود، وكانت طفلة كأنها لم تبلغ نصف العقد الثاني من عمرها.

أتذكر جيداً عند لقائنا الأول أخذت حوالي النصف ساعة حتى تنظر في عيني.

كانت لمستها حانية كأم ودافئة كطفلة،

عندما تحزن أو تفزع لم يكن لها مكان إلا بين ذراعي، أتذكر ذلك السؤال دائماً..

-هذا المكان لمن؟

-لكِ ياطفلتي

-أسيكون لغيرى يوماً!

-لمَ تقولين هذا؟

-أخاف الفقد دائماً

-لا تخافي.. هذا لك ولن يكون لغيركِ يوماً.

فتطمئن وتضم يديها إلى صدري وتغمض عينيها.

كانت تزعجني مراراً بفصل الشتاء القائم دائماً في قدمها، فتعلن الحرب على الدفء في قدمي.

كنتُ ملاذها الوحيد بعد الله، حتى وإن كنت أنا من أغضبْتُها، كانت تأتي وتشتكي لي مني..

أتذكر أيضاً كانت تحب سماع القرآن بصوتي

أترين هذا الجزء في الغرفة؟

هذا كان مسجدنا الصغير كنت أصلي بها إماماً دائماً،

أترين هذا المصحف كنا نختمه سوياً

كنا نتسابق في الخير دائماً..

وكانت دائماً تخبرني: هيا لنفعل ذلك سوياً حتى يكون لنا نفس الدرجة في الجنة..

كنت عندما أستقيظ ليلاً أسمع صوت تنهيداتها وبكائها على السجادة لم تكن تسجد سجدة، إلا وكانت تدعو لي مثلما تدعو لنفسها.

أتعرفين يا صغيرتي كنت أغار عليها من نفسها

لن أقول لكِ إنني كنت أغار من أبيها عليها،

ولن أقول أيضاً إن ثمة صندوقاً خشبياً في خزنتها كانت تحبه بشدة.. كنت أرى أنه يجب عليها ألا تحبه، وبأني فقط من يستحق كل ذرة حب في قلبها.

أخطأت بحقها كثيراً

لكن كانت دائماً بقلب الأم تسامح من كلمة واحدة وتنسى كل شيء..

سكَت جدي واغرورقت عيناه بالدموع، وأغمض ففاضت..

جدي.. جدي: ألن نرى جدتي مجدداً؟

-سوف نراها ياصغيرتي.. فأنا مثل ما كنت أدعو الله أن يجمعني بها في الدنيا واستجاب لي ولها..

أدعو الله الآن أن يجمعني بها في الجنة حيث حياة النعيم الأبدية.

غفر الله لي ولها.. (ورحمة الله على جدتك بنفسج)

كانت فتاتي الحمد لله وستظل دائماً مهما مر علينا العمر وكبرنا في العقود.. ستظل ابنتي الأولى.  

هيا، يكفي هذا القدر الآن يا صغيرة..

 اذهبي وأخبري أمك أن تعد لي فطائر التوت مثلما كانت تفعل جدتك.. وأخبريها أيضاً أن تعد قدراً كافياً مثلما نفعل يوم الجمعة، فأنا ذاهب لجدتك اليوم لأخبرها أنني اشتقت لها جداً، وأن الحياة بعدها عدَم.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
منة التابعي
طالبة مصرية بكلية التربية
تحميل المزيد