في مركز العاصمة الروسية "موسكو"، على تلة غير مرتفعة، بالقرب من الكرملين، الواقع مقابل الساحة الحمراء، قلب موسكو ورمزها، والساحة الرئيسة للمدينة ومكان إجراء الاحتفالات الوطنية والجماهيرية والفنية، ومسيرات الاحتفال والعروض العسكرية والرياضية والعمالية- تقع مكتبة لينين الحكومية، المسماة باسم مؤسِّس الحزب والدولة السوفييتية السابقة "فلاديمير إيليتش لينين".
مكتبة لينين الحكومية تعتبر واحدة من أشهر المكتبات العالمية، وأعظم المكتبات الحكومية وكبراها في الاتحاد الروسي، وهي مؤلَّفة من بناءين: بناء قديم، وبناء جديد.
البناء القديم "بيت باشكوفا القديم"، المعروف في كل أنحاء العالم، والذي يعود تاريخ بنائه إلى القرن الثامن عشر الميلادي، مصمِّم المشروع هو المهندس المعماري "باجونوف".
هنا في الأول من يناير/كانون الأول عام 1862، افتُتحت أول مكتبة حكومية وعمومية ومجانية، وضم مخزونها مجموعة غنية من الكتب والمخطوطات.
في البداية، احتوت هذه المكتبة المتواضعة، طبقاً للمصادر الروسية، على 100 ألف نسخة، جمعها الأمير نيقولاي روميانتسيف، الذي أطلق على المكتبة اسمه نسبةً إليه، وعلى قاعة واحدة للمطالعة، تتسع لـ20 مكاناً فقط، وكان عدد الموظفين العاملين بشكل دائم في المكتبة 4 موظفين لا غير.
ومنذ عام 1862، باتت المكتبة تتسلم نسخة من المطبوعات كافةً التي تصدر في روسيا، كما أهدى مواطنون إلى المكتبة مئات من مجموعات الكتب والمخطوطات، وفي قاعاتها تم إعداد الكثير من المؤلفات الفنية والدراسات العلمية.
مجموعة الكتب والوثائق والمخطوطات المختلفة، التي احتوت عليها المكتبة في البداية، جرى تجميعها من مختلف المكتبات الروسية العامة والخاصة والشخصية.
وكانت إمكانات المكتبة المادية بسيطة ومتواضعة جداً، لأن الحكومة القيصرية لم تعمل على توفير الوسائل والإمكانات اللازمة لتوسيع وضع المكتبة وتطويره، لكن الفضل الكبير والعظيم في ذلك يعود إلى الكُتاب والأدباء والشعراء والعلماء الروس، الذين عملوا كل المستحيلات، وقدموا كل الإمكانات المادية والمعنوية، الممكنة واللازمة، من أجل توسيع المكتبة وتطويرها، ومن أجل زيادة عدد الكتب فيها.
المثقفون الروس لم يقدموا فقط الكتب والمخطوطات والوثائق القيّمة، الموجودة في مكتباتهم الخاصة، بل تبرعوا أيضاً بالمال لشراء الكتب والصحف والمجلات، ولتغطية نفقات المكتبة.
وكان يتردد عليها كل من: ليف توليستوي، وأنطون تشيخوف، ودوستويفسكي، ومندليف، وتسيولوفسكي، وتيميريازوف، وكثيرين من مشاهير الشخصيات الروسية.
وهنا في المكتبة غرفة خاصة تُحفظ فيها كل أعمال وصور وكتب ومطبوعات الديمقراطيين الثوريين الروس، بالإضافة إلى الوثائق والمطبوعات والنشرات التي اعتُبرت في ذلك الوقت سرية، والتي أدت دوراً كبيراً في تطور الحركة الثورية الروسية.
وتم في عامَي 1914-1915، طبقاً للمراجع الروسية نفسها، افتتاح خزانة جديدة تتسع لـ500 ألف مجلد، بالإضافة إلى قاعة للمطالعة تتسع لـ300 مقعد للقراء.
وبعد عام 1917، تزايد مخزون المكتبة على حساب مجموعات الكتب المؤممة، وذلك بأكثر من 1.5 مليون مجلد، وكانت المكتبة قبل ثورة عام 1917 تحمل اسم روميانتسيف، وتم في عام 1921 تغيير اسمها، وأطلِق عليها اسم لينين، وصارت تسمى مكتبة لينين الحكومية، لكونها خزانة الكتب الرئيسة والمكتبة الوطنية رقم 1 في البلاد.
أما البناء الجديد للمكتبة، فيقع بالقرب من البناء القديم، وهو عبارة عن بناء عصري وحديث، مؤلف من عدة طوابق، قام ببنائه مجموعة من المهندسين المعماريين السوفييت، واستغرقت عملية إنشاء واستيعاب مبنى جديد للمكتبة طوال الفترة ما بين عام 1930 وعام 1960.
واليوم تحتوي مكتبة لينين الحكومية، حسب منشورات المكتبة نفسها، على أكثر من 14 مليون مطبوعة وطنية صدرت بـ91 لغة محلية و14 مليون مطبوعة أجنبية صدرت بـ297 لغة، ومنها اللغة العربية.
بالإضافة إلى ذلك، تحتوي المكتبة على كل أعمال مؤسِّسي الماركسية – اللينينية، وعلى الوثائق والنشرات والمطبوعات والصحف العلنية وغير العلنية الصادرة عن الحركة الشيوعية العالمية، وعلى الصحف والنشرات والمجلات الثورية التي يعود تاريخها إلى نهاية القرن التاسع عشر.
وفي المكتبة تُحفظ أول صحف جماهيرية وعمالية كانت تصدر بشكل سري في روسيا وبالخارج.
وفي عام 1919، أمر لينين بتوسيع المكتبة وضمها إلى دوائر الدولة، وعمل لينين على أن تكون المكتبة شعبية وقريبة من الشعب.
وفي عامي 1925 – 1926، أُنشئت بالمكتبة أقسام خاصة ومتحف للكتب، وظلت مكتبة لينين طوال الحرب الوطنية العظمى المكتبةَ الوحيدةَ العاملة في موسكو التي لم يتم إخلاؤها، وذلك ما عدا قسم منها يحتوي على مطبوعات نادرة للغاية.
مكتبة لينين لها علاقات واسعة مع عدد من المكتبات العالمية المشهورة، وهي مرتبطة بعلاقات في مجال تبادل الخبرات المكتبية، وفي مجال تبادل الكتب والمعلومات المختلفة، مع 4000 منظمة متخصصة بالمكتبات في أكثر من 100 دولة.
المكتبة تحتوي أيضاً على قسم خاص ببلدان آسيا وإفريقيا، وهذا القسم يحتوي على الوثائق والمخطوطات التي صدرت بـ95 لغة شرقية.
للمكتبة خزانة للكتب الشرقية، أعدها في الأصل المستشرق والرحالة أبرام توروف، وتحتوي اليوم على أكثر من 800 ألف كتاب، أغلبها تتعلق بالدين الإسلامي.
أما في الوقت الحاضر، فتحتوي المكتبة على مجموعة فريدة من نوعها من المطبوعات والمخطوطات الوطنية والأجنبية التي أُلّفت بلغات مختلفة من لغات شعوب العالم.
ويزيد مخزون المكتبة، حسب المصادر الروسية ونشرات المكتبة الدورية، على 44 مليون نسخة من الكتب والمخطوطات والدراسات العلمية والنشرات الدورية.
المكتبة حالياً تحتوي على 23 قاعة مطالعة، وكل يوم يزورها أعداد كبيرة جداً من الزوار الروس والأجانب. وفي 29 يناير/كانون الأول عام 1992، جرى تحويل اسم لينين إلى المكتبة الوطنية الروسية.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.