عندما يكون للأمل مساحة كبيرة في حياتنا تصير رغبتنا جامحة في التطور وتحسين أمور كثيرة في واقعنا، خصوصا إن كنا مقتنعين بقدراتنا على التغيير الإيجابي؛ فهذه هي الخطوة الأولى للارتقاء بطموحاتنا وبلوغ مرامينا الحياتية، بعد التوكل على العلي والاستعانة به، وهذا خير ما نبتدأ به عامنا الجديد الذي لا يسعنا إلا أن نحسن استقباله ببث أمل كبير في نفوسنا التي ترفرف بإصرار وعزم، لتطوي كل ما خلفها من ألم وفشل، فنظرتنا في بداية العام الجديد مشرقة متلألئة بما ستثمره عطاءاتنا فيه.
كلما كان الأمل حاضرا في حياتنا إلا وتولدت معه أفكار إيجابية عظيمة ومشاعر رضا عن الذات قوية، لذا فتواجده في بداية عامنا هذا سيمد ذواتنا بطاقة دافعة للسير بخطى ثابتة نحو بلوغ قمم الفلاح المرتفعة، وإن كثر صوت المثبطين وزاد عدد قطاع طرق النجاح الذين يحاولون النيل منا لما نتوفر عليه من مقومات وإمكانيات لا يقدرون على امتلاكها، ولأنهم لا يقوون على تحمل رؤيتنا في تلك المراتب العليا رغم أنا زائلة بفنائنا.
ولو لم يكن هناك شيء اسمه الأمل في حياتنا لتوقفت عجلة تقدمنا فيها بفعل رياح الإحباط واليأس التي تعصف بنا بين الفينة والأخرى ولعجزنا عن السيطرة على أمور كثيرة في حياتنا، وذلك ما سيؤدي لا محالة إلى الركود والكسل وفقدان الرغبة في الكفاح وتحسين الأوضاع، خصوصا وأن الإنسان له قدر محدود من الطاقة قد تنفذ في أحيان كثيرة، لذلك من المهم جدا ألا نسمح لما يمتص طاقتنا بأن يستقوي علينا ويسلبها منا.
يبزغ الأمل في طريقنا مع بداية هذا العام الجديد العامرة بتراتيل الفرح وومضات التفاؤل التي يزرعها فينا لطف المنان ومدده ودعوات أحبتنا المخلصين، وبطبيعة الحال فالأمل وحده لا يكفي لتحقيق الطموحات والمتمنيات إذ يلزم أيضا المثابرة والعمل الدؤوب، فعندما يكون لدينا أمل ممزوج برغبة شديدة وعمل مواظب تصبح إمكانية إحداث التغيير حقيقية، ولا تظل مجرد أماني نتمنى حدوثها وأحلام نحلم بأن تصبح في واقعنا، لنجعل السنة الجديدة نقطة للتغيير في حياتنا كي نصل إلى ما نطمح له فيها بنجاح مبهر.
سنرسم في بداية عامنا الجديد الأمل رغم الظروف اللاإنسانية التي نعيشها، والأهم من هذا كله أن ندخل عمانا الجديد بقلب متسامح طاهر من الحقد والغل، لأننا نحمل قيما تجعلنا نسمو فوق الظلم الذي تجرعناه والجراح التي أصبنا بها خيانة أو غدرا، لهذا فنحن نتطلع على الدوام إلى عالم مليء بالحب، فكلما طهرت قلوبنا زادت مساحات بياضها الكوني خيرا وعطاء، وكلما حصنا أنفسنا بالأمل حسنت بداياتنا الجديدة وما يليها سواء مع الله أو الناس أو النفس.
لندع الأمل يبتسم لنا مع بداية عامنا الجديد، ويهمس في أذاننا بأن أيامه ستكون مشعة بما سننال فيه من ربح معنوي ومغنم مادي، واستبشارنا معقود بالعزم الصادق والنية السليمة، فالرؤية التفاؤلية للقادم تشرق معها نفس الإنسان وتزيد في حبها للخير، فتتسامى معه الأماني المستقبلية على مبادئ العطاء النبيل، لهذا فالأمل متصل بالخير وله تأثير واضح على إنتاجية الإنسان، أي أنه كلما اكتست النفس بالأمل عمرت بالخير، وصارت لا ترى غيره، كدأب نفوس الصالحين والتابعين وسمات صفاتهم التي تربت على الفأل الحسن ويؤكد ذلك قول الله عز وجل في سورة الأنفال: (إِن يَعْلَمِ اللّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).
يتمنى الجميع بأن يكونوا في بداية هذا العام أفضل من سابقه، بإضافة مكاسب وإنجازات جديدة، وكذلك تجاوز الخسائر والتراجعات، وفي كل الأحوال يبقى الأمل وقودنا لتغيير نمطنا الحياتي والتخلص من كل ما يعيقنا ويحول بيننا وبين ما نبتغيه ونعمل جاهدين لتحقيقه، فلا سبيل لبلوغ النجاحات ونيل مراتبه العليا من دون الحاجة لجرعات الأمل الشافية في جميع ميادين التحدي التي لا تخلو من الصعاب والمتاعب.
وفي بداية هذا العام ينبغي أن تكون أولى أولوياتنا الاهتمام أكثر بصحتنا النفسية وبكل ما يجعلها جيدة ومتوازنة، وبطبيعة الحال لن يتم ذلك من دون ما أن نحافظ على كل ما يزرع الثقة في ذواتنا، الشيء الذي يعني أن نطور من قدراتنا لنكون أفضل حالا في الغد مما كنا عليه بالأمس أو اليوم، وهذه فرصة جديدة في حد ذاتها لنقف مع أنفسنا، فنتدبر ما حدث لنا في العام الماضي بعيدا عن الإحساس بالندم ولوم الذات وجلدها على ما اتخذناه من قرارات غير موفقة، لنتمكن من معرفة وإدراك الأمور القيمة في حياتنا فنميز بين الغث والثمين، ومن ثم نغير تفكيرنا وتصرفاتنا حتى يحدث التغيير الحقيقي والفعال في واقعنا، فنلمس بذلك التحسن ونستمتع بثمار ما نزرعه.
لابد للأمل أن يحضر في بداية العام الجديد لتسهيل عملية تهيئة نفوسنا لاستقباله بشكل إيجابي، حتى نتمكن من الوصول لأهدافنا التي نبتغي تحقيقها فيه بنظرة تفاؤلية وقناعة ذاتية بعد تعويد أنفسنا على استخدام لغة إيجابية في حياتنا، لتحفيزها على البذل والعطاء، والبعد عن السلبية في القول والعمل، لرسم ملامح مستقبل مشرق لا ركون فيه للملذات التي تحدث وهنا في عزيمتنا، فنصير بذلك منشغلين بصغائر الأمور فقط.
لا يمكننا أن نظل على قيد الحياة بدون أمل حتى وإن كنا نفيض قناعة بأننا مجرد سراب لائح في أفق صحراء العمر، هكذا نحن البشر مجبولون على حب الحياة والاستزادة منها قدر الاستطاعة
ننتظر في إطلالة كل عام حدوث الأجمل والأفضل في حياتنا بالرغم من تسارع روزنامة الأيام في هذا العالم الذي نعيش فيه، والذي يقترب بنا إلى النهاية أكثر من أي وقت مضى، ولا ضير في أن ننشغل بدنيانا كأننا سنحيا فيها أبدا بالعمل الصالح الذي سيجعلنا بمشيئة المنان من الفائزين في الآخرة، من دون ما أن نترك مجالا لطول الأمل ليغزو أذهاننا وأفعالنا فقد يبيع الإنسان آخرته بعرض زائل، لأن الأمل ألهاه وأشغله بمتع الدنيا عن الآخرة.
نبدأ عامنا بإعادة نشر أشرعتنا في رحلة سنوية جديدة ونحن متفائلين في عيش لحظات عمرية جميلة كالتي تحملها تطلعاتنا المتخمة بالأمل الذي ينير ذواتنا ببريقه النوراني بعد إشراقة أول أيام هذا العام، خصوصا وأننا نستهله ونحن مغمورين في نعم الله الجليلة وخيراته الجزيلة، فبالأمل تنقشع الضبابية التي ترسو على ربوع قلوبنا جراء تتابع المصائب والفتن، ويأتي الصحو الذي يجعل عطاءنا ينهمر بتفجر منابعه الصافية والعذبة، فتحقق الأمنيات بعد زوال ما غطى أفقنا.
وفي الأخير تجدر الإشارة إلى أهمية حسن الظن بالله الذي يعد من بين أكثر الأشياء التي تبعث الأمل، ونستحضر هنا قول ابن القيم رحمه الله: "كلما كان العبد حسن الظن بالله، حسن الرجاء له، صادق التوكل عليه: فإن الله لا يخب أمله فيه البتة؛ فإنه سبحانه لا يخيب أمل آمل، ولا يضيع عمل عامل، وعبر عن الثقة وحسن الظن بالسعة؛ فإنه لا أشرح للصدر، ولا أوسع له بعد الإيمان من ثقته بالله، ورجائه له، وحسن ظنه به". ولا يمكننا أن نظل على قيد الحياة بدون أمل حتى وإن كنا نفيض قناعة بأننا مجرد سراب لائح في أفق صحراء العمر، هكذا نحن البشر مجبولون على حب الحياة والاستزادة منها قدر الاستطاعة، ولو كانت الموت اختيارا لما مات أحد منا، ولضاقت الأرض بالخالدين ما رحبت.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.