بدأ عام جديد نأمل أن تكون فيه البشائر أكثر من المصائب، والسلم والأمن يغلب على الحروب والخوف، والطموحات والآمال ترى النور من حولنا، في عالم مليء بتشابك المصالح، وغياب القيم والمبادئ، تتغلب فيها وتتصارع القوى الغربية على شرقنا العربي والإسلامي، بلا رحمة أو قيود.
بزغ عام جديد بعد عام، بل أعوام، لم ترَ فيها الشعوب العربية والإسلامية إلا كل التحديات والعقبات، على مستويات عدة، كانت ولا تزال الأنظمة المستبدة تسيطر وتهيمن على مقدرات الشعوب، وتقهر مواطنيها، وتحارب كل من يخرج عن طوعها، إما بالقتل، أو السجن، أو الإبعاد، أو التشويه.
طبيعة الأنظمة المستبدة
هذه الأنظمة المستبدة، خاصة في المنطقة العربية، أصبحت مستعمرات دكتاتورية، يساعد بعضها بعضاً على تفكيك المنطقة لصالح غيرها، بل قامت ولا تزال، للأسف، باستخدام كل مقدرات وأجهزة الدولة لمصلحتها على حساب أمن الوطن والمواطن، ورفعوا لافتات وهمية لقهر الشعوب وإذلالها، منها: "محاربة ومكافحة الإرهاب، أو مواجهة أهل الشر، ومواجهة المؤامرات الخارجية"، كل هذه الشعارات لتمكين تلك الأنظمة لسلطانها، وسيطرتها على مفاصل الدولة، ولم يهتموا بتحسين أوضاع شعوبهم معيشياً واجتماعياً، ولم يساهموا في تطوير الاقتصاد وازدهاره، بل كلفوا خزينة الدولة الكثير، واعتمدوا على سياسة الجباية للمواطنين البسطاء، وكمموا الحريات العامة، وصادروا حرية الرأي والتعبير، وسيطروا على أجهزة الإعلام، وأصبح الكثير من الكذابين المنافقين يزوّرون الوقائع ويلعبون في عقول الناس يومياً، بلا أي خجل، وأمموا الحياة السياسية، وحاربوا وسجنوا كل من يخرج عن طوعهم، بل قتلوا الكثير منهم، ومن أبرز الأمثلة على ذلك من نراه ونشاهده في مصر والسعودية والإمارات.
وحقيقة الأمر أن هذه الأنظمة المستبدة تقوم على عدة أسس منها: الفساد، والعمالة للخارج، والتزييف، وقمع المخالفين، مع عمل بروباجندا "propaganda" دائمة لتسويق مشروعها وتشويه غيرها، وخداع شعوبها، وتزييف وعيها.
وفي المجمل تحاول هذه الأنظمة الترويج لنظرية المؤامرة لتبرير فشلها، والتهرب من مسؤولياتها، لقمع الشعوب، وقهرها، والسيطرة عليها، لتأكيد وجودها، وفي الغالب، اعتاد بعض المواطنين العاديين البسطاء تصديق تلك الأمور، دون أدنى شك، بسبب الجهل السياسي.
هذا الكلام الذي يُدار بأجهزة إعلام جهنمية تُنفق عليها المليارات، لمحاولات التشكيك في أشخاص وتجمعات وكيانات بشرية، بل وأحياناً دول ومنظمات وهيئات، وهذا الأسلوب أيسر للأنظمة الحاكمة لتبرير وجودها، فالنظام المصري، على سبيل المثال، يحاول أن يلجأ دائماً لهذه الفكرة، لتبرير فشله وتثبيت أركان حكمه، ويروج أن هناك عدة دول منها: قطر وتركيا يتآمرون على مصر وأمنها! وبدلاً من التركيز على حل مشكلات البلد، والاستفادة من مقدرات الدولة البشرية والمادية، يتم تبرير أي فشل بسبب "شماعة المؤامرة"، وغالباً تكون تلك المؤامرة إخوانية! لذلك لا يمكن حدوث أي تقدم على جميع المستويات، طالما استمر الترويج لتلك الأكاذيب والترّهات، وتسليم البعض بها دون تمحيص أو تمييز.
ماذا يجب أن يكون في العام الجديد؟
يتساءل الملايين في العالم العربي: هل بعد هذا التضييق والعنت الذي تعاني منه المنطقة يمكن أن تتحسن الأحوال؟ وهل يمكن أن تنقشع الغمة، وينفرج الكرب على الشعوب العربية المغلوبة على أمرها، جرّاء الظلم الواقع عليها؟ وهل يمكن للأنظمة الحاكمة أن تتراجع عن غيّها، وتهتم بمصلحة شعوبها، وتحقق الحكم الرشيد، أم أنه لا أمل في تلك الطُغمة الفاسدة التي قضت على الأخضر واليابس؟
أقول: لابد ألا نفقد الأمل، أو أن نيأس من الواقع، فاليأس خيانة، والاستسلام للفاسدين عمل غير أخلاقي، فالأمل في الله كبير، ولكن لابد من السعي والأخذ بالأسباب الصحيحة، منها على سبيل المثال:
أولاً: على مستوى الفرد، دور الفرد الإيجابي له أهمية كبيرة لبناء نفسه، وتنمية مجتمعه، والأمة التي ينتسب إليها، ومن ثمّ عليه تطوير ذاته، والتحرك الإيجابي لنصرة المظلومين ومواجهة الظالمين، برؤية واضحة ومنهج سديد، وهذا المسلك لا يتأتى إلا عن طريق غرس القيم النبيلة، والمبادئ الإيجابية في النفوس، مثل قيم الحض على العلم والمثابرة عليه، والإتقان في العمل، وإنكار الذات، واحترام الرأي الآخر. وبقدر فقدان الفرد لهذه القيم بقدر تخلفنا عن الركب، وعدم الاستطاعة لمواجهة التحديات، والأنظمة المستبدة.
ثانياً: على مستوى العلماء والنخب، العلماء والنخب في العالم العربي والإسلامي عليهم أدوار مهمة في إعادة صياغة وترتيب الأولويات التي تحتاج إليها الأمة، ووضع خط فاصل وواضح بين القيم المبدئية التي لا يمكن أن تتغير، وبين المواقف والخطوات والوسائل الإجرائية التي يمكن التراجع عنها، أو تغييرها، أو تطويرها، أو تجاوزها إلى ما هو أكثر نضجاً ونجاحاً وقابلية لمواجهة الأنظمة المستبدة، وتحقيق مصالح الأمة، وعليها إعادة تشكيل مواقفها وفق المبادئ الكبرى التي تفيد كافة شرائح المجتمع، بشكل واضح وصريح ومؤسس ومنهجي.
ثالثاً: على مستوى الشعوب، لا يمكن الرهان على الحكومات العربية، بتوجهاتها السياسية، وواقعها الاستبدادي القمعي، واعتمادها بشكل كبير على الخارج، ومن ثمَّ يجب أن ندرك ضرورة الدور الشعبي الفاعل المؤثر، الضاغط على تلك الأنظمة المستبدة، فالشعوب الحية التي تتحرك من أجل قضاياها، هي التي تصنع تاريخها على الصورة التي تريدها وتختارها، فهي شعوب تناضل من أجل حقوقها وكرامتها وحرياتها، لا تخنع للظالمين، ولا تستسلم للمجرمين، بل تعبر عن إرادتها الحرة في العيش الحر الكريم.
رابعاً: على مستوى المنظمات والهيئات الحقوقية، تستطيع منظمات المجتمع المدني، القيام بدور مهم في ترسيخ حكم الديمقراطية والنهج الديمقراطي، كما يمكنها أن تلعب دوراً حاسماً في الكثير من القضايا المحورية والمفصلية في المجتمع الذي تعمل فيه، وهي بذلك تكون أداة تدعم وتؤدي دوراً من أجل تعزيز الحقوق المدنية، والحكم الرشيد، والدفاع عن حقوق الأفراد المسلوبة، ورصد وتوثيق الانتهاكات التي تمارسها الأنظمة المستبدة ضد شعوبها، ومد يد العون والمساعدة لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان بما فيها المساعدة القانونية.
خامساً: على المستوى الإعلامي، إن تحقيق التأثير المطلوب في اتجاهات الرأي العام يتطلب دوراً مهماً لوسائل الإعلام المختلفة في الدفاع عن حقوق الإنسان المسلوبة، وفضح الأنظمة المستبدة وتعريتها، وكشف مؤامراتها على الشعوب، مع التركيز على رفع نسبة الوعي لدى الجماهير، بالأساليب التي يفهمونها، والتنوع المطلوب حتى لا يملّ الناس من تلك الوسائل، خصوصاً أن هناك ترسانة كبيرة وأموال طائلة تُنفق على إعلام الثورة المضادة لتجهيل الشعوب، والتسبيح بحمد الحاكم صباحاً ومساءً.
ولعل يكون هذا العام بداية للتغيير المنشود، الذي ينعم فيه الجميع بالحرية والكرامة الإنسانية والعيش الكريم، في ظل حكم ديمقراطي رشيد.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.