الإبداع والتطوير متعدد الأبعاد

عربي بوست
تم النشر: 2019/01/01 الساعة 11:28 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/01/01 الساعة 11:28 بتوقيت غرينتش
Shot of creative colleagues working together in their office

تعد عملية تطوير عمل أي مؤسسة أو منظومة من الأولويات الهامة في هذا العصر المتسارع الذي نعيش فيه، فبقاء أي نظام في موقعه واستخدامه نفس الأساليب لسنوات متعددة يعتبر أمراً كارثياً في عصر يسوده التقدم الكبير والمتسارع، فالواقف في مكانه يتراجع خطوات عظيمة لأن ركب الإبداع والتقدم لا يتوقف أبداً.

هنا يمكن لنا أن نفهم قليلاً أسباب شعورنا بالإحباط عند مقارنة أي منظومة لدينا بمنظومة أخرى لنفس المجال في دولة أخرى من دول العالم المتقدم، فتخيل أنك تسير ببطء وأمامك شخص يركض، فخلال دقائق معدودة ستجد نفسك متأخراً عنه كثيراً.

لقد تأخرنا كثيراً عن ركب الإبداع والتقدم، ليس فقط لأننا لا نريد أن نطور أنفسنا ولكن أيضاً بسبب أننا لا نسير وفق منهجة متطورة أثناء عملية التطوير.

فكثير من المنظومات لدينا، كالمنظومة التعليمية، جرت عمليات تطوير لها وتغيير في المناهج، بيد أن النتائج على أرض الواقع تعطيك مؤشراً أن التطوير لم يحدث، وأن ما حدث هو استبدال كتاب بكتاب آخر، قد يكون أكثر جمالاً وأكثر قرباً لهذا العصر، ولكنه لم يسهم بشكل كبير في التطوير المرجو.

يبدو أننا بحاجة إلى إعادة النظر في إدارة العملية الإبداعية والتطويرية لأي قطاع من قطاعات الحياة، قبل الشروع في العملية التطويرية بذاتها، وهنا في هذا المقال أود الحديث عن إدارة العملية التطويرية والإبداعية، وكيف يمكن لهذه الإدارة المقترحة أن تعطي نتائج أفضل للمنظومة التي يتم تطويرها.

ما لاحظته خلال حياتي أن الغارقين في الأعمال اليومية الروتينية لأي مؤسسة يتدرب عقلهم اللاواعي على الروتين المتبع، ويصبح اتباعه أكثر راحة بالنسبة لهم من التفكير باستبداله، وبالتالي يصبح هؤلاء القائمون على عمل المؤسسة أحد عوائق التطوير والإبداع؛ لأن التغيير بشكل عام صعب والنفس تميل إلى ما اعتادت عليه.

لذلك فإن أولى القواعد التي يجب اتباعها لتطوير أي منظومة هو أن يتم اختيار جزء هام من مخططي التطوير من خارج فريق العمل، قد يكون بعضهم ممن عمل ولديه خبرة في نفس المكان، لكن ألا يتكون الفريق من أشخاص غارقين في الأعمال والروتين اليومي.

الأمر الثاني الذي يجب الانتباه إليه عند بناء فريق التطوير والإبداع، هو إضافة أبعاد جديدة للفريق، فالعملية التطويرية يجب أن تكون كالسينما متعددة الأبعاد، فكلما أضفنا بُعداً جديداً حصلنا على إبداع ونتائج أفضل، وأقصد هنا أن يكون فريق التطوير والإبداع مكوناً من تخصصات مختلفة لا علاقة لبعضها بعمل المؤسسة المراد تطويرها، كأن يكون في فريق تطوير المناهج المدرسية خبير في الحاسوب والإنترنت، أو أن يكون في فريق تطوير عمل مستشفى خبير في الإدارة أو المحاسبة أو عالم فضاء، فالأفكار الإبداعية تأتي من التفكير خارج الصندوق، وهؤلاء الذين لديهم خلفيات مختلفة عن عمل المؤسسة لابد أن ينظروا للمنظومة من زوايا أخرى لا يتقنها أصحاب نفس التخصص.

الأمر الثالث والهام في عملية التطوير والإبداع هو التقاء وتقاطع عدة مؤسسات في عملية التطوير، فما دور الجامعات المحلية مثلاً في تطوير المناهج المدرسية، وكيف يمكن أن يتم استثمار أبحاث ومشاريع الطلبة المختلفة في رفد المنظومة التعليمية التي تم تطويرها بوسائل وأساليب تنقل ذلك التطوير نقلات نوعية، فكم فيديو مثلاً أعده طلاب جامعات يخدم المناهج المدرسية؟ وكم مشروع من مشاريع تطبيقات الهواتف المحمولة تم توظيفها لتلبية تطوير المنظومة التعليمية؟

نحن نتحدث عن عملية تطويرية متعددة الأبعاد الأفقية والعمودية، بمعنى أن المؤسسات المتناظرة يتكامل عملها وتنسق فيما بينها لخدمة العملية الإبداعية والتطويرية، كما أن البعد العمودي ضروري جداً في عملية التطوير والإبداع، فتطوير منظومة معينة دون تطوير المنظومة الأعلى منها والتي تشكل مرجعية لها يعد أمراً عبثياً، فكيف سنحصل على نتائج التطوير والإبداع التي ابتكرناها إن كان هناك تعارض بينها وبين أنظمة الإدارات العليا أو الحكومة أو حتى إن كان هناك عدم توافق وانسجام.

هذا المقال يجيب مثلاً عن تساؤلنا عند دخولنا مستشفى حكومياً عن أسباب فشل المنظومة القائمة، فالأطباء ومدير المستشفى والمديرون الإداريون غارقون في العمل وفي التفاصيل الروتينية اليومية، ومقترحات التطوير تأتي منهم أنفسهم دون اللجوء لعمل لجنة متخصصة لعملية التطوير، وإن تم عمل لجنة تكون محلية دون اللجوء لخبراء من تخصصات مختلفة، كما أن مقترحات التطوير تتعارض في كثير من الأحيان مع أنظمة وقوانين وزارة الصحة.

من المعيب أن نُبقي على عمل مؤسساتنا كما هو دون تطوير ومواكبة للتطور العالمي الحاصل، ويجب أن ندرك أن جزءاً كبيراً من سوء الأداء في مؤسساتنا يرجع إلى تخلف الأنظمة القائمة وعدم العمل على تطويرها، وهذا في كثير من الأحيان ليس بحاجة إلى ميزانيات ضخمة بقدر ما هو بحاجة إلى عقول وإدارة.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
علاء الجعبري
حاصل على ماجستير في التطوير والتعاون الدولي
تحميل المزيد