التنمية البشرية.. ما لها وما عليها

عربي بوست
تم النشر: 2018/12/31 الساعة 13:49 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/12/31 الساعة 13:49 بتوقيت غرينتش
Large group of multi ethnic students sitting at university and listening to their teacher. Defocused teacher's hands on the foreground.

 مؤخراً صرنا نسمعُ كثيراً عن كتبٍ للتنميةِ البشرية، ودوراتٍ فيها، وشهاداتٍ أيضاً.. وبعد أن قرأتُ عدداً لا بأس به من الكتبِ في هذا المجال، وعدداً آخر من المقالات بين تأييدٍ وتفنيد.

تكوّنتْ لديَّ قناعةً أحببتُ أن أشارككم بها، بالتأكيد هي قناعة شخصية تحتمل الصواب والخطأ.

في كتبِ التنمية البشرية تذكيرٌ لنا ببديهياتٍ مهمة ننساها في زحمة الحياة، ونحتاج لتذكّرها، مثلاً:

ضرورة نسيان الماضي وتجاوزه بما فيه من أحزان، ألا نبكي على اللبن المسكوب، أن نركز اهتمامنا على الحاضر، أن نلتمس الأعذار للآخرين، أن يضع الإنسانُ نفسَه مكان الآخر محاولاً تفسير تصرفاته وردود أفعاله وفهمها قبل إطلاق الأحكام..

بالنسبة لي أنسى هذه البديهيات دائماً، فأعود لأجترّ ذكرياتي الحزينة، أنفعلُ وأندمُ على أمورٍ مرَّ على حدوثها 10 سنواتٍ أو أكثر، أتهم الآخرين أحياناً وأظن فيهم ظنوناً سيئة..

لنفسي ولأمثالي أعتقد أن كتاب" دع القلق وابدأ الحياة" لمؤلفه ديل كارنيغي، كتاباً كافياً ووافياً، ولا أجد أي داع لإغراق المكتبات بآلاف الكتب، لأن أفكار التنمية البشرية ليست بذلك التشعب والتنوع، قرأتُ عدة كتب في هذا المجال ووجدتُ فيها ذات الأفكار تُعاد وتُكرر..

تذكيرنا بالأفكار المهمة التي ننساها غالباً، والتي تساعدنا على المضي قدماً، أراه جانباً إيجابياً ومشرقاً للتنمية البشرية. أما الجانب الذي لا أقتنع به فهو: الترويج لفكرة أن لا وجود  للمستحيل طالما توفرت الإرادة والتركيز على الهدف.

الكلام جميل جداً ولستُ ضده، ولكني أتمنى ألا يغفل مؤلفو هذا النوعِ من الكتب أن وضع الإنسان وبيئته وإمكانياته يجب أن تؤخذ بنظر الاعتبار، أنا شخصياً لا أؤمن بـ"حتمية" النجاح والوصول إلى القمة، حتى بعد بذْلنا الجهد اللازم وحتى لو كنا موهوبين، لأني أعرف أشخاصاً مجتهدين جداً لكنهم عاشوا مغمورين ولم يحظوا بفرصةٍ حقيقيةٍ لإظهار مواهبهم وتنميتها.

في ذات الوقت أرى أشخاصاً وصلوا لأهدافهم ليس لأنهم جاهدوا وقاتلوا بل لأن أموراً اخرى تدخلت بالموضوع، هل أسوق مثالاً على ذلك: صعود أبناء الممثلين إلى الصف الأول وأدوار البطولة بلمحِ البصر، وهنا لست بمعرض الحديث عن مواهبهم وإمكانياتهم ولكن سهولة تسلقهم سلّم النجاحِ بمساعدةِ أسماء آبائهم، بينما يحلمُ موهوبون كُثر بفرصةِ الظهور ككومبارس وصامت أيضاً.

في مجال الأدب أيضاً أسمعُ بالصدفة بأسماء مؤلفين ثم أكتشف أن لهم من المؤلفات الرصينة الكثير، ولا أجد لهم ذكراً في المحافل الأدبية، بينما تبرز أسماءٌ أخرى يُفترض أنها لكُتّابٍ ومؤلفين تُرشحُ كتبهم لجوائز وتصبح أسماؤهم رنانّةً بين عشية وضحاها، وأنا ومعي كثرٌ نتساءل: كيف اقتنع الناشرُ بكتبِهم؟ وكيف سُميت كتباً أصلاً؟ وكيف تم التسويق لها؟

لكي لا نذهب بعيداً، في مجتمعنا وفي مجالاتٍ شتى، وجدنا أشخاصاً نجوماً بالفطرة، لا نعرف ما الجهد الذي بذلوه تحديداً ليصنفوا كناجحين، وعجبي أنهم يمثلون دور الناصح الأمين بضرورة العمل الدؤوب والتحلي بالصبر وبذل الجهد، بينما يعلمُ الجميع أن سرَ نجاحهم المكنون هو "العلاقات الواسعة" التي مهدّتْ وعبّدتْ لهم طريق الوصول إلى أهدافهم.

في صورةٍ أخرى لسهولة تحويل المستحيل إلى ممكن في مجال التنمية البشرية، مقولة انتشرت كثيراً على مواقع التواصل: "إذا لم يعجبك المكان غيره وإذا لم يعجبك الأشخاص استبدلهم وإذا وإذا..".

كلام جميل ومحفز، ولكن هل هو واقعي تماماً؟

مثلاً، رجل لا يحب عمله ويعتبره أقل من طموحاته وإمكانياته، "في بلد، يعد فيه الحصول على عملٍ حلم لدى الكثيرين"، هل من المعقول أن أنصحه بترك عمله والبحث عن هدفه الضائع بينما تنتظره أفواه كثيرة في البيت لا معيل لهم سواه؟

بالنسبة لامرأة لم تكمل دراستها، تزوجت وأنجبت 4 أو 6 أبناء، تعتمدُ على زوجها اعتماداً كلياً في كل شيء، اكتشفت مؤخراً أنها في المكان الخطأ مع الشخص الخطأ، هل من المنطقي أن أنصح مثلها بالثورة؟

هل الثورة والتغيير حلاً منطقياً بعد سلسلة طويلة من القرارات الخاطئة؟

الحلول الجذرية متوفرة وكثيرة ككلام على ورق، من قبيل: إن لم يعجبك عملك ابدأ بعمل جديد؛ وكأن العمل متوفر جداً، اعتمدي على نفسك، شقي طريقك في الحياة، حلولٌ جميلة جداً لكن فيها مشكلة صغيرة، أنها ليست واقعية تماماً ولا تلائم الجميع..

في بعض الأحيان "تحترق سفن العودة"، ولا يبقى للإنسان خيار سوى التأقلم والصبر، والقناعة..

ما أريد قوله وهو كما قلت رأيٌ شخصي يحتمل الصواب مثلما يحتمل الخطأ، أن الواقع قد يفرض على الإنسان أوضاعاً لا تنفع معها الحلول الجذرية الحالمة التي نجدها في أكثر كتب التنمية البشرية، من تبديل الأمكنة والأشخاص والعمل وأسلوب الحياة وبدء المشاريع الخاصة وقضاء العمر في الهرولة خلف الهدف المنشود..

لذا يكون الحل بالقناعة ثم بذل الجهود لتحسين الحياة بالممكن بدلاً من ندبِ الحظ وطلب الحلولِ المستحيلة وما يتبعهما من سخطٍ وتعاسة.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
ندى حميد
مدونة عراقية
تحميل المزيد