جولة داخل عقل مواطن مصري في حواري فيسبوك

عربي بوست
تم النشر: 2018/12/30 الساعة 12:11 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/12/30 الساعة 12:11 بتوقيت غرينتش
كافيه شعبي في مصر / iStock

جلست أنا وصديقي نتهكم على واحد من منشورات الفيسبوك التي كتبها واحد من جيل الآباء،  ممن تعَّرفوا على فيسبوك بعد الأربعين، وكانت هذه أولى تجاربهم مع الشبكة العنكبوتية وتخيلنا أننا قد طال بنا العمر وأصبحنا ننشر أشياء من قبيل "صباحكم معطر"، على خلفية صورة رديئة لوردة حمراء، أو نكتب تعليقات من نوعية "أحييك على روعة هذا المنشور" و"تحياتي لك وللأسرة الكريمة" أو الصورة الشهيرة لرجل ينحني حاملاً قبعته مزيلة بعبارة "انحني احتراماً لصاحب هذا المنشور" ويا حبذا لو صورة فتاة -غالباً ما تكون مايلي سايرس- وهي تغمز بإحدى عينيها بتعليق "انت كده"، بذات الجودة الرديئة، فضلاً عن الصور المفضلة لأهل الجنوب، بمسدس ذي طلقات ذهبية أو أحمد سعد بهيئته الصعيدية أو محمد رمضان عاري الجذع، تحمل عبارات عن الهيبة والرجولة والجدعنة، ناهيك عن إعجابهم بصفحات المشاهير المزيفة، ونشرهم للمنشورات الساذجة، من نوعية 10 سيارات أو 100 ألف دولار لمن يشارك هذا المنشور.

تُلقي أزمة منتصف العمر أيضاً بظلالها على أحاديثهم، فتظهر على هيئة منشورات تمجد في التعدد وتبين فوائده، ولو كنت رجلاً قم بمشاركة هذا المنشور والكوميكسات السخيفة التي تدور حول هذا الأمر، ولا ننس أمهاتنا الطيبات اللاتي ينشرن أي شيء عن فوائد الزنجبيل وأضرار الإندومي، التي أعلنوا عنها في مؤتمر ما عن السرطان، بالإضافة لكافة الأمور من عينة لا تخرج قبل أن تقول سبحان الله!

 

تأملنا طويلاً -أنا وصديقي- وأدركنا أننا قطعاً لن نقوم بمثل هذه الأشياء؛ فجيلنا لم يصل لهذه المرحلة بعد، فقد ظهر فيسبوك تقريباً في عام 2004، وانتشر في القطر المصري في أوائل عام2007 واشتركت أنا في 2009 ثم جاء الانتشار السريع في عام 2011، وما تلاها من أعوام، فمازال جيل أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات لم يصل لهذه المرحلة بعد.

ولكن ما تأكدت منه، أنه سيكون لنا تقاليعنا التي لن يفهمها الجيل الجديد إطلاقاً، والتي ستكون من وجهة نظرنا منطقية تماماً، وسيأتي شاب رقيع ليهرف ويهرطق ساخراً منا ومن أفكارنا وأحاديثنا ومناقشاتنا التي ستبدو له ساذجة وسخيفة جداً وقتها!

 

حسناً دعنا ندخل في صلب الموضوع، من الطبيعي أن نبدأ الحديث من سن الحادية عشرة وما تلاها، حيث أصبح الصبي يجيد القراءة والكتابة ولديه القدرة على استيعاب ما حوله ومن حقه أن يمتلك حساباً على فيسبوك، ولكن هيهات أنت على أرض المحروسة يا عزيزي.

 

سنبدأ الحديث في سن مبكرة قليلاً، بل مبكرة جداً، بعد الولادة مباشرة!! لا داعي للعجب فهي أحدث تقليعات الرعيل الأول من جيل فيسبوك، فنجد الأب أو الأم وغالباً الأم ما تقوم بإنشاء حساب لولدها وتقوم بإدارته فنجد أمجد يشعر بالمرض، مازن يتناول الطعام.. إشارة لسارة في منشور ما.. علياء تسجل دخولها الملاهي ومثل هذه الأمور على نفس الشاكلة، حقيقة لا أدري هل هو أمر جيد أم لا، ولا أستطيع الحكم عليه، فلم نشاهد نتائجه بعد، ولكن ما سجل من طفولتي كلها هو صورة يتيمة أجلس فيها القرفصاء في صورة جماعية في حفل زواج خالي أرتدي فيها بدلة ما.

 ولكل منكم صورة مشابهة من هذا القبيل مرتدياً بدلة الضابط الشهيرة، أو زي العمدة، أو أياً من هذه الأشياء، ماذا عن هذا الطفل الذي يولد فيجد حياته موثقة خطوة بخطوة ويحتفي به الجميع ويتركون له الرسائل والمباركات والتهاني، ربما انتفخت أوداجه من فرط الإحساس بالذات، لا أدري حقاً وإن كنت أتمنى أن يتحدث أحد المختصين عن هذه الظاهرة.

في الثانية عشرة من العمر شعر الفتى أنه كبر بالقدر الكافي، وقد وصل إلى مسامعه حكايات عن عالم الفيسبوك من أقرانه أو إخوته. ربما تسلل كالعادة إلى السيبر وتمكن من إنشاء حساب أو استعار حاسوب أحد إخوته، ولو تحدثنا عن مستوى أعلى فنجده امتلك أول هاتف ذكي خاص به أياً كانت الوسيلة، فأهلاً بك في الكوكب الأزرق.

 

في البداية تفاعل ضعيف جداً، لا يدري حقاً ما المميز فيه، وقد خاب أمله بعض الشيء، ربما ينشر صورة تجمعه بأحد أصدقائه على كُبري البلدة أو في حديقة ما تحت عنوان "أعز الأصحاب"، ربما ينشر بعض الكوميكسات السخيفة أو يظهر تعصبه الأعمى لشيء ما، غالباً مطرب أو فريق كرة قدم، نادراً ما سيكتب الفتي شيئاً ما من قريحته، ولو كتب فسيكون دعاء أو تهنئة أو تعزية.. شيء من هذا القبيل، وأؤكد لك أنه سيخطئ في الإملاء.

 

كبر الفتى شيئاً فشيئاً وخط شارب المراهقة الأخضر في وجهه، يبدو أنه في أواخر المرحلة الإعدادية أو بداية الثانوية، وهو يبحث عن الفتيات وعن إثارة إعجابهن، وهنا أدرك أهمية فيسبوك، كان الله في عوننا، ما ذنبنا نحن لنرى له صورة كل ساعة تقريباً وقد أغرقتها الفلاتر، لا بل مزيد المزيد من الفلاتر وهو ينظر نظرات متأملة في اللاشيء، أو نظرات تعبر تارة عن الانكسار والوجع وتارة نظرات التحدي والقوة، لا بد من نظرة في  الموضوع.

 

ستجده نشطاً نوعاً ما في المجموعات التي تجمع الفتيات والفتيان من نفس العمر، بهدف التعارف الجاد على حد قولهم!! مجموعات على شاكلة "كلام في الحب"، "ضحك ولعب وجد"، "أجدع شباب وأحلى بنات"،  لا بد أن تأخذ جولة في واحدة منها لتفهم كيف يفكر هؤلاء الفتيان، على جانب آخر سيبدأ الفتى في كتابة منشورات تحمل قدراً كبيراً من التعصب لشيء ما، ممتلئة بالكلمات البذيئة، وليثبت للجميع أنه قد أصبح رجلاً حراً وينشر الكوميكسات ذات  التلميحات الجنسية. وكثير  من الصور ذات الفلاتر تجمعه بأقرانه مُزيْلة بتعليقات عن الرجولة والجدعنة والصحاب والخيانة وما إلى ذلك، ربما سيشترك أيضاً في "حملة المليون مسلم لحرق صاحب الرسوم المسيئة" فهو أيضاً له جانب ملتزم.

في السنة النهائية للثانوية سيقل ظهوره بفضل ضغط الأهل ليعود بين الحين والآخر متحدثاً عن الثانوية والدروس الخصوصية وصعوبة المواد، وعن أنه "بعد أربع عشرة سنة خدمة في ثانوي.." و ما إلى ذلك.

 

هاهو الفتى قد ظن أنه  نضج وانتهى من كابوس الثانوية وانتقل للجامعة، غالباً ما سيلتحق بكلية التجارة أو الآداب وربما الهندسة، انتقل إلى عالم أوسع وآفاق أكبر، وسيبدأ في كتابة المنشورات التي تبدو هادفة، وستظهر الصور ذات الجودة العالية وفي الخلفية أحد مباني الكلية، كثير من تسجيل الدخول لأماكن جديدة وصور تجمعه بأصدقائه الجدد والكثير من الحديث عن المحاضرات والميدترم وخلافه. سيبدأ في إنشاء حساب على بعض المواقع التي تتيح له توجيه وتلقي الأسئلة للجانب الآخر مثل "أسك" و"صراحة" وسينشر ما يريده من أسئلة على فيسبوك، مع تعليقات تتميز بقصف عال لجبهة السائل، لن يدع أي حدث يمر "ترند" مهما كان تافهاً أو أياً كان مجاله، إلا وسيدلو بدلوه فيه.

 

سيشجع نادياً ما وسينضم إلى  أحد المعسكرين إما ميسي أو رونالدو، لن يتوسط في شيء إما أقصى اليمين أو أقصى اليسار، طَبق نفس الشيء على السياسة والرياضة أو الفن.

سيتطور قليلاً وتظهر صورة له ببدلة رسمية لأول مرة وهو يحتفل في عرس ما، وفي الصيف صورة أخرى وهو عاري الجذع مرتدياً نظارة شمسية مستنداً بمرفقه على سلم حمام السباحة، أو بشورت قصير في الساحل، ربما تجده يتحدث أو يشارك أخبار وفاعليات الأسرة، والعمل التطوعي الذي التحق به مؤخراً وقد تظهر بعض المنشورات الهادفة التي تحمل وجهة نظر حقيقية مؤذنة بدخول الشاب في بداية النضج الحقيقي.

 

في السنة الأخيرة من الجامعة سيسخر من الطلبة الجدد الملتحقين بالحياة الجامعية ومن الدراسة والروتين وكل شيء، سيبدو وكأنه ملك الدنيا يملأه شعور عارم بالسعادة والفخر والقوة. لأول مرة سيخرج من سطوة التعليم ويتحصل على عمل وستبتسم له الدنيا، لا داعي لنخبره بشيء يا شباب لا تفسدوا عليه فرحته. وفي رأيي هي فرحة مستحقة بعد عناء طويل مختتماً فترة من أفضل سنوات عمره. فمازال غير محمل بالأعباء ولا المسؤوليات، يحق له التجربة والجنوح في أي شيء، ومازال بمقدوره تحمل العواق. سيغادر هذه المرحلة بمزيج عجيب. أرجوك تمهل يا صديقي!

 

يبدو أنني سأتوقف هنا، فالمرحلة القادمة تحمل من التعقيد والتشتت والتشابك الكثير، وبالأخص ما بعد الحياة الجامعية مرحلة غنية بالمواقف والمفارقات. أجد أنه من الظلم أن نختصرها هنا، خصوصاً أنها المرحلة التي يقع فيها جيلي – الرعيل الأول لعالم الفيسبوك- ربما أفرد لها تدوينة أخرى.

 

أعلم أنني لم أتعرض مطلقاً لعالم الإناث على الفيسبوك في هذه التدوينة، وهذا لأنه عالم غامض مليء بالوجوه التعبيرية "الإيموشنز" التي أعجز عن الوصول إليها على لوحة هاتفي الذكي. بالإضافة إلى الكثير من وصفات تفتيح البشرة وطريقة عمل الكيكة الإسفنجية ومجموعات لشراء كل شيء يخطر على بالك، من ملابس لأدوات منزلية وأدوات تجميل.. ناهيك عن مجموعات الاستشارات النسائية وما أدراك ما يدور داخلها، فما وصل إلى مسامع العامة أمثالي يصيبني بالخوف حقيقة، فضلاً عن المجاملات الزائفة والمديح المبطن بالذم والتلميحات المربكة  التي يصعب على معشر الرجال فهمها. ولا ننسى الكثير من الفلاتر التي قد تظهر منها بعض الوجوه ومنشورات التغزل في الوحدة والقهوة و الغروب.

 

لا يا صديقي.. لا تدعُني لدخول هذا العالم الغامض الشائك، دعنا نتحدث عن الرجال المساكين وما سيلاقونه من أهوال بعد الجامعة. ربما في تدوينة مقبلة.

 

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
عبدالله حبت
مهندس مصري
تحميل المزيد