من أفقر دولة في العالم إلى نمر الاقتصاد الآسيوي.. كيف تغير حال فيتنام؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/12/30 الساعة 15:21 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/12/07 الساعة 08:37 بتوقيت غرينتش
تجربة نجاح فيتنام / iStock

أهداني أحدهم قميصاً، بدت عليه الفخامة، فأخذني الفضول لمعرفة دولة الصنع، فوجدتها (فيتنام)!

صال عقلي وجال في هذا البلد العجيب الذي تصح تجربته أن تكون نموذجاً يحتذى به لاسيما ونحن أمام دولة كانت الأفقر من بين شعوب الأرض، دولة بلا موارد، أمية منتشرة في ربوع البلاد، تسابق كل احتلال إلى تدميرها، وإعمال آلة القتل في أهلها، فصارت في سنوات معدودة نمراً آسيوياً يحقق معدلات نمو سنوية هي الأعلى في العالم بعد الصين!

(فيتنام) دولة تعادل ثلث مساحة مصر تقريباً، تشبه مصر في كونها دولة تعتمد على القطاع الزراعي بشكل كبير، بها حضارة ضاربة في عمق التاريخ، عدد سكانها يقترب من 100 مليون نسمة، نظراً لموقعها الجغرافي كانت قبلة يفد إليها المستعمر من كل حدب وصوب، ولعل أشهر الدول التي احتلت فيتنام اليابان، فرنسا، الولايات المتحدة الأميركية.

كيف استطاعت هذه الدولة أن تبني نفسها في ظل الظروف الصعبة التي أحاطت بها، وتنافس أعتى الدول المتقدمة؟

بدأ تقييم الحالة الفيتنامية بعد دخول المحتل الفرنسي بشكل علمي مدروس، حيث برزت نخبة مثقفة للإجابة على التساؤلات الملحة.. كيف استطاع الجيش الفرنسي أن يعبر كل هذه المسافات ويسيطر علينا بهذا الشكل؟ هل لفارق القوة العسكرية؟

كانت الإجابة بالطبع لا، ليست الإشكالية في القوة العسكرية بقدر ما أن الإشكالية في الثقافة المسيطرة على عموم التفكير الاجتماعي، لاحظوا أن الاتجاه الديني هو المسبب الأول لحالة الضعف الشديد، حيث كان الخطاب الديني يدعو إلى تهميش المرأة بالإضافة إلى السكون وتحمل الابتلاء، والصبر على الأذى، والسمع والطاعة للملك والكهنة، فدعوا إلى ثورة على المفاهيم الدينية التي سادت ردحاً من الزمن، وكان من نتائج ذلك أن حدث تغيير كبير على الأرض، ففي السابق كان الكاهن والمقاتل يواجه المحتل الفرنسي ولسان حاله يقول: كل ما علي أن أخرج بصدر عار لمواجهة المحتل ولا علاقة لي بالنتائج، لكن بعد تعزيز الخطاب الإصلاحي الديني تبدلت نبرة المقاتل فضلاً عن الكاهن وأصبحت: سأسحق الفرنسي ولن ينال مني بسهولة!

أدركت النخبة الفيتنامية أن حالة الانزواء، وضعف الاطلاع على التجارب الأخرى سبب كفيل للهزيمة، فانطلقوا باحثين عن العلم والتجارب الثورية في الدول المحيطة، لدرجة أنهم أرسلوا طلاباً لدراسة تجربة اليابان في حربها وانتصارها على روسيا، كما قرروا مقاطعة فرنسا العسكرية، والتقارب مع فرنسا العلمية والفلسفية، فترجموا كتب رنيه ديكارت فضلاً عن غيره من المفكرين الفرنسيين، على عكس التجربة السورية في هذا الصدد، فقد قام شاعر سوري من دير الزور بعد خروج المحتل الفرنسي بعمل مسابقة يكون الفائز فيها من يأتي بأكبر قدر من الكتب الفرنسية إلى محرقة مقامة في ميدان عام!

وقبل ذلك كله أدركوا أن التعليم هو الوسيلة الناجعة التي تختصر الوقت والجهد، فقرروا ابتداء تغيير الحرف الفيتنامي شديد الصعوبة والذي كان يستغرق الطالب في تعلمه سنتين بالحرف اللاتيني السهل، فاستطاعوا أن يقضوا على الأمية..

وأدركوا أنه بغير التغلب على محاولات الانشقاق وتفتيت اللحمة الوطنية سيصبحون لقمة سائغة للمحتل، فعلى الرغم من وجود أكثر من 60 قومية مختلفة وعلى الرغم من سعي المحتل لعمل نموذج مكرر من التجربة الكورية، شمال وجنوب إلا أنهم أصروا بكل السبل على توحيد الصف والاستعلاء على كل محاولات تفتيت وحدة الشعب الفيتنامي، لدرجة أن الأميركان استقروا في الجنوب ونصحوا أهل الشمال بمغادرة مواقعهم إلى الجنوب لأنهم سيضربون الشمال بالنووي إلا أن قائد الشمال أرسل 100 ألف على أنهم مواطنون عاديون مهاجرون خوفاً على أرواحهم في حين أنهم كانوا ميليشيات مدربة استعان بهم أهل الجنوب لاحقاً في عملية التحرير وتكبيد المحتل الأميركي أفدح الخسائر!

أدركت النخبة الفيتنامية أن السياسة لا يصلح معها عداء دائم، ولا محبة خالصة، فتعلموا من الفرنسيين، وأرسلوا بعثات تعليمية إلى المحتل الأول اليابان، وأقاموا علاقات اقتصادية قوية للغاية مع أميركا، وعندما يسأل أهل الفكر والرأي هناك عن ذلك  يقولون: تكمن قوة الدولة في قدرتها على تجاوز الآلام ومراجعة الفكر والنقد الذاتي.

اتبعت الدولة ذات الحزب الواحد سياسة الإنصاف في ترقي الكوادر داخل الحزب، فلا يصعد إلا من استوفى شروطاً ومعايير محددة، ولا اعتبار لتقديم أهل الثقة على أهل الكفاءة، مع الاهتمام الشديد بالشباب وتعزيز فكرة المشاريع متناهية الصغر على غرار فكرة الاقتصادي البنغالي الكبير محمد يونس الحاصل على جائزة نوبل للسلام سنة 2006، مناصفةً مع بنك غرامين.

اتبعت فيتنام نظرية (التحدي والاستجابة) بحثاً عن قانون (الوسيلة الذهبية)، فجربت الشيوعية والاشتراكية واقتربت من الليبرالية وفتحت الاستثمار الأجنبي بناء على النظرية الرأسمالية، مع الحفاظ على مكتسبات الدولة الحضارية وبهذا تحولت من دولة زراعية فقيرة محدودة الإمكانيات إلى دولة ذات تعليم متطور، وتصدر منتجاتها الصناعية إلى مختلف دول العالم بمعدلات نمو اقتصادي تصل إلى 7 % سنوياً.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
سيد حمدي
كاتب وصحفي مصري
تحميل المزيد