المسلمون يحبون نبي الله عيسى.. إذاً لمَ يظن الجميع أننا لا نحب عيد الميلاد؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/12/27 الساعة 12:28 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/12/27 الساعة 12:28 بتوقيت غرينتش

اقترب وقت الاحتفال بعيد الميلاد، وعليه سرعان ما نشرت صحيفة قومية قصة مفادها أنَّ المسلمين البريطانيين غير مندمجين كثيراً في المجتمع، وأنهم "يرفضون الاحتفال بهذا العيد المسيحي". وتكمن المفارقة الواضحة في مشاعر الإسلاموفوبيا (الرهاب من الإسلام) الخبيثة تلك، التي تتوارى بضَعْف خلف راية الدفاع عن القيم اليهودية المسيحية لبلادنا، في أنها مجرَّدة من أي فهم حقيقي للإسلام.

فالحقيقة هي أنَّ المسلمين يحبون النبي عيسى.

في الواقع، قال النبي محمد: "أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الدنيا والآخرة، وليس بيني وبينه نبي، والأنبياء إخوة لعلات، أمهاتهم شتى ودينهم واحد".

قد يتفاجأ الكثيرون عندما يعرفون أنَّ عيسى مذكورٌ في القرآن ما يزيد عن مائة مرة، في حين أنَّ النبي محمد لم يُذكَر سوى خمس مرات. ووُصِفت أُمه بأنها أطهر امرأة وطئت بقدميها الأرض، وأُفرِدَت لها سورةٌ كاملة في القرآن، اسمها "مريم"، وهي المرأة الوحيدة المذكورة اسماً في الكتاب الكريم.

ولا يقتصر الأمر على أنَّ المسلمين يُكنّون الحبَّ للنبي عيسى فحسب، بل يؤمنون أيضاً أنه واحد من أعظم رسل الله. ويؤمنون كذلك بمعجزة ميلاده، ويعلمون أنَّ الله مَنَحه القدرةَ على إحياء الموتى، وشفاء الأبرص، وردّ البصر للأعمى، ونؤمن بعودته إلى هذا العالم مرة أخرى، شأننا شأن المسيحيين في ذلك.

ومثلما يُكِنُّ المسلمون حباً عميقاً واحتراماً لعيسى عليه السلام، تعلمنا كذلك أن نحب ونحترم أصدقاءنا المسيحيين، وإن كانوا يختلفون معنا في وجهة النظر بشأن حقيقة عيسى. ولسوء الحظ، وبفضل جماعة من المتطرفين المختلين، إلى جانب صناعة الإعلام التي تطغى عليها الإسلاموفوبيا، يجنح الأشخاص إلى المفهوم الخاطئ بأن كل ما يرغب فيه المسلمون هو إرغام الجميع على التحول إلى الديانة الإسلامية. لكن القرآن ينصّ على أنه "لا إكراه في الدين"، مما يعني أنه لا يمكنك إجبار أي شخص على اعتناق الإسلام.

وفي جميع أصقاع العالم، لا سيما في قلب الأراضي الإسلامية، لَطَالما عاش المسلمون والمسيحيون جنباً إلى جنب لأكثر من ألف عام. وبرغم التهديدات الموجودة لا تزال روح التعايش السلمي موجودةً حتى الآن في كل مكان في العالم، وتلك هي روح المشاركة والتعاون التي يجب إحياؤها في مختلف طوائف مجتمعنا البريطاني.

وبرغم الاختلاف اللاهوتي العميق بين المسيحية والإسلام، فإنَّ التعاليم الدينية العظيمة للديانتين لديها من الأمور المشتركة أكثر مما يظن الناس. فقد عُثِرَ  في الكتب المقدسة للديانتين على قصص مشابهة تتجلى فيها الحكمة ورجاحة العقل التي تمتع بها الأنبياء العظام، مثل إبراهيم وموسى وداود ونوح، فضلاً عن وصف الملائكة والحياة في الآخرة، إضافة إلى الكثير من الأمور المشتركة. وعلى أية حال، فإنَّ الرسالة الأساسية التي جاء بها عيسى تستحق أن نتمسك به جميعاً، سواء مسلمين أو مسيحيين أو غير ذلك من أتباع الديانات الأخرى، أثناء ما نمر به حالياً من أوقاتٍ حرجة.

وعُرف النبي عيسى بتواضعه الشديد، ومحاربته للظلم، وتنازله عن رغباته الشخصية من أجل الآخرين. ويستمد اقتران عيسى بالألوهية جذورَه من حبه الشديد للفئات الأضعف المنبوذة في المجتمع. وإذا تأملنا حياة عيسى، سنجد رسالة مفعمة بالحيوية تهدف إلى صرف تركيزنا عن البريق المزيف لهذا العالم، وتوجهنا نحو حياة لها معنى وهدف، نقضيها في مساعدة الآخرين.

وبدلاً من التحامل على المسلمين لعدم احتفالهم "بالزينة والبالونات وقبعات سانتا"، يتعيَّن أن نركِّز على ما هو أهم في عيد الميلاد، أي عيسى، وكيف أنَّ تعاليمه بإمكانها أن تؤثر على العالم وتغيره للأفضل. ومن هذا المنطلق، فبمناسبة موسم الأعياد الحالي، ومع انخفاض درجة الحرارة واللجوء إلى أحضان المنزل الدافئة، أطلقت مؤسسة Penny Appeal الخيرية الإسلامية البريطانية الحائزة العديد من الجوائز مناشدةً شتوية تهدف إلى صحوة المجتمع، إذ طرحت سؤالاً وأطلقت الهاشتاغ #ما الذي كان ليفعله عيسى؟

وبدأت الحملة الأسبوع الماضي، بإزاحة الستار عن خمسة تماثيل من الثلج بالحجم الطبيعي للأشخاص مشردين في محطة أنفاق كناري وارف، بهدف تسليط الضوء على التفاوت المادي المستفحل في أمتنا، ومعاناة المشردين في الشوارع. إذ ينام الآلاف كل ليلة في العراء وسط البرد القارس، وعددهم يتزايد عاماً بعد عام. واستجابة لذلك تعمل Penny Appeal على توظيف متطوعين للمساعدة في توزيع أمتعة الشتاء، وإقامة حفلات الشاي لكبار السن الذين يقضون وقت الشتاء البارد بمفردهم.

وبما أنَّ أكثر من نصف سكان المملكة المتحدة لا يعتنقون أي ديانة على الإطلاق، فحتماً ستتغير طريقة الاحتفال بأعياد الميلاد في بلادنا خلال العقود والسنوات القادمة. غير أنَّ النزعة الاستهلاكية الجوفاء التي تزداد ارتباطاً بعيد الميلاد، والتي حذرنا منها عيسى عليه السلام، لا تجعل ما تشهده فترة الأعياد من ارتفاع حاد في الشعور بالوحدة والاكتئاب والضغوط المالية الهائلة على نسبة كبيرة من الشعب البريطاني أمراً غريباً.

وفي حين أنَّ معظم المسلمين البريطانيين قد لا يكترثون بالاحتفالات الجارية هذا الموسم، ربما يمكننا لعب دور صغير في إحياء القليل من روح الميلاد الحقيقية. وفي النهاية، لا يوجد ما يعبّر عن القيم المسيحية أكثر من التخلي عن القليل من ملذاتنا ورفاهيتنا من أجل خدمة جيراننا المحتاجين.

  • هذا الموضوع مترجم  عن صحيفة The Independent البريطانية.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
بلال حسام
كاتب ومقدم برامج تلفزيونية
تحميل المزيد