وما هي إلا أيام قليلة وبعدها سنودع هذه السنة بكل ما قدمته لنا من أفراح ومسرات باعثة للانشراح القلبي الكبير وللتغير الجذري في حياتنا، كما أننا سنفارق أيضا ما كان فيها من أتراح قاسية ناجمة عما تعرضنا له فيها سواء تعلق الأمر بالحوادث الموجعة أو المواقف المأساوية، وعلى الرغم من ذلك فإنها تركت في تفكيرنا وسلوكياتنا بصمة واضحة، فبسببها صارت أفكارنا وتصرفاتنا أكثر نضجا وتبصرا.
لقد خطت هذه السنة خطواتها بخطى متسارعة وشارفت على الوصول لنقطة النهاية، والسعيد من اعتبر بسرعة تصرم الليالي والأيام والأعمار، فكلما شدت سنة رحالها لترحل عنا إلا وانقضى معها عام من أعمارنا، فتطوى بذلك صحائف أعمالنا فيها، فهنيئا لمن أودع في صحيفته في هذا السنة الراحلة ما يسره حين لقاء ربه، فلا فوز إلا لمن بذل جهده وأكثر عطاءه في الطاعات وأخلص في ذلك لينال القبول والفوز بالجزاء الجزيل.
سترحل هذه السنة تاركة وراءها كما هائلا من الذكريات المحفورة في نفوس من عاصروها، كيف لا وهي التي ضمت لحظات إنسانية لا تنسى لأننا عشناها بمشاعر صادقة لا تشوبها أية شائبة، وإن حان موعد لفظ السنة لأنفاسها الأخيرة إلا أن تفاصيلها المؤلمة والمفرحة التي مررنا بها ستظل مخبأة ولن تضيع في زحام الذاكرة، نظرا لكوننا ممن أدركوا مع تتابع الأيام والسنين أن القيمة الحقيقة للحظات العمر في قدرتها على الرسوخ في الأذهان؛ إذ لا يمكن اقتلاعها من أعماق الذاكرة.
وعلى عتبة رحيل هذه السنة استعدوا لجمع شتات أوراقكم وتوقفوا قليلا، فأنتم في حاجة للعودة إلى الوراء لتنظروا إلى ما صنعتم فيها، لذا يلزمكم طرح هذه الأسئلة على أنفسكم: ترى ماذا أنجزنا في عامنا هذا؟ وماذا أضفنا لصفحات حياتنا؟ وما هي البصمات المشرقة التي رسمناها في سماء إنجازاتنا؟ وما هي العوائق التي اجتزناها؟ وما هي المواقف التي تعلمنا منها؟ وهل ازددنا وعيا واستيعابا لحقيقة الدنيا؟
تلملم هذه السنة بقايا لحظاتها لترحل دونما عودة كما رحل عنا أحبتنا دونما عودة من هذه الحياة الفانية، سنة ستمضي ويمضي معها أنين وحنين ونبض لن يعود أبدا، وسترفع معها أقوال وأفعال لن نراها إلا حين تتطاير الصحف، وسترحل معها معارك الحزن والفرح التي كانت قائمة في أيامها ولياليها.
ها قد أوشك السنة على الرحيل، وقد أودع فيها كل منا ما أودع من مصائب وأحزان عديدة بفضل اليقين التام بموعود الله والذي بفضله لم تقدر تلك المكدرات على سلب الابتسامة من وجوهنا، وإن ارتفع حجم الخيبات في هذه السنة إلا أن الإيمان الراسخ بتحقيق أمانينا وطموحاتنا لا يتزحزح، نودع كل من فارقناه في هذه السنة بمشاعر مختلطة وداعا أبديا لا سيما أن رياح المواقف الحياتية كانت قوية في هذا الموسم مما أدى إلى العصف بالمزيفين غير الصادقين في الفعل والقول.
وقبل متم هذه السنة دعونا نتذكر قليلا ما عوملنا به من تصرفات لاإنسانية كثيرة فيها بالرغم من أننا اعتدنا عليها، وإن كنا نقف مصدومين في السابق من وضعنا في لائحة أعداء البعض مع أننا لا نتوفر على هذه اللائحة في حياتنا؛ فلربما يفعلون ذلك فقط على اعتبارنا ممن ينتصرون لمواقفهم الشريفة ولقيمهم النبيلة، ومع هذا كله لا ندع للكراهية أية فسحة للدخول لقلوبنا، فالحب وحده من يعمرها.
يمثل اقتراب نهاية هذه السنة مناسبة لإرسال نظراتنا الناقدة لما عشناه فيها لتقييم ما تم إنجازه فيها، بغرض استخلاص النقائص والأخطاء التي ارتكبناها على مدارها، ورصد التعثرات التي كانت قائمة فيها، لتصحيحها وتقويم مواطن الخلل والنقص بغية تحقيق نوع من التطور الفعال والرضا الذاتي، ولتجنب تكرار ما قمنا به من أمور غير صائبة، فالاستمرار على نهج خاطئ من شأنه أن يحرمنا من بلوغ مقاصدنا، ويكون ثمن ذلك مزيدا من الضياع لطموحاتنا وأهدافنا.
يحتفل كل من في هذا العالم بانقضاء سنة وقدوم أخرى جديدة على طريقته الخاصة، ونحن أيضا نودع السنة بشكل مغاير، لا لشيء إلا لأننا أدركنا حقائق لم نكن ندركها من قبل، وإن لم تتغير كثيرا حياتنا في واقعها الخارجي الظاهر للعيان، إلا أنها عرفت تغييرا داخليا كبيرا على المستوى الذاتي الذي تحسن وصار أكثر فاعلية من ذي قبل، بفضل المناعة القوية التي اكتسبتها قلوبنا وأرواحنا؛ نتيجة ما راكمناه في ضميرنا ووعينا.
يستعد الزمن لإغلاق أبوابه عن هذه السنة التي ستمضي بكل ما فيها من تعب ونصب، بسبب ما قمنا به من جهد في تحدياتنا لنيل ما طمحنا إليه على طوال هذه السنة، وبالرغم من ذلك لن نتوقف لأننا مازلنا عازمين على مواصلة المشوار بكل ما فيه من مخاطر وأضرار، ولهذا قمنا بإعداد قائمة مبتغياتنا التي نريد الوصول إليها في السنة المقبلة، وكلنا يقين في قدراتنا على تحقيق جل هذه الأهداف الحياتية المرتبطة بالدارين معا.
إن الذي يريد إعطاء معنى لنهاية السنة يلزمه استغلال هذه الفرصة الذهبية لشحن الهمة وتجميع الطاقة اللازمة لخلق حماس أكبر وإصرار أعظم قبل انطلاق السنة الجديدة، فالبدايات أخت النهايات وكلها حلقات متصلة، لنبلغ في آخر المطاف سلم النجاح والتقدم بعد أن ننعم بما نطمح له ونسعى إلى نيله.
سنكمل تصفح أوراق الفصل المتعلق بهذه السنة التي حملت في طياتها حوادث ستظل عالقة في دهاليز ذاكرتنا، لننتقل بعدها إلى استكشاف ما ستحتويه أوراق الفصل الموالي والمرتبط بالعام الجديد بعد إعلان بدايته، لهذا فقبل أن تغادرنا السنة الحالية سنقدم رسالة اعتذار لكل من: أفكارنا التي أسرناها في عقولنا بالرغم من حاجتها لأن تنعم بحريتها في أرض الواقع، ولمشاعرنا التي ظلت حبيسة في قلوبنا من دون ما أن يحس بها من نكنها لهم، وللأشياء التي كان علينا القيام بها لكن للأسف لم نقم بها، وللعالم الخارجي الذي أخبرناه سلفا بأننا على مدار هذه السنة سنكون قادرين على إحداث نوع من التغيير الإيجابي فيه ولم نفعل، ومن هذا كله نعتذر عن كوننا لانزال الأشخاص الذين كنا بالرغم مما تعرضنا له.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.