منذ مدة قرأت كتاباً للكاتب المبدع ديل كارنجي "25 شخصية غيّرت مجرى التاريخ"، يستعرض فيه حياة عظماء لمع نجمهم في سماء العلم والاختراعات والفن والأدب، أمثال: توماس أديسون، وألبرت آنشتاين، ونابليون بونابرت، وبيتهوفن.. وغيرهم، وكيف استطاعت كل شخصية منهم تغيير مجرى التاريخ باختراعاتهم رغم التحديات والصعوبات التي واجهوها في حلبة الحياة.
ما استخلصته من هذا الكتاب هو أن معظم المخترعين والمكتشفين ورؤساء الدول والسلاطين والصناعيين والمبتكرين والاقتصاديين والإعلاميين والموسيقيين والرياضيين.. يجمعهم شيء واحد. كلهم فشلوا فشلاً ذريعاً قبل أن ينجحوا، كلهم فهموا المعنى الحقيقي للفشل فاحتضنوه، بل جعلوا من كل فشل لبنة لبناء نجاحهم، فهل فعلاً يعتبر الفشل بداية نجاح محتوم؟ وهل يولد الإبداع من رحم المعاناة؟ هل يمكن أن نعتبر الفشل ابتلاءً كالحرارة المرتفعة والضغط اللذين يحولان الصخور إلى معدن الماس في جوف الأرض أم أنه عبارة عن سلسلة من الإحباطات نتيجة بدايات غير سليمة ومدروسة تجسّد في الواقع كقصور رملية سرعان ما تدمرها الرياح؟
قال الشافعي، رحمه الله: محنُ الزَّمانِ كثيرة ٌ لا تنقضي … وسرورهُ يأتيكَ كالأعيادِ
وقال المنفلوطي، رحمه الله: "البدر لا يطلع إلا إذا شقَّ رداء الليل، والفجر لا يدرج إلا من مهد الظلام.
وقال سبحانه وتعالى: {وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاس} (آل عمران: 140)، {فَإنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا، إنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا} (سورة الشرح)، {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (البقرة-216).
وقال سبحانه وتعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ. الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}. (البقرة:155-157).
إذا فالحياة خليط من الشدة واللين والاجتماع والفرقة والأمل والألم، وبمقدار ما تعاني يصلب عودك ويشتد قوامك وتصبح نظرتك أكثر شمولية وحكمة وعمقاً، وتكتسب مرونة في مواجهة التحديات والصعوبات. والحياة التي نعيشها مليئة بالتجارب والأحداث المختلفة تعلّمنا كل جديد بالاكتشاف والمحاولة والبحث والفهم.
لذا كي نعيش حياة مميزة لا عادية، يجب أن تكون لدينا أهداف وغايات نسعى لتحقيقها، فمن منا لم يحلم ولو للحظة بالنجاح وحاول بشتى الطرق والوسائل أن يصل إلى طريق النجاح.
والنجاح الحقيقي الذي يلمع في السماء كالقمر المنير هو أن تنجح أمام نفسك أولاً، ثم أمام أهلك وزوجتك وأولادك، ثم في عملك، ثم أمام المجتمع وليس العكس.
قال الإمام الشافعي:
بقدر الكـد تكسـب المعالــي *** ومن طلب العلا سهر الليـالـي
ومن طلـب العلـى بغيـر كدٍّ *** أضاع العمر في طلب المحالٍ
قال أحمد شوقي:
وما نـيل الـمـطـالب بالتمنـي *** ولـكـن تــؤخـذ الـدنـيا غلابـا
وما استعـصى على قوم منالٌ *** إذا الإقـدام كـــان لــهـم ركابا
فإذن يبدأ النجاح عندما يخرج الإنسان من منطقة الراحة، فيكد ويعمل ويسهر الليالي ويطور ويغير ويتعلم.
والفشل الحقيقي هو انعدام وجود رؤية واضحة، هو الانسحاب من المنافسة بعد معركة أو معركتين وعدم التطور والتعلم والتغيير هو السقوط في وحل التشاؤم وعدم الخروج منه.
والسبب الرئيسي للفشل نذكر البعد عن الله لقوله تعالى في سورة طه: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ) (124).
فبين نجاح وفشل تقدّم لنا الحياة دروساً مجانية كل يوم، ينبغي فقط أن نكون تلامذة نجباء، نستوعب الدروس جيداً ونستحضرها في سياقات مختلفة وفي اللحظات المناسبة.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.