بعد التصريح الأخير والمثير لغاريد كوشنر حول ما يسمى صفقة القرن، حين قال إن مطلع العام القادم (2019) سيشهد الإعلان عن بنود هذه الصفقة والتي لن تعجب جميع الأطراف، والذي بدا كإعلان استباقي خجول عن فشلها، ها هم يختارون بالأمس المتطرفة والكارهة الكبيرة للفلسطينيين خاصة، والعرب عامة، مندوبة الولايات المتحدة الأميركية في مجلس الأمن "نيكي هيلي"، لتقدم النصائح للفلسطينيين ليقبلوا بصفقة القرن، ثم تحذرهم من مخاطر رفضها، وتهددهم بمستقبل مليء بالمشاكل في حال -لو حصل- رفضهم إياها.
ربما لا ينتظر الفلسطينيون والعرب، بالمرة، أن تُطِل عليهم نيكي هيلي هذه، لتسدي إليهم نصيحة مماثلة. هذا إعلان واضح من كلٍّ من كوشنر وهيلي بأن مخاطر رفض هذه الصفقة سترتدُّ عليهم هم قبل أي طرف آخر، بزلزال مدمر، وأولى بوادر هذا الزلزال ستكون عزل الرئيس الأميركي دونالد ترامب؛ ومن ثم رحيل كوشنر وهيلي وكثيرين غيرهما إلى مزبلة التاريخ بصفقتهم تلك.
ربما أيضاً أن نيكي هيلي، ولشدة الكراهية التي تطغى على ملامح وجهها وعنصريتها المفرطة تجاه الفلسطينيين والعرب، غطَّت عينيها ولم تشاهد ألبتة صورايخ "كتائب القسام"، الجناح العسكري لحركة حماس، وهي تدكُّ العنجهية اليهودية الصهيونية حين كانت تتساقط على المستوطنات اليهودية في غلاف قطاع غزة، ولم تشاهد أو تسمع عن عمليات المقاومين المسلحة التي قتلت جنوداً يهوداً وعُجولاً شاردة من قطعان المستوطنين في الضفة الغربية.
لقد أدرك كوشنر واليهود في دولة الاحتلال الصهيوني اليهودية، وأولئك العرب الذين كانوا صهاينة أكثر من اليهود أنفسهم حين روّجوا لتلك الصفقة، وأدرك معهم أيضاً بقية العالم- أن تلك الصواريخ وهذه الانتفاضة أجهزتا تماماً على أي أمل قد تبقَّى لنجاح تلك الصفقة، عدا هيلي المسكينة هذه، التي يبدو أنها لا تتقن سوى وظيفة الكراهية والعنصرية الغبية.
ما شاهدناه -نحن والعالم- على شاشات التلفزة الإخبارية العربية والعالمية، من التفاف للفلسطينيين الغزيين حول "حماس" وجناحها العسكري "كتائب القسام"، وحول المقاومة في أثناء احتفالات الذكرى الـ31 لإعلان حركة حماس، والتفاف جماهير الضفة الغربية حول بطولات المقاومين- هو بمثابة إعلان من الجماهير الفلسطينية في فلسطين بالكامل عن فشل حتى معاهدة أوسلو، معاهدة السلام الشكلي العبثي الخادع، وليس فقط عن فشل ورفض صفقة القرن. لقد أعلن الشعب الفسطيني للتوّ لغاريد كوشنر ونيكي هيلي وترامب ومَن لفَّ لفَّهُم، أن الخيار الوحيد للشعب الفلسطيني هو المقاومة والقوة، والعنف، والدم بالدم، والشجرة بالدم، وهدم المنازل بالدم، ولا شيء غير الدم.
اليوم أدرك الفلسطينيون تماماً أن المتغطي بأميركا عريان، والمتحامي بالعرب خسران، لذلك هم يلتفُّون الآن حول مقاومتهم وحول المقاومين الشباب من أمثال نعالوة وغيره، لن تُجدي مشاريع أميركا الواهية لحل الأزمة بين الفلسطينيين واليهود بعد الآن، وخاصة بعد أن نقل ترامب سفارة بلاده إلى القدس المحتلة، حتى لو تم عزل الأخير وجاء بعده من جاء، وكما قال الصحافي اليهودي المقيم بنيويورك "شامير"، في مقال نشرته صحيفة "معاريف" العبرية في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2018: "كوشنر زرع قنبلة في الخليج وفجّرتها قضية جمال خاشقجي قبل أوانها".
تلك القنبلة التي لم تؤتِ أكلها بالمرة، كانت بمثابة آخر الأعمدة الثلاثة لصفقة القرن بعد أن انهار العمودان الأخيران، وهما ترامب الذي يواجه الآن العزل، وكوشنر الذي يواجه هو أيضاً فتح ملفات فساد تجاري مع دولة عربية كبيرة، على يد المحقق "مولر".
كم أنتِ مسكينة وغبية يا نيكي هيلي! كم أنتِ مثيرة للشفقة! ألم تستمعي إلى السيد "إسماعيل هنية" حين كشف في أثناء خطابه الأخير بالاحتفال أن بنيامين نتنياهو استجداه لوقف إطلاق النار ووقف إطلاق صواريخ المقاومة، التي جعلت 3 ملايين يهودي يعيشون كالجرذان تحت الأرض في الملاجئ؟
ألم تستمعي للمذيع في القناة العبرية العاشرة حين وجَّه سؤالاً لنتنياهو يقول فيه: "هل ستبني مستوطنات جديدة يا نتنياهو، كي تنتقم من حماس، من سيسكن بها؟"؟
قريباً جداً -يا نيكي هيلي- ليس فقط المستوطنات التي لم تجد من يسكنها، والكل يعلم ذلك في دولة الاحتلال التي تحبينها، وربما هذه المشكلة هي أهم عندهم من صفقة القرن الفاشلة تلك. فلتذهبي للجحيم أنتِ والصفقة وترامب وكوشنر وكل من معكم من العرب وغير العرب.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.