ما بعد خاشقجي.. واشنطن وأزمة علاقاتها الشرق أوسطية

عربي بوست
تم النشر: 2018/12/23 الساعة 15:19 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/12/23 الساعة 15:49 بتوقيت غرينتش
جمال خاشقجي

في خضم سعي الإدارات الأميركية المتعاقبة إلى الخروج من نطاق منطقة الشرق الأوسط وتحويل الموارد الأميركية وتركيزها إلى المحيطين الهندي والهادئ وروسيا، اكتسبت فكرة العمل من خلال الشركاء زخماً كبيراً. فقد شهدت الولايات المتحدة سلبيات المشاركة المباشرة والمفرطة في الشرق الأوسط. أما الآن، فإنّ إدارة ترامب تدرك عثرات اتخاذ الموقف الوسط، أي أن العمل من خلال الشركاء ما يجعل واشنطن عرضة لعيوبهم وأسيرة لمصالحهم الضيقة.

لقد دفع اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي واشنطن إلى القيام بمراجعة مفاجئة لمواقفها تجاه الشراكة الأميركية – السعودية. ونتيجة موجة غضب اعترت الكونغرس الأميركي، فإن مشروع قانون ينهي الدعم الأميركي للحملة العسكرية التي تقودها السعودية في اليمن قد يجتاز بشكل كبير العقبة المطلوبة مستقطباً دعماً قوياً من الحزبين الجمهوري والديمقراطي. فالكونغرس ينظر أيضاً في مشروع قانون آخر من شأنه أن يضع شروطاً صارمة على بيع الأسلحة الهجومية للسعودية التي تشكّل المشتري الأكبر للأسلحة الأميركية.

لم تعُد الشراكة بين الولايات المتحدة والسعودية تتمتع بالأهمية ذاتها. فالعلاقة قائمة إلى حد كبير حول ضمان إمداد ثابت للنفط إلى الغرب. ومن هذا المنطلق، لا تحتاج العلاقة إلى بعض التعديلات بل إلى إعادة تقييم شاملة. ففي النهاية، يفوق إنتاج النفط الأميركي الآن الكميات المنتجة في السعودية، مما يؤدي إلى الاكتفاء الذاتي، إن لم يكن إلى الاستقلال في مجال الطاقة. وبدلاً من السعي إلى إبقاء الآخرين خارج المنطقة، تتطلع الولايات المتحدة على نحو متزايد إلى إخراج نفسها، حيث يرى العديد من السياسيين أن حلفاء أميركا في الشرق الأوسط يشكلون أعباءً تمنعها من الهروب من المستنقع الإقليمي.

حادثة اغتيال خاشقجي شكلت دعوة لإيقاظ صانعي السياسة الأميركيين الذين يتطلعون إلى العمل بشكل متزايد عن طريق الحلفاء في الشرق الأوسط في الوقت الذي توجّه فيه الولايات المتحدة انتباهها نحو مسائل أخرى. فأضحى لزاماً إعادة تنظيم السياسة الأميركية تجاه الشركاء الآخرين في المنطقة لكي تحافظ هذه الشراكات على فعاليتها.

لطالما افتقرت العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية إلى السلاسة. فقد كانت عرضة للأزمات – وأبرزها مقاطعة النفط عام 1973 وهجمات 11 أيلول/سبتمبر، فضلاً عن الخلافات الحادة، مثل تلك المتعلقة بغزو العراق والاتفاق النووي الإيراني. ولطالما شعرت واشنطن بعدم الارتياح من دور الرياض الإقليمي. ولعل من المفارقات أنه قبل مقتل خاشقجي، كان صانعو السياسة يأملون في أن يؤدي صعود محمد بن سلمان إلى تخفيف التناقضات في العلاقة.

لقد تزايدت التوترات مع سياسات الرياض الحالية. فالعواصم الغربية أبدت عدم ارتياحها تجاه كل من اعتقال مجموعة كبيرة من النخبة السعودية، والاحتجاز الوجيز لرئيس الوزراء اللبناني واستقالته القسرية، والاضطهاد المتزايد للمنتقدين، والتجاوزات في النزاعات الإقليمية والدولية. قد يكون مقتل خاشقجي الشرارة التي أثارت الاحتدامات الحالية، لكن كانت هناك مشاكل كثيرة في الأصل. وتسبب ذلك في أخطر أزمة تعرضت لها العلاقات الأميركية- السعودية منذ 11 أيلول/سبتمبر.

وصفت إدارة ترامب الشراكة الأميركية – السعودية كأداة مفيدة وحيوية لتعزيز الأهداف الأميركية مثل مواجهة إيران. إلّا أن الشراكة بين الولايات المتحدة والسعودية هي في الحقيقة أكثر تركيزاً على الشؤون الدفاعية، ومن المرجح أن يؤدي التخلي عن الشراكة الأميركية – السعودية إلى إثارة الانعكاسات السلبية التي تسعى واشنطن إلى تجنبها أو تأجيلها. ما يعني أن واشنطن تحتاج إلى تطهير عملها الدبلوماسي مع السعودية. لا ينبغي أن يكون رد الولايات المتحدة على قضية خاشقجي مقتصراً على إصلاح علاقتها بالمملكة والتعامل مع الأزمة الراهنة. فجميع علاقات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط تقريباً معرّضة لهذا النوع من الأزمات، ولا يمكن فصل السياسة الأميركية تجاه السعودية عن نهجها الشامل تجاه المنطقة.

إذا أرادت واشنطن أن تخفض بنجاح تأثيرها في الشرق الأوسط دون التضحية بمصالحها، فعليها أن تضمن أن تكون شراكاتها الإقليمية فعّالة ومحورية، وليست مجرد وقائية وكذلك مستدامة. كما يجب على الولايات المتحدة أن تساعد في إبراز قضايا حقوق الإنسان والحقوق المدنية في علاقاتها الثنائية الإقليمية. فالتأييد الأميركي لحقوق الإنسان والحقوق المدنية في الشرق الأوسط تضاءل بشكل كبير في السنوات الأخيرة. وقد عزز "الربيع العربي" هذا الاتجاه، على الرغم من الإحياء القصير والمبدئي للحماس الغربي حيال الإصلاح السياسي. وفي ظل إدارة ترامب، التي سعت إلى ممارسة شكل من أشكال السياسة الواقعية في علاقاتها الخارجية، فقد ازداد هذا التقليل من شأن حقوق الإنسان.

واقع الحال أن قضية اغتيال خاشقجي هي تذكير بأنّ إهمال المخاوف المرتبطة بحقوق الإنسان لا يمكن أن يعرّض الدعم الأميركي للعلاقات الإقليمية للخطر فحسب، بل قد يحجب النور عن صانعي السياسة من رؤية هشاشة الدول الشريكة. يجب على المسؤولين الأميركيين رفع قضية حقوق الإنسان في جداول الأعمال الثنائية والإقليمية وضمان تمتّع برامج المساعدة الأميركية التي تركز على الحقوق والمجتمع المدني بالدعم الدبلوماسي الواضح، ما يعني بعبارة أخرى أن المشكلة الحقيقية التي تفجرت مع اغتيال خاشقجي كانت نوعية علاقات واشنطن وارتباطاتها بدول الشرق الأوسط وأنظمتها التي فرطت من أجلها واشنطن بالكثير من الأساسيات في علاقاتها الدولية لصالح حسابات سياسية تكتيكية آنية ومؤقتة.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
هشام منور
كاتب وباحث في العلاقات الدولية
تحميل المزيد