العجيب أن الجمهور يضحك! لهذه الأسباب أنا أكره «مسرح مصر»

عربي بوست
تم النشر: 2018/12/23 الساعة 15:07 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/12/07 الساعة 08:37 بتوقيت غرينتش
مسرح مصر

لا غرو أن يواجه أي عمل فني نقداً يتعلق ببنية النص، وأداء الفنانين، والإخراج، والإضاءة، والمؤثرات الصوتية وغيرها من مفردات العمل المسرحي،  فهو بالأخير عمل فني بشري يحالفه الصواب، ويقترب من الخطأ، غير أن ما يعرف بـ "مسرح مصر"، الذي هبط علينا من كوكب "الرخامة"، لا يحتوي في الأصل على أي مفردات تتعلق بالعمل الفني فضلاً عن المسرحي، إذ لا يوجد نص يحمل أي قيمة إلا السلبي والمنحط منها، ولا أداء فنياً بحدّه الأدنى، في ظل غياب شبه تام لأفكار اجتماعية أو لمسات ديكورية تعزز فكرة العمل، ولمسات إخراجية تعكس عملاً مسرحياً جاداً.

العجيب أن الجمهور يضحك!

أستطيع أن أتفهم سبب ضحك الجمهور، فهو بالأخير قد دفع مالاً لأجل أن يضحك؛ ومن ثم عليه أن يضحك حتى لو كان الواقف أمامه برميل "غلاسة"، كما أن الواقف على المسرح ربما يعلم شيئاً عن ظاهرة "عدوى الضحك" في بيئة معززة بموجات المرح التي تنتشر بسهولة بين أكبر قدر من الناس في مكان واحد.

لكن، ما لا أستطيع أن أفهمه كيف تغلغل في مصر كل هذا القبح، وكيف يتلقاه المصريون بصدر رحب!

كان من أبرز إنجازات الثورة الفرنسية الكبرى منع احتكار المسرح، الأمر الذي انعكس في انتشار ظاهرة المقاهي التي تقدم عروضاً مسرحية، وصل عددها بباريس وحدها، في فترة من الفترات، إلى أكثر من 800 مسرح، يقوم عليها شباب قليل الإمكانات، غزير المواهب، مفعم بالأفكار الإيجابية، الثورية والاجتماعية، وكانت هذه المسارح بمثابة الموجِّه للقيم التي يريد كل اتجاه أن يغذيها في المجتمع.

والمتأمل يرى كيف أسهم المسرح البريطاني في إحداث نقلة نوعية كبيرة بالثقافة الإنكليزية، وكيف تمكن كل من برنارد شو، وأوسكاو ونويل كوارد، وملهم المسرح الأول شكسبير من تجديد المضمون الفكري، والمعالجة الاجتماعية، مع تعزيز وجدان الشعب البريطاني بأفكار مراعية لأصالة الماضي، مع استشراف ملامح المستقبل بمضامين جديدة، بل كيف حصل التحول من الثقافة الإنكليزية المحافظة لحد ما، إلى الثقافة الأميركية بدراماتيكيتها المعهودة، عبر طروحات وتينيسي ويليامز، وآرثر ميلر وغيرهما..

  للمسرح دور كبير في غرس القيم بالمجتمع، ولهذا سادت مقولة "أعطني خبزاً ومسرحاً أعطِك شعباً واعياً"، وما التقدم الذي طال أثينا، والتخلف الذي طال إسبرطة إلا بفعل الحضور الواسع للمسرح الأثيني، فضلاً عن بقية الأعمال الفنية والأدبية التي برع فيها الأثينيون.

إن تعزيز الانتماء إلى الوطن، وغرس القيم التربوية والتثقيفية، فضلاً عن الوطنية، والمعالجة المبتكرة للظواهر الاجتماعية، قد يتم بسهولة إذا توافر المسرح مع الاعتناء به، وهذا ما تعمل عليه الدول التي ضمِنت لنفسها مكانة مرموقة، فمشكلات مثل الطلاق، والعنصرية، والإدمان، تلاشت في دول أو قلَّت حدَّتها بفعل المسرح والدراما؛ فقد أسهم  برنارد شو مثلاً في علاج ظاهرة الدعارة التي تفشت بمجتمعه من خلال مسرحية "مهنة السيدة وارن"، وأسهم نعمان عاشور في معالجة العنصرية التي تفشت بالمجتمع المصري في ثلاثينيات القرن الماضي، من خلال مسرحية "الناس اللي فوق" ومسرحية "الناس اللي تحت".

ولهذا، سعى بعض علماء التربية إلى أن يضعوه ضمن عوامل التنشئة الاجتماعية، جنباً إلى  جنب مع الأسرة والمدرسة والنادي والأصدقاء والشارع.

فالمسرح قادر بفعل عناصره على تحويل الإبداع الفردي المجرد إلى تجربة جماعية مفعلة بالواقع، تسهم في جعل الإنسان سويّاً، قادراً على الارتقاء بنفسه، والتفاني في خدمة مجتمعه..

كما أنه سلاح فعال للثائرين المبعَدين من أوطانهم قسراً، ولعل تجربة الشاعر والأديب والطبيب والمسرحي الألماني "برتولت بريخت" ملهمةٌ لمن يملكون الموهبة ويتحججون دوماً بالإمكانات، حيث طُرد الرجل من ألمانيا بعد استيلاء هتلر على مقاليد الحكم، فقرر أن يطرح أفكاره ويثوِّر الناس من خلال مسرحياته التي كانت تُعرض في ألمانيا الشرقية.

واستعان بالمسرح، الخديوي إسماعيلُ في ترسيخ الثقافة الغربية بمصر، وإظهار مصر على أنها بلد حضاري يستوعب كل الثقافات، من خلال جلب الفرق الأجنبية بأجور مرتفعة للغاية، لعرض أعمالهم الفنية على مسارح مصر، وأشهرها مسرح زيزينيا بالإسكندرية..

المؤسف في تجربة أشرف عبد الباقي وصبيانه أنه اختار اسم "مسرح مصر"، في حين أنه ليس مسرحاً،  لأن المسرح لا يقوم عليه إلا المثقفون الواعون الذين يحملون في صدورهم هماً وقِيماً، وفي عقولهم أفكار، ولا يعبر عن مصر، لأن مصر أكبر بكثير من المسخرة الدائرة والانحطاط الأخلاقي والقيمي الحاصل.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
سيد حمدي
كاتب وصحفي مصري
تحميل المزيد