إننا بثروة القرن الحادي والعشرين، والتعاظم المستمر للتقنيات الحديثة، وما يحدث من تفاعل كثيف متنام للإعلام الحديث ووسائله المختلفة على تشكيل الآراء والتوجهات لأفراد المجتمع، وقدرته على نشر الأفكار والتأثير في المفاهيم وحتى في الأسس الأخلاقية والتربوية لكافة الشرائح المجتمعية المنفتحة على العديد من وسائل الإعلام سواء كانت مرئية أو سمعية أو مقروءة.
وعلى الرغم من الاهتمام المتزايد بالبحث في هـذه العلاقة المتبادلة بين الإعلام وغيره من المجالات الأخرى، والتي أسفرت عن قيام تخصصات تحمل مسميات عديدة تبرز خصوصية هـذه العلاقة كالإعلام التنموي، والإعلام الأمني، والإعلام التربوي.. وغيرها، إلا أن هناك قصوراً ملحوظاً في تشخيص هـذا الارتباط ، أو الدور الإعلامي في إبراز أهمية العديد من القضايا المهمة والتوعية بها.
ولا شك بأن من أهم تلك القضايا التي تشغل بال الكثيرين من صناع القرار على المستوى الاقتصادي والتنموي في مؤسسات صنع القرار، قضية الإعلام ودوره في عملية التنمية، التي ينبغي أن يتم إيصالها عبر وسائل الإعلام الحديثة إلى الغالبية العظمى من أفراد المجتمع العربي، ذلك أنـه عـلى الرغـم مـن أن قضية التنمية تحمل من الطموحات والتفاؤل الشيء الكثير لعموم المواطنين العاديين والمنشغلين بمسائل الاقتصاد والتنمية، إلا أن هـذه القضية بحاجة إلى من يوصلها إليهم عبر الوسائل المناسبة؛ وبخاصة وسائل الإعلام الحديثة، التي أضحت أفضل القنوات وأسرعها وصولاً لأعداد كبيرة من الجماهير على نحوٍ لم يسبق له مثيل.
من جهة أخرى فإن هناك حاجة ماسة يستدعيها الوضع التنموي في المجتمع العربي لتوسيع خيارات أفراد المجتمع، من أجل ممارسة خياراتهم وحقوقهم، الاقتصادية والصحية والتعليمية، الأمر الذي يرفع من أهمية وسائل الإعلام، وتواجدها في جميع المفاصل المهمة المتعلقة بالتحولات التنموية في أي خطط واستراتيجيات يتم وضعها، بعد جس النبض الذي تجريه هذه الوسائل في أوساط أفراد المجتمع.
وما دمنا اليوم قد دخلنا في القرن الحادي والعشرين، وما يحمله من متغيرات واسعة تمثل تحديات كبيرة للإنسان الذي ودع قرناً سيبدو متخلفاً تماماً أمام ما سنشهده في القرن الجديد، إنه القرن الذي سيتوج فيه التقنيات الحديثة والإعلام التفاعلي ملكاً، حيث الأجيال الذكية منه، وحيث الطرق السريعة في الاتصال.
وبذلك فإن ما يجب إضافته هو أن دور الإعلام لا يقتصر في التنمية الشاملة على البناء المعنوي للإنسان، بل إنه أيضا يسهم في البناء المادي، وأبسط دليل على ذلك استيعاب الإعلام لتكنولوجيا وسائله من الأقمار الصناعية، ومحاولة تطويرها وإخضاع سلطانها للظروف المحلية، بل ولا يقف منتظراً حتى تبدأ خطة التنمية في التنفيذ.
إن المجتمع والإعلام في حركة مستمرة، وقبل أن تتحرك خطة التنمية من الإحصائيات والتنسيق إلى شكلها النهائي، يكون الإعلام قد سبقها، وإن السبل الإعلامية الملامسة لاحتياجات الجمهور والتعرف عليها من خلال رصدها على المنصات الإعلامية المختلفة ووضع الفرضيات والحلول للقضايا المصيرية المهمة المتعلقة بالواقع العربي بأشكاله المختلفة وقضاياه المصيرية كذلك، والتعبئة الجماهيرية التي تهدف نحو الارتقاء والتطور.
إن من أهم قضايا الإعلام التنموي هو عمله من خلال دور الرقابة التي ترصد قضايا الفرد بالمجتمع ومشاكله الاجتماعية وكيف من الممكن إيجاد الحلول الملائمة لها للارتقاء بالإنسان في مجتمعه، وكذلك في أن يلعب دوراً مهماً في عملية توسيع الأفاق الفكرية، فهو إعلام مبرمج ومخطط يرتبط بالعملية التنموية ومتعدد الأبعاد كونه يشمل البعد الاقتصادي والسياسي والتعليمي والخدماتي ولاسيما التربوي بصورة أكثر شمولية وتفاعلية بين الناس كافة.
وأخيراً يمكن القول بأن الإعلام التنموي يساهم في بناء القدرات البشرية بكافة النواحي للمجتمعات العربية في النواحي الثقافية والصحية والاقتصادية والسياسية وباقي المجالات الأخرى الفاعلة في حياة المجتمعات؛ حيث يساعد الإعلام التنموي على رفع مستوى العلم لدى المستمعين والمشاهدين وكذلك دعم جهود الجماهير في البناء والتقدم وتغيير الثقافات والعادات والتقاليد للأفضل ونقل التراث الوطني ورفع روح الانتماء مع التعريف بأهم القضايا الفاعلة والتطورات التي تشهدها الساحة العربية.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.