العمل التطوعي في كندا بين الفضيلة والاستغلال

عربي بوست
تم النشر: 2018/12/23 الساعة 14:29 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/12/23 الساعة 14:29 بتوقيت غرينتش
شباب متطوع في كندا - iStock

 

حسب بعض المصادر، هناك بليونا ساعة عمل تطوعي أسهم بها نحو 13 مليون مواطن ومقيم في كندا خلال عام 2010. لا شك في أن هذا الجهد جبار يستحق كل التقدير والإجلال، خاصة إذا كان قد بُذل في محله. وأنا من خلال هذه المقدمة، سأتناول هذا الموضوع من زاوية رؤية مختلفة بعض الشيء، قد أخطئ فيها وقد أصيب، والحكم للقارئ أينما كان.

لعله من المتعارف عليه أن العمل التطوعي يبادر به الإنسان عن طيب خاطر، لمن يستحقه من الأشخاص أو الجمعيات الإنسانية والخيرية، وضمنها جمعيات الرفق بالحيوان، والتي ينطوي عملها جميعاً على خدمة من يحتاج هذه الخدمات في شتى المجالات، المادية والمعنوية والتعليمية، دون أي غاية ربحية، ولكن أن يُستجلب ويُستغل الناس، وخاصةً القادمين الجدد، لتقديم الجهد والوقت لشركات وهيئات ربحية، بحجة أن هذا القادم الجديد ليس لديه "الخبرة الكندية" ؛ ومن ثم يجب عليه أن يكدح ويعمل متطوعاً ليحصل على الخبرة المطلوبة ريثما يجد فرصة عمل ما.

هنا يبدأ الصيد في الماء العكر، وتصبح المسألة بحاجة لإعادة نظر. فليس من الأخلاق ولا العدل بمكان أن تعتاد بعض الشركات الربحية استغلال القادمين الجدد بهذه الطريقة الثعالبية، لتتربح على حساب جهد الآخرين ووقتهم بلا مقابل، بل لعلها نمط مستحدث من أنماط الاستعباد والرق الحديث، ولكن بأسلوب أكثر جاذبية ودهاء.

إن العمل التطوعي يمكن أن يكون مقبولاً عندما يبادر به شخص ما بملء إرادته ولا ينوي الحصول من خلاله على عمل لاحقاً. واسمحوا لي بأن أبين فروقات ثلاثة للمتطوعين في كندا.

1- هناك شريحة تكون مقتدرة مادياً وتَعتبر أن العمل التطوعي  يملأ الفراغ بما يفيد المجتمع، وأغلبهم يكونون من المسنين، ولهم خالص الشكر والتقدير على ما يقومون به.

2- شريحة طلاب المدارس، حيث يُعتبر العمل التطوعي نوعاً من تعويد وتدريب الجيل الصاعد العملَ والسعي واكتشاف الحياة، وهذا أمر مستحب ولا غبار عليه.3- شريحة الباحثين عن فرصة عمل، وهنا ينبغي أن تُرفع الشارة الحمراء، وهنا بيت القصيد، فكما ذكرت في بداية مقالتي، عندما يقف هذا العمل التطوعي عقبة في وجه الباحثين عن فرصة عمل لإعالة أسرهم وقد بلغوا مبلغاً من العمر فهنا نقع في مشكلة اجتماعية قد تؤدي إلى نتائج لا أخلاقية.

إن ظروف الحياة قد تضطر بعض المستيئسين من الحصول على عمل، أن يستسهلوا الانغماس في أعمال مشينة، كالتعامل مع عصابات الممنوعات والمخدرات وغيرها. وهذه العصابات تراها دائماً في حالة بحث وتقصٍّ، تراود الناس المحتاجة التي تسول لها نفسها التورط في أعمال كهذه، مقابل حفنة مغرية من الدولارات، فالفقر بوابة الأفات كلها، وإذا ترافق مع انعدام الضمير والأخلاق فعندها يصبح المناخ ملائماً جداً لانزلاق الكبير والصغير؛ ومن ثم ضياع المستقبل كله.

لا أريد أن أبدو مبالغاً أو أن أرسم صورة تشاؤمية، ولكن التاريخ علّمنا أن معظم الكوارث حدثت بسبب عُقد وأخطاء وحماقات بسيطة. ولعل ضياع الشباب، سواء ببلدانهم أو في بلاد الاغتراب وعدم تأمين فرص عمل حقيقية لهم، يعتبر كارثة بكل ما لهذه الكلمة من معنى.

كم أتمنى على الحكومة الكندية أن تولي هذا الأمر عنايتها كاملةً، وأن تتنبه للمخاطر التي قد تنجم عن وجود مثل هذه العقبات. وكالعادة، لن أكتفي بتعرية المشكلة، بل سأقدم بعض الاقتراحات والحلول برؤية بسيطة، وأجزم بأنها ستخفف من وطأة الظلم واللارضا اللذين يشعر بهما غالبية المتطوعين، وعسى هذه المقترحات أن تشكل حافزاً لكل متطوع لبذل الجهد وتعزيز احترام الذات، بل واحترام المجتمع الذي يعيشون في جنباته، وأتمنى من حكومتنا النظر في المحفزات التالية وإدراجها في جدول الأعمال.

 

1- إلزام أرباب العمل توظيف كل متطوع لديهم خلال فترة لا تتجاوز 6 أشهر من بداية عمله التطوعي، وخاصة أولئك المتطوعين الذين أثبتوا كفاءة في العمل.

2- تخصيص جزء يسير من إيرادات الضرائب، يمكن تسميته "البدل التطوعي"، يُصرف لكل متطوع، على ألا تقل قيمة هذا البدل المادي عن نصف راتب الموظف العادي، وتُسدَّد شهرياً حسب عدد ساعات العمل التطوعية.

3- تتحمل الجهة التوظيفية نفقات المواصلات اللازمة لكل متطوع من وإلى العمل، في أثناء فترة العمل التطوعي.

4- تخصيص بوليصة تأمين صحية، تشمل معالجة الأسنان، لكل متطوع مع عائلته.

ولعل هناك اقتراحات أخرى، أترك لكم وللقارئ الكريم تقديمها.

قبل أن أختم، هناك قصة واقعية أستشهد بها على عجالة، وتتعلق بمتطوع التقيته في أحد مراكز القادمين الجدد، وهو شاب من جاليتنا العربية، أمضى أكثر من 7 سنوات في العمل التطوعي، وقد أكبرت ذلك فيه، ثم سألته مستغرباً: "ومن أين تؤمّن دخلك المعاشي كل هذه الفترة إذن؟"، فأجاب مستاءً: "من ال، welfare"!

اسمحوا لي بأن أتوجه لمن يَعنيه الأمر في الحكومة، لأقول: ألا ترون في ذلك شيئاً من المذلّة لذلك المتطوع، وأمثاله كثر، أن يبقوا على الـwelfare، وهو يَصرف الجهد والوقت، مثله مثل أي موظف يتقاضى راتبه آخر الشهر، في حين هو وأمثاله لا ينالون إلا تلك المعونة المحدودة والمغمَّسة بكثير من المذلة أمام نفسه وعياله.

لا شك في أن ما تقدمه الحكومة من معونات يستحق كل الشكر والتقدير، وهو أمر تعجز عن الوفاء به كثير من الدول، ولكن لديَّ اقتراح بسيط، لو أذنتوا لي به، وهو أن يتم صرف تلك المعونات الشهرية تحت اسم "بدل تعويض"، وذلك تحديداً لمن انخرط في ميدان العمل التطوعي، ولعل البعض يقول: وهل التسمية تقدِّم أو تؤخر من الأمر شيئاً؟! أقول: طبعاً، هناك فرق، والفرق شاسع بين أن تأخذ مبلغاً ما مكافأةً لعملك التطوعي، وأن تأخذه لأنك مضطر وعاطل عن العمل، هو تماماً كالفرق بين الهدية والصدقة.  

في الختام، أتمنى أن تجد هذه المقترحات صداها لدى الحكومة العزيزة، مع دوام الشكر والتقدير.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
معتز أبو كلام
مؤسس ورئيس تحرير صحيفة أيام كندية
تحميل المزيد