العلاقات المغربية الموريتانية (3).. العوائق والآفاق

تم النشر: 2018/12/22 الساعة 16:57 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/03/01 الساعة 12:07 بتوقيت غرينتش
الرئيس المغربي والرئيس الموريتاني

رغم تعاقب الأنظمة السياسية في موريتانيا، والتغير الملحوظ في السياسات الرسمية في المغرب بخصوص العلاقات مع دول الجوار منذ الاستقلال، لا تزال العديد من القضايا والإشكالات تشكل مادة خصبة لنشوب التوتر بينهما بين الفينة والأخرى، لكن ومع بروز بعض المؤشرات على تحسن العلاقات في ما بين البلدين في الآونة الأخيرة، يعقد العديد من المتابعين آمالاً كبيرة على تجاوز تلك النقاط التي لطالما شكلت عقبات كأداء بالنسبة لمحاولات تعزيز وترسيخ العلاقات في ما بين البلدين.

ملفات تنغص العلاقات في ما بين البلدين

ففي حين يتوجس المغرب من أي تقارب بين موريتانيا من جهة والجزائر وجبهة البوليساريو من جهة أخرى، تتهم جهات محسوبة على النظام الموريتاني المغرب بدعم المعارضة الموريتانية الراديكالية عبر احتضان مجموعة من السياسيين الموريتانيين المناوئين لنظام محمد ولد عبد العزيز، أبرزهم رجلا الأعمال المعروفان محمد ولد بوعماتو والمصطفى ولد الإمام الشافعي اللذان يقيمان في المغرب منذ سنوات.

ورغم وجود معبر بري مشترك بين المغرب وموريتانيا، إلا أن فرض تأشيرة الدخول الفيزا من طرف كلا البلدين على مواطني البلد الآخر يعد مؤشراً آخر على تأزم العلاقات في ما بينهما، ففي حين سبق لرئيس الحكومة المغربية عبدالإله بنكيران أن أعرب عن نيته العمل على إلغاء تأشيرة الدخول المفروضة من طرف المغرب على الموريتانيين خلال زيارته لموريتانيا سنة 2013، تشير العديد من المصادر الإعلامية إلى تعقيد الإجراءات الخاصة بمنح تأشيرة الدخول في القنصليات المغربية في موريتانيا، وتذهب تحليلات إلى أن سبب فرض المغرب لتأشيرة الدخول على المواطنين الموريتانيين يرتبط بموضوع تجنيس موريتانيا لأعداد كبيرة من الصحراويين المنتمين للبوليساريو.

ملف منطقة الكويرة هو الآخر من الملفات الحساسة التي تلقي بظلالها على العلاقات في ما بين البلدين رغم عدم إثارته رسمياً، فتداعيات أزمة الكركارات الأخيرة بين المغرب والبوليساريو، أعادت إلى الواجهة موضوع منطقة الكويرة التي احتفظت موريتانيا بإدارتها منذ انسحابها من حرب الصحراء سنة 1979، فوجود منطقة تعتبرها الأمم المتحدة منزوعة السلاح وراء خط الهدنة المتفق عليه في البروتوكول الخاص بوقف إطلاق النار الموقع بين طرفي النزاع سنة 1991، يعد معرقلاً للسير العادي  لعمل المعبر الحدودي الذي يربط المغرب بموريتانيا، خاصة بالنظر إلى إمكانية تنظيم دوريات أمنية من طرف أحد الأطراف في المنطقة الحدودية، أو إرسال دوريات مسلحة إليها، رغم المواقف التي أعرب عنها الأمين العام الأممي ومجلس الأمن الدولي بخصوص تهدئة الوضع في المنطقة والداعية إلى انسحاب العناصر المسلحة منها.

أما شعبياً فيظل سوء الفهم المتبادل المسجل في ما بين جهات غير رسمية محسوبة على البلدين والمعبر عنه في وسائل الإعلام هو السمة البارزة، نتيجة طبيعية لعقود من التأزم وضعف أو حتى انعدام التواصل في الأوساط الشعبية والمدنية، والتأثر بالدعايات التحريضية التي اتخذت طابعاً رسمياً في فترات معينة، فمن حين لآخر تبرز تصريحات في هذا الجانب أو ذاك تسيء إلى الطرف الآخر، كان آخرها الأزمة التي أحدثها تصريح للأمين العام السابق لـ"حزب الاستقلال" حميد شباط إبان تزعمه للحزب، حول تبعية موريتانيا للمغرب سنة 2016، ما استدعى إجراء العاهل المغربي محمد السادس لاتصال هاتفي بالرئيس الموريتاني ثم ابتعاث رئيس الحكومة السابق عبدالإله بنكيران إلى موريتانيا لتوضيح الموقف الرسمي المغربي.

وبخصوص الموقف المغربي فيبقى ملف النزاع الصحراوي هو الهاجس الأهم بالنسبة لعلاقاته بدول الجوار، فرغم المواقف الرسمية المعبر عنها في موريتانيا، والتي يبدي فيها المسؤولون الموريتانيون تبنيهم لموقف "الحياد الإيجابي" بخصوص النزاع، ينظر المغرب إلى المواقف الموريتانية الرسمية بعين الريبة والشك، ما أفضى إلى عدم التنسيق بين البلدين في المحافل والمؤسسات الدولية في بعض الأحيان، وحتى دخولهما في مواجهات دبلوماسية في العديد المناسبات الدولية في أحيان أخرى، كان أبرزها التنافس على عضوية مجلس الأمن بين البلدين سنة 2012، والذي انتهى بفوز المغرب بمقعد تمثيل القارة الإفريقية، رغم ترشيح الاتحاد الإفريقي رسمياً لموريتانيا، معمقاً بذلك الأزمة غير المعلنة بين البلدين التي كرسها ضعف التمثيل الرسمي المغربي في القمتين العربية والإفريقية اللتين احتضنتهما موريتانيا في السنتين الماضيتين، عدا عن تعذر تبادل الزيارات الرسمية لزعيمي البلدين في مرات عديدة منذ اعتلاء الرئيس الموريتاني محمد عبدالعزيز لسدة الحكم.

مؤشرات على تحسن العلاقات بين البلدين وآمال واسعة معلقة عليها

رغم التجاذبات الكثيرة المسجلة مؤخراً والمتعلقة بالعلاقات بين البلدين، والإكراهات التي تعترضها، إلا أن العديد من المراقبين يؤكدون على ما يصفونه "ببدء عودة مياه العلاقات الدبلوماسية بين البلدين الجارين إلى مجاريها" في الآونة الأخيرة، مبرزين مجموعة من المؤشرات الدالة على حدوث انفراج وتحسن في العلاقات الثنائية بينهما، أهمها المواقف المعبر عنهما رسمياً مؤخراً والمتمثلة في تعيين موريتانيا لسفيرها في المغرب، على إثر فراغ استمر زهاء خمس سنوات، بعد فترة وجيزة من تعيين الرباط لسفيرها في نواكشوط، بالإضافة إلى موقف الرباط المعبر عنه بشكل رسمي مؤخراً حول تواجد المعارض الموريتاني البارز رجل الأعمال محمد ولد بوعماتو في المغرب، حيث أوضحت الرباط "أنه غير مرغوب فيه داخل البلاد".

تنضاف هذه المواقف إلى التصريحات المطمئنة حول العلاقات بين البلدين المعبر عنها من طرف مسؤولي خارجية البلدين على هامش القمة الإفريقية التي احتضنتها نواكشوط مؤخراً، فضلاً عن الزيارة الرسمية لوزير الخارجية الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد للمغرب وتوقيعه لمجموعة من الاتفاقيات الهامة أبرزها الاتفاقية المتعلقة بإنشاء معبر بري جديد بين البلدين سيربط مدينتي السمارة والزويرات الحدوديتين، من شأنه أن يساهم في تعزيز العلاقات بين البلدين فضلاً عن تكريس الانفتاح المغربي على دول غرب إفريقيا.

تطورات أتت بعد فترة وجيزة من لقاءين رسميين جمعا كلاً من السفير المغربي المعين حديثاً بموريتانيا حميد شبار ورئيس سلطة المنطقة الحرة بنواذيبو الموريتانية محمد ولد الداف، حيث أعرب الطرفان عن نيتهما العمل على "تعزيز التعاون والرفع من التبادلات التجارية والاقتصادية بين المنطقة الحرة في نواذيبو والمناطق الاقتصادية الخاصة بالمملكة المغربية".

وعلى أمل أن تساهم الإشارات والمواقف المعبر عنها في الفترة الأخيرة بخصوص حدوث انفراج في العلاقات الدبلوماسية الثنائية في تنقية الأجواء السياسية وتدشين وترقية الشراكات الاقتصادية والتنموية، بما يتناسب مع المقدرات الجيوسياسية التي يتمتع البلدان بها، والتي من شأنها أن ترسخ الروابط الثقافية والاجتماعية العميقة التي تجمعهما، وتدعم الأدوار الدولية التي يضطلعان بها على المستوى الإقليمي والقاري.  

وبغض النظر عن المكاسب السياسية، الاقتصادية والتنموية الهامة المترتبة عن تحقيق أي تقارب في ما بين البلدين الجارين يبقى ترسيخ العلاقات الثنائية بينهما مطلباً شعبياً ملحاً بالدرجة الأولى، ما يفرض النظر في الأهداف الإنسانية بالدرجة الأولى من قبيل ضمان حرية تنقل الأشخاص بين البلدين، وتمكين الأسر التي تعيش على وقع الشتات في مختلف بلدان المنطقة نتيجة النزاع الصحراوي من لم الشمل، الأمر الذي يستدعي النظر في الإجراءات المعقدة المتبعة بخصوص إصدار تأشيرات الدخول الخاصة بمواطني البلدين بما يضمن تسهيلها أو إلغاءها. ليظل مطلب تحقيق الاتحاد المغاربي وحده الكفيل بتجاوز كل الخلافات في ما بين دول المنطقة وضمان علاقات ثنائية جيدة فيما بينها بما يحقق رقي وازدهار البلدان المغاربية، وينعكس بشكل إيجابي على رفاهية شعوبها.

(يتبع)…

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
محمد سالم عبد الفتاح
ناشط حقوقي
باحث سياسي وكاتب رأي
تحميل المزيد