بات الأمر كأنه عدوى أو داء أو ربما شيء من الإدمان الخطر الذي يهدد سلامة العقل واعتدال النفس والسيطرة على الانفعالات والعواطف، أما من الناحية العلمية، وبحسب عِلم النفس والاجتماع، فإن المصاب بهِ بحاجة لعلاج مستمر كي يتم الشفاء منهُ أو التوقف عن التعاطي معهُ بحدود المعقول والمقبول!
عمَّ أتحدث تحديداً؟
إنها يا أعزائي مواقع التَتابع والتتبّع.. الإعجاب والاستغراب، الكثير الكثير من الوجوه، وجوه في كل مكان، وجوه هدفها الأساسي هو أنت.. لفت نظرك، كسب إعجابك، والفوز بمتابعتك لها ظناً بأنها تحقق الغاية، أما أنت فتعتبر متأثراً ومتلقياً يتم العمل على ترسيخ مفاهيم تتناسب وحجم الجمهور المستعد للتفاعل معها، وقبول ما تطرحهُ، أولاً يجب أن تثير هذهِ الوجوه انتباه الجمهور بأي شكل من الأشكال، تستفز أفكاره وعواطفه، وبعد ذلك سوف يواظب على تلقّي كل ما يتم طرحهُ من قِبل هؤلاء الوعَّاظ الناصحين العارفين بكل تفاصيل الحياة ومفاصلها.
وهنا تأتي الاستمرارية في استقبال وتقبُّل ما يتم تناقلهُ من قِبل هذهِ الشخصيات دون مراجعة أو ملاحظة هل اتّباع نصائحهم يصب في مصلحتك؟!
هل المنتجات التي يروِّجون لها كمادة إعلانية تستحق أن نجري لاقتنائها؟
أما الجمهور المستهدف من كل هذهِ الثورة التي تضج بها مواقع التواصل الاجتماعي، وبصورة أكثر دقة توصلت إليها من خلال ملاحظتي المتأنية خلال الفترة الماضية، هو أنتِ عزيزتي حواء الهدف، ومن ثم يأتي في المرتبة الثانية أنتَ أيها الرجل.
سنستعرض ذلك تباعاً في هذا المقال.
أولاً لنتفق على أن ذلك يجري ضمن إطار مواقع أساسها هو الصور ويأتي تطبيق – إنستاغرام – في المقدمة بل هو المتربع على عرش الصور، وجوهٌ تكاد تكون في عين الناظرين متشابهة، ذلك الإطار الذي لا تشوبهُ شائبة يتمحور حول أسلوب حياة مثالي فاخر شديد الوضوح واللمعان، إن أمعنت النظر فيه لابد أن تشعر بأنه مزيَّف ولا يمت للحقيقة بصلة، لا يشبه طبيعتنا كبشر!
لا يلائم مشاعرنا ولا شخصياتنا ومزاجنا المتقلب ما بين مدٍ وجزر، متأثرين بشكل أو بآخر بالبيئة والمحيط من حولنا، نبتسم، نغضب، نبكي، ونملأ الدنيا فرحاً بعيداً عن حالة الثبات على النجاح والفرح والبهجة التي تطفو على سطح حياة هؤلاء المشاهير.
في المقابل، بات تأثير هذهِ العوامل التي نتلقاها واضحاًً علينا، نجد المرأة تبحث عن المثالية التي تشبه بها هؤلاء النساء بكل ما هو مُضاف من خلال الكثير من المُكملات والكماليات.
بينما تنادي وتدافع الكثير من النساء اللواتي حملن على عاتقهن أن المرأة ليست مجرد شكل جميل ومظهر جذاب، بل هي عقل يفكر ويَتفكر بمجهود ينتج ويَستَنتج، وقادر على أن يغير من مجريات هذهِ الحياة نحو الأفضل، هنا تظهر معاني الحرية والحقوق والمساواة التي تطالب بها النساء.
ولكن بات الأمر اليوم أكثر تناقضاً؛ حيث أصبح النجاح متعلقاً ومرتبطاً بقيمة ما تلبس، ما تأكل، بعدد رحلاتك صوب المُدن العالمية الأخرى!
هذا الترف الذي يجعل الإنسان الطبيعي يشعر بأنه مجرد هامش فوق سطور هذهِ الحياة، وهو يخوض أصعب المعارك وأشرسها كل يوم؛ لكي يحظى بما هو أفضل ويصنع واقعاً ويبني مستقبلاً جيداً يناسب طموحاته وأحلامه.
المرأة اليوم أكثر تعقيداً من ذي قبل، وكذلك الرجال ما عادوا بتلك البساطة والاكتفاء والاحتفاء بإنجازاتهم الأهم.
الأهم هو مواكبة هذا النهم صوب التشبه بحياة الآخرين من خلف كواليس الشاشات ومتطلبات الصورة التي تجذب أنظار الغرباء صوبهم.
أصبحت أعظم الاكتشافات أن تجمع متابعين من مشارق الأرض ومغاربها هذا الحب أو الاندفاع نحو المتابعين وتزايد أعدادهم ليس تحصيل حاصل، بل لصناعة واقع دعائي وإعلاني يدر الأموال على أصحابها.
بينما تسعى الأغلبية من المتأثرين بهذهِ الموجات نحو تحقيق الذات من خلال شهرة أقرب ما تكون للوهم.
ما على الناس معرفتهُ أن السوشيال ميديا تخضع للتمثيل أكثر من التعايش مع الواقع ومجرياته؛ لهذا لا تجرب أن تعيش كل ما تشاهدهُ من نافذة مواقع التواصل وتسقطه على أيامك وحياتك اليومية.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.