الانتصار للمملكة بشتم النساء

عربي بوست
تم النشر: 2018/12/19 الساعة 12:45 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/12/19 الساعة 13:59 بتوقيت غرينتش
خديجة جنكيز خطيبة الصحفي جمال خاشقجي

بدايةً هذا المقال لا يشمل كلّ أبناء المملكة، بل يتناولُ كلّ مَن أساءَ، ولايزال يسيء للجميعِ باسمها؛ لذا مَن صادفَ بينَ هذه الكلمات نفسَه، فليراجعْ ما تبقى له مِن أخلاقٍ إنْ وُجدت، وليغربلْ مبادئه إنْ بقيت؛ كي لا يأتي يومٌ يقفُ فيه أمامَ الله، وحولهُ كلّ مَن أساء لهم، فلا يجدُ ما يقوله سوى الخيبة والخزيّ والعار والخجل.

في الوقت الذي يتفاخر به الذباب الإلكتروني على مواقع التواصل عامة، و"تويتر" خاصة، بإنجازات لا يراها أحدٌ سواهم، وبدفاع وهمي يبدأ بالاستقواء على الضعيف، وينتهي بالتذلل طلباً للرفعة، لا تزال صورته في الغرب، سواء في الإعلام، وعند الشعب، أو حتى في الأغاني والأفلام سيئةً جداً، فتارةً هو الرجل الذي يحب النساء، ولديه من العشيقات الكثير، وتارةً هو ذاك الغني الذي ينفق كل ما يملكه من مال، في الشرب والعربدة والنساء أيضاً، وتارةً أخرى هو ذلك الذي يمنع المرأة من قيادة السيارة، وهي صورةٌ وإن كنا نرفضها تماماً في حق إخوتنا هناك، إلا أنها ازدادت سوءاً وتشوهاً، خاصةً بعد مجيء محمد بن سلمان للحكم، حيث تكاثر هذا الذباب، وأصبح يفتخر بأنه جيش المملكة الوحيد، وكأنها خلت من أصحاب الذمم والأخلاق، حتى صنعت لنفسها جيشاً من ذباب، تجاوزت صورته الوصف إلى الإهانة، وغرقت بلوحة من التشويه، كانت المملكة في غِنى عنها لو أنها أجادت خلقَ جيشٍ يدافع عنها بطريقة أكثر تحضراً من هذه.

وبالرغم من كل هذا، فإن السعودي سواء أكان ذباباً، أم مثقفاً أو حتى أميراً، لم يتوجَّه يوماً للدفاع عن صورته المشينة تلك عند الغرب، بل صوَّب لسانه الحاد، وقلمه الأعوج لكل عربي انتقد سياسة بلده، ولم يكتفِ بسرد نظرية المؤامرة التي مللنا من سماعها، والتي أصبح إثبات صحتها شغله الشاغل، وحديثه الدائم في مجالس الإعلام والمواقع، حتى صدقها، وحبس نفسه في سجن هذه الكلمة، بل أصبح ينظر لكل مَن يقول له: "أنت على خطأ"، على أنه متآمر عليه، يكرهه ويحسده، ولا يريد له الخير، وأن ما جعله ينطق بذلك، إنما الغيرة القاتلة من إنجازات محمد بن سلمان، والحقد على بلد تجاوز أكثر البلدان تطوراً في كل شيء.

ومع أننا نحاول جاهدين فصلَ الذباب عن المثقف منهم، إلا أن نماذجَ تخرج علينا كل يوم، بأسماء كاملة، وصور شخصية وعلامة توثيق زرقاء، تثبت هوية أشخاصها الحقيقية، تجعلنا نضعهم في خلاط واحد، وتحول كلماتهم لدينا إلى قطعة بلاستيك نلوكها بألسنتنا، مهما كان طعمها مراً، لنرميها لاحقا، فاللغة نفسها، والأسلوب السوقي نفسه، والسقطة الأخلاقية ذاتها، فإذا كان أميرهم يلاحق تغريدات امرأة مفجوعة بغياب خطيبها، لينعتها بالضفدع، وإذا كان من يحمل صفة الإعلامي، يضع صورتها ويبصق عليها من غير خجل، وإذا كان مَن يحمل شهادة الدكتوراه في النقد والإعلام، صدق أنها رجلٌ بزيّ أنثى، فأين هو الشعب السعودي الأصيل إذاً؟ ولم تحول شعب الدولة التي تحمل شعار "لا إله إلا الله"، إلى حشرات لا ينفع معها أي مبيد، وإلى أفاعٍ تنفث سمَّها هنا وهناك.

يتفاخرون بسب النساء، وشتم الأعراض وقذف كل امرأة، ولا يبرزون عضلاتهم إلا أمام إخوتهم العرب، أما أمام الغرب فيقف صغيرهم وكبيرهم عاجزاً عن الرد، أو الحفاظ على كرامة مملكة أصبحت بلا قيمة.

ولعل حادثة اختفاء ومقتل الصحافي جمال خاشقجي ، خير دليل على ذلك، "فالمطبل" عندهم لم يكتفِ بالدفاع عن مملكته دفاعاً أعمى  فحسب، ولم يكتف باتهام من يخالفه بالإخواني والأردوغاني، بل لجأ لاستخدام كل ألفاظه السوقية، ليجيب عن سؤال واضح ومحدد: أين  جمال؟، وتحول تضامنه مع الصحافي، وخوفه على مصيره، حينها إلى استهزاء بخلق الله، وهم الذين يحفظون منذ الصغر ما قاله عز وجل في كتابه:

"يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قومٌ من قوم عسىٰ أن يكونوا خيراً منهم ولا نساءٌ من نساء عسىٰ أن يكن خيراً منهن ۖ ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب ۖ بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ۚ ومن لم يتب فأولٰئك هم الظالمون"

انتصر الذباب لبلده بسب خديجة، والتعرض لشرفها، وإضاعة وقتهم في تركيب صورها، بتطبيق الفوتوشوب، والتركيز على تفاصيل جسدها، والمطالبة بلقاء صحافي معها ليتأكدوا أنها امرأة وليست رجلاً، انتصارٌ بسب النساء، والتعرض لشرفهن والاستهزاء بأشكالهن، وبدعم كل احتلال ضد إخوتهم العرب، فمرةً تجده يمدح الاحتلال الفرنسي؛ لأنه قام بجرائم اغتصاب وعنف ضد الجزائريات الشريفات، ومرةً تجده يشمت في الفلسطينيات والعراقيات والسوريات، وكأن هذا الذباب تخرج في مدرسة هتلر النازية، لا من مدارس تفتتح صباحها بـ "قال الله"، وجوامع تختتم نهارها ب "قال الرسول".

حتى أثبت أنه لا يتمتع بقدر عال من الغباء فقط، بل بالدونية وسوء الأخلاق، عكست البيئة التي عاشوا فيها، فإن كان لا يعلم هؤلاء أنهم أساؤوا للمملكة وعلمائها وأشرافها، وأنهم قد جعلوا العالم كله يأخذ تلك الصورة عنهم، فإلى متى سنبقى نحسن الظن فيهم قائلين: الشعب والذباب لا يستويان، وإلى متى سنبقى نسامح من أساء لنا ولبلداننا منهم، ونحن لا نزال نغص بكلماتهم التي يتحول طعمها في فمنا إلى دماء.

 فإذا كان الدفاع عن المملكة، لا يكون عندهم، إلا بالتعرض للنساء وأشكالهن وشرفهن، والتنمر على كل امرأة لا حول لها أو قوة، فلا بارك الله في دفاع كهذا، وإذا كانت صورة الملك وابنه، المهتزة داخلياً وخارجياً، لا تثبت إلا بسب الشهداء، والتعرض لشرف كل عربية أيضاً، فما أبشعها من صورة، وما أرخصه من دفاع، وما أهونها من مملكة!

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
خولة شنوف
كاتبة ومدونة جزائرية
تحميل المزيد