هل يمكن لغير الأوروبي أن يُفكر؟ كاتب إيراني يجيب

عربي بوست
تم النشر: 2018/12/12 الساعة 12:55 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/12/12 الساعة 12:55 بتوقيت غرينتش
المُفكر الإيراني حميد ديباشي

يبدو عنوان المقال من الوهلة الأولى سؤالاً مليئاً بالإهانة يتخطى المستوى المباشر للتساؤل إلى مستوى آخر فلسفي متعالٍ ومستفز في نفس الوقت، لكن هذا السؤال ليس سوى عنوان كتاب للمفكر الإيراني حميد دباشي ينتمي لمشروع فكري أطلقه دباشي سُمِّي بثلاثية الانتفاضة حاول فيه استنبات رؤية جديدة لكسر هيمنة المعرفة المحصورة في دول الغرب.

يطرح المفكر حميد دباشي  في كتابه سؤالاً استفزازيا حول المعرفة النظرية في سياقها المابعد استعماري: هل يستطيع غير الأوروبي التفكير؟ ولماذا مثلاً يعتبر  الغرب أن الموسيقى الغربية هي الموسيقى  بينما يربط موسيقى الشعوب الأخرى بأنها ثقافة عرقية؟ ولماذا يعتبر أفكار المفكرين في إفريقيا وأميركا اللاتينية فلسفة إثنية؟

هذه المفارقات في تعامل الغرب مع الإنتاجات الفكرية للشرق أصّلت لفكرة التمركز الأوروبي وخلقت صورة تشرعن للغربي إقصاءه للآخر وتُهمِّشه، وأفرزت نظريات تدّعي نقاء الحضارة الأوروبية وعدم تأثرها بأي ثقافة غير غربية.

عطسة موزارت:

في كتابه، عمل ديباشي على استخراج الدوافع التي جعلت الأوروبيين غير قادرين على قراءة إنتاجات غيرهم حتى عندما يكتبون بلغتهم، وحسب ديباشي، فسبب هذا العزوف الأوروبي راجع لكونهم مصابين بالنزعة الأوروبية منذ كتابات إيمانويل كانط الذي كان يعتبر أوروبا ذاتاً عارفة، بينما بقية العالم مجرد موضوعات للمعرفة، هذا الغرور الثقافي أنتج نوعاً من الإحساس بالسمو والتفوق وامتلاك الأفكار جعل الأوروبيين مترفعين عن قراءة ما ننتجه  نحن معشر الملونين باعتبارنا جزءاً من المعرفة لا يمكننا التفكير من تلقاء أنفسنا وكل شيء صادر منا يبقى مجرد رقص حسب ليفيانيس.

ويقول ديباشي إن "الأوروبيين وقعوا في فخ المجاز المستنزف الذي يتوق إلى ماضيه، يحيلون ما يطلعون عليه مجدداً إلى ذلك الفخ، وإلى ما يعرفونه بالفعل، بالتالي فهم غير قادرين على رؤيته، على أنه لاشيء، لا يعرفونه، ولكن بالإمكان تعلمه، على ذلك فالنمط الغربي هو الوحيد المتعين محاكاته لتطور المجتمعات التي اعتبرتها أوروبا تحمل عناصر الثبات ولا تسمح خصوصيتها بالتقدم، بينما الثقافة الأوروبية الحديثة تمتلك عناصر التطور المستمر، لذلك كان من الضروري أن يقسم العالم إلى مركز وهوامش، مركز غربي من حقه التمدد والسيطرة لفرض نمطه، وهوامش تحتاج إلى التغيير والتحديث".

لقد سعى ديباشي لخلق ثورة فكرية لقطع ارتباط المفكر الشرقي مع الفلسفة الأوروبية، كما تطرق ديباشي للطريقة التي نفكر بها لفهم العالم وكيف أنها منبثقة دائماً من مدارس فكرية أوروبية، وتظن أن تفسير الحقيقة محصور لدى فلاسفة أوروبا..

وفي مقابلة تليفزيونية لحميد دباشي انتقد  فيها ساخراً نمط التفكير الغربي بقوله إننا إذا سمعنا موزارت يعطس سنسميها موسيقى، لكن في نفس الوقت نصنف أعقد أنواع الموسيقى في الهند مثلاً على أنها موسيقى عرقية.

الثقافة والإمبريالية عند إدوارد سعيد:

تتقاطع فكرة حميد دباشي حول وصاية الغرب على التفكير  مع رؤية  المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد في انتقاده للزعامة الثقافية الغربية والتي تمجد الأوروبي وتسحب معطف الإنسانية عن غير الأوروبي، كما أن كتاب حميد دباشي قد ثأثر كثيراً بأفكار إدوارد سعيد وقال عنه: "إذا نزعت كتاب الاستشراق لإدوارد سعيد ونزعت إدوارد سعيد من وعينا، فنحن جيل المثقفين المهاجرين سنكون مجرد حفنة من الأرواح المتشائمة أو قد نتحول بكل أسى إلى جواسيس ومخبرين".

وينتقد إدوارد سعيد في كتابه "الثقافة والإمبريالية" الكيفية التي استخدم فيها الاستعمار ثقافته كحصن يساعد على استمرار هيمنته على دول العالم الثالث، متسائلاً في ذات الوقت عن السبب الذي جعل الشرقين يقبلون بهذا التلاعب بل ومتواطئين معه في بعض الأحيان فالاستعمار العسكري لم ينجح حسب إدوراد سعيد إلا بوجود خطاب ثقافي سانده ودافع عنه ووفر له الشرعية كذلك.

ويربط إدوراد ظهور الرواية وتوسع الإمبراطوريات عبر دراسته لعدة روايات كرواية الغريب لألبير كامو، فالكل يرى ألبير كامو من جانبه الثقافي والحامل للهم الإنساني دون أن يتجرأ أحد على التساؤل حول موقف كامو المساند للاحتلال الفرنسي للجزائر، كما يلفت إدوراد سعيد النظر لكون جميع الشخصيات العربية في رواية الغريب لا تحمل أسماء أو ألقاباً ولا حتى مرجعيات، بل كانت دوماً ترمز للموت والمرض مقابل التبجيل المستمر للإنجازات الفرنسية ومؤسساتها في المدن الجزائرية.

أزمة الشمال/جنوب عند أمين معلوف:

يتساءل المفكر الفرنسي اللبناني أمين معلوف في كتابه الهويات القاتلة عن السبب الذي جعل الغرب بالضبط يعرف ثورة تكنولوجيا وليس العالم العربي أو الصين أو روسيا مثلاً، ويرى معلوف أن بزوغ الحضارة في الغرب خلال القرون المنصرمة والتي ستصبح للعالم أجمع فيما بعد الحضارة المرجعية فكرياً ومادياً وتُهدد حضارات الأطراف بالاندثار هو الأمر الذي يحتاج نقاشاً كبيراً، لكن الشيء المؤكد الآن هو أن حضارة معينة تسلمت ذات يوم زمام الأرض وأصبح عَلمها هو العلم، وطبّها هو الطب وفلسفتها هي الفلسفة.

فلماذا عندما تفوقت الحضارة الأوروبية راحت الحضارات الأخرى كلها تميل للانهيار، لماذا كلها تهمَّشت بصورة تبدو الآن نهائية؟ لا شك -وهذا مجرد بداية إجابة- لأن البشرية أصبحت تمتلك الوسائل التقنية للسيطرة على العالم، أو بالأحرى أنها نضجت لبروز حضارة عالمية، لقد كانت البويضة جاهزة للتخصيب  وقامت أوروبا بتخصيبها.

وبهذا صارت أوروبا مركز الكون، كل ما يغير حياتنا هو من صنع الغرب.. من الرأسمالية إلى الشيوعية والفاشية والقنبلة الذرية وحقوق الإنسان، سعادة البشر وتعاستهم كلها إنتاج الغرب.

أما أن تولد خارج كنف هذه الحضارة المتفوقة فذلك يعني ظروف استقبال صعبة للتغيير والقبول، فذلك يعني التخلي عن جزء من الكيان، وحتى لو كان الاندماج مع الغرب يثير الحماس فقد كان يتخلله شعور بالمرارة والمذلة وأزمة هوية عميقة تجعلنا كلنا أوروبيين من ناحية  نمط التفكير والعيش.. لذلك هل يستطيع غير الأوروبي التفكير؟ ربما لا.. لأننا  صرنا كلنا أوروبيين.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
أيوب واوجا
طالب مغربي
أيوب واوجا، عمري 22 عاماً، صحفي مغربي مُهتم بالسينما والفنون، ويهوى التصوير والأدب.
تحميل المزيد