كيف تقيم العقلية الإسرائيلية التحوّل العربي الجديد تجاهها؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/12/12 الساعة 13:04 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/12/12 الساعة 13:05 بتوقيت غرينتش
رئيس الوزارء الإسرائيلي ووزير الخارجية المصري

بعد أن دجّن اليهود العرب ووضعوهم في أقفاص، كلٌ حسب وظيفته المحددة، ها هم يلتفتون أخيراً كما يبدو لفلسطين، كنا نظن طوال تلك العقود أن مبلغ نظرهم هو حدود فلسطين السايسبيكية، غير أنها لم تعدُ كونها موطئ قدم لا أكثر، وهم يدركون تماماً اليوم كما نحن، أن هذا الموطئ كان أسوأ اختيار.

كنا نظن أيضاً أن القضية الأولى بالنسبة لدولة الكيان هي أرض فلسطين ومقدساتها والعقل الفلسطيني، وكنا نظن أن مصطلح الصراع العربي – الصهيوني ساحته هناك على أرض فلسطين، حتى تبين لنا أن اليهود كانوا يعملون طويلاً على الوصول إلى مفتاح بوصلة العقول العربية واللعب بها، والتي كانت تعتبرها دولة الكيان قضيتها الأولى منذ إعلانها سنة 48.

لكن بالفعل راهن أيضاً قادة الحرب والسياسة الصهاينة على العقل الفلسطيني طويلاً، منذ سبعين عاماً، جنباً إلى جنب مع رهانهم على باقي العقول العربية، وها هم يُصدمون للتوّ بمواجهة الفلسطينيين الذين وُلدوا في الألفينات على ساحة المعركة وداخل المعتقلات، وعلى الحواجز وخلال المظاهرات ومظاهرات العودة الغزية، ليكتشفوا أنهم خسروا الحرب ضد الذاكرة الفلسطينية، وعاد العرب للتوّ أيضاً من جديد كما كانوا قبل سبعين سنة، كما قال عنهم الصحافي الصهيوني "إيدي كوهين" عادوا ليحاولوا غسل أدمغة الفلسطينيين والعرب من جديد، مع فارق بسيط وهو العلنية المفرطة هذه المرة في الدعوة للحضن اليهودي في دولة الكيان الصهيوني.

مخ الكيان الصهيوني اليهودي اليوم يدرك تماماً فشل تلك العلنية بالتأثير على الذاكرة الفلسطينية، بل والعربية أيضاً، فالحرب التي شُنت طوال السبعين سنة الماضية لم تجدِ أي نفع بالمرة، وما تلك العلنية الغريبة التي نراها اليوم إلا ورقة أخيرة، الظاهر للجميع داخل دولة الكيان وباقي الأنظمة المحيطة أنها محروقة تماماً، إلا إذا حصل الفرد الفلسطيني أضعاف ما كان يحلم به أي زعيم عربي حارب لأجل نظامه وبقاء سلطته، وهذا غير منطقي، بعض القادة اليهود داخل دولة الكيان باتوا يدركون ذلك الآن مثل  وزيرة العدل المتشددة في دولة الاحتلال "إياليت شاكيد" التي اعتبرت بأن الخطة الأميركية للسلام الفلسطيني – الإسرائيلي والتي يطلق عليها "صفقة القرن" هي مضيعة للوقت، وقبلها بأسابيع حين صرح رئيس وزراء دولة الاحتلال "بنيامين نتنياهو" قبل زيارته الأخيرة المقطوعة إلى فرنسا، بأن حكومته تسعى لتعزيز سُبل التهدئة والسلام مع غزة، ما هذا التحول في عقل نتنياهو المتطرف المجرم؟ لقد عارض الشعب اليهودي داخل دولة الكيان الهدنة ووقف إطلاق النار غير المشروط، وأدرك نتنياهو أن التطرف والإجرام الذي لطالما سوَّق القادة الصهاينة في الانتخابات إلى الناخبين، لم يعد هو الحل السحري، فهم يتطلعون اليوم لتسويق أنفسهم كقادة يهود يثق بهم المواطن العربي كشريك لسلام مفترض تماشياً مع سياسة العلنية في العلاقات الرسمية العربية مع دولة الاحتلال، التي يَظهر الآن أنها لم تعد تكفي رغم إقرارها قبل سنوات فقط.

لذلك كانت صدمة اليهود تجاه الرد-الردع الفلسطيني الغزيّ على العملية الاستخباراتية العسكرية الإسرائيلية الأخيرة الفاشلة في غزة لخطف القيادي في حركة الجهاد "نور بركة" كانت صدمة هائلة بعد هذا الشوط الكبير من العلنية الرسمية العربية للتوق للحضن الصهيوني وهم يشاهدون التفاعل العربي العريض الذي طال من المحيط حتى الخليج، كانت صدمة هائلة وقوية الأثر، الأمر الذي دفع وزير الحرب في دولة الاحتلال "أفيغدور ليبرمان" إلى الاستقالة، تلك الاستقالة التي أُشيع أنها كانت عبارة عن دعوة لإجراء انتخابات مبكرة، والحقيقة أنها أزمة تُعبّر عن شرخ كبير وعميق في بناء المجتمع اليهودي داخل دولة الكيان المترنحة بعد سبعين سنة من الاحتلال، كانت تلك التصرفات معبرة جداً وعاطفية تجاه الصدمة من الفشل في تحويل العقل العربي الشعبي عن القضية الأولى إلى جانب الرسمي، رغم مئات آلاف تغريدات الذباب الإلكتروني العربي التي تدفع تجاه قبول دولة الكيان بيننا كعرب، والتي تَبَين أنها لا تعدو كونها ذباباً قذراً قميئاً لا يعيش طويلاً، معروف لدينا وحتى لدى اليهود أنه لا يجتمع إلا على القذارة.

لكن رغم ذلك فَنَفَس اليهود الصهاينة داخل دولة الكيان طويل، وسيظلون يراهنون على العلنية العربية التي يعتقدون بأنها ستزيد من الإحباط بين الشباب العربي وستنخر جسم الكيان الفلسطيني التاريخي، لكن هناك أمثلة شاهدة على الفشل الذي بات يدركه الجميع، الآن يسأل اليهود أنفسهم: من نحن؟ هل نحن نازيّون بعد هذه السبعين سنة وأكثر؟ كما قال الكاتب اليهودي "إسحاق ليئور" في مقال له في صحيفة هآرتس العبرية قبل يومين، حين يتحول نتنياهو إلى حشرة، فإن الشعب الذي يحبه يمر بالتحول نفسه ويصبح حشرات، وحين استيقظ نتنياهو ذات صباح من أحلامه الوردية ليكتشف أنه تحوّل إلى حشرة كبيرة "حشرة إسرائيل" ولم يشأ أن ينهض من فراشه قبل أن ترتاح نفسه ويرى كل مَن حوله وقد تحوَّل إلى حشرات واستفاقوا أخيراً، وفي الليل اتصل رئيس الأركان ببيبي وقال له: أنا مستقيل، يا بيبي، عندما استيقظتُ في الصباح من أحلامي الوردية اكتشفتُ أنني تحولتُ إلى حشرة كبيرة، بيبي هدَّأه وقال له صديقي: هكذا يأتي الخلاص، ورئيس الشاباك أيضاً اتصل وقال إنه يجب أن يستقيل، بيبي سأله: كم رِجْلاً لك؟ في أعقاب ذلك الشعب كله مر بتحول وزحف في أعقاب بيبي رئيس الحكومة، كافْكَا كان مُبالِغاً ليَحِل السلام علينا.  

السؤال الحاضر اليوم أعزائي: هل ينجح العرب في هزيمة الذاكرة الفلسطينية التي فشل بهزيمتها اليهود طوال سبعين سنة، من خلال انفتاحهم ونهمهم نحو إقامة علاقات مع دولة الاحتلال، من خلال الذباب الإلكتروني؟ في الحقيقة الجواب يعلمه كل من ليئور، وشاكيد، ونتنياهو، وليبرمان، وشعبهم الذي قَبِل أن يتحول إلى حشرات، ويعلمه أنتم أعزائي إذا لم تتحولوا إلى حشرات بعد.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
بشار طافش
كاتب أردني
بشار طافش هو كاتب أردني حامل لشهادة البكالوريوس في الاقتصاد، ومؤسس منظمة Warming Observers التي تُعنى بالتوعية بظاهرة الاحتباس الحراري واحترار كوكبنا، وأعمل في مجال الدواء مديراً لأحد مستودعات الأدوية في الأردن.
تحميل المزيد