الكتابة الحرة.. هل نستطيع الهروب من فخ الأدلجة في مجتمعاتنا؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/12/12 الساعة 15:52 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/12/12 الساعة 15:52 بتوقيت غرينتش
Top view shot of woman sitting at table with laptop and coffee writing on notebook. Female making to do list on diary.

إذا ما أردنا الحديث عن طبيعة العلاقة بين الأيديولوجيا والكتابة الحرة، توجب علينا تبسيط وشرح أكثر لهذا المفهوم، خصوصاً أن لفظ الأيديولوجيا عرف انتشاراً داخل وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي عموماً، فغدا من الضروري البحث في كنهه أكثر، ومعرفة وظيفته وانعكاسات دلالاته في واقعنا العربي.

فالأيديولوجيا من أصعب الأسئلة وأخطرها، لكن يمكن أن نقول عنها إنها عبارة عن مجموعة من الأفكار المتسقة داخل مجتمع معين. وإذا أردنا التعبير عن هذا التعريف انطلاقاً من أمثلة عملية عبر التاريخ، فإننا نجد مثلاً -وكما هو بيَّن عند الجميع- الاتجاه الاشتراكي والرأسمالي وكذا الديني الإسلامي. وبغضّ النظر عن محاسن ومساوئ أي اتجاه، فغاية الأيديولوجيا هي أن تقدِّم حلولاً تحاول تطبيقها على أرض الواقع بكل ما أوتيت من قوة، ترى أنَّ في تطبيقها إنقاداً للبشرية.

صحيح أنه ليس بإمكان الإنسان العيش إلا داخل نظام أفكار تُصلِح حياته، لكن عندما تصبح هذه الأيديولوجيا كثيفة جداً، فإنها تحجب عنا الواقع، لأنها تقدم نفسها على أنها وصلت للحقيقة الكاملة. ماركس اعتقد أنه وصل إلى النظرية العلمية فسمى نظريته الجدلية العلمية، الشيخ حسن البنا توصل إلى النظرية التي يقول إنها تمثل الإسلام الصحيح، وفي الحالتين نكون أمام نظام مغلق أمام الحوار، ومن ثم فأتباع هاته الأفكار لا يستطيعون المراجعة أو البحث في هاته المسلمات. وأمام هذه الكثافة والانغلاق يفقد الإنسان البوصلة ورؤية الواقع كما هو، فيكون أمام خيارين: إما أن يجيد استعمال هذا المفهوم ويطبقه بشكل صحيح، وإما أن تُطبَّق عليه لا محالة.

وعلى هذا الأساس، يتبين لنا أن الأيديولوجيا تمارس نوعاً من الخضوع على الشخص المبدع، تجعل منه خاضعاً لا مفكراً حراً، فهل حقاً يمكننا أن نتحدث عن الكتابة الحرة داخل مجتمعاتنا؟

تعد الصحافة هي المصدر الأول للتعبير عن الواقع بمصداقية، فهل أقلامنا الصحافية الناقدة تعبر تعبيراً صريحاً عن حقيقة الواقع؟ ألا تسهم هي الأخرى في ممارسة وظيفة الأيديولوجيا، وهي تزييف وتزيين الحقائق بدل نقلها كما هي، فتكون بذلك الوسيلة الأولى التي يتوجب عليها تقديم الواقع كما هو، لكنها أصبحت تؤدي وظيفتها المعكوسة، ولن يسلم منها إلا ما ندر؟

أما كُتابنا الأجلاء، فبعضهم ذهب إلى ما ذهبت إليه صحافتنا الناقدة، وآخرون انصرفوا عن العالَمين وغادروا بتفكيرهم، الواقع والناس أجمعين، صنعوا لأنفسهم عالماً خاصاً، ابتعدوا بذلك عن كل الأفكار التي يمكن أن تربطهم بالواقع المرير، يمكن أن يكونوا قد حققوا فعلاً وعياً كاملاً بسلطة الأفكار السائدة داخل الواقع، فلم يقوَ أحد منهم على مواجهتها فانصرفوا إلى عوالمهم الفكرية المثالية، يكونون بهذه الطريقة  قد احترموا  وأخلصوا شيئاً ما لمبادئهم الفردية وسلموا كذلك من تبعات الأيديولوجيا القوية.

أما الآخرون، فقد ملؤوا خزانة كتبنا بمواضيع "الزهور والألوان والعصافير تزقزق". ونتساءل في سرنا:  أنحن مصابون بعمى الألوان؟ كل هذا القوس قزح ونحن لا نبصر إلا اللون الرمادي الحالك. دائماً ما آمنّا باليقين القائل إنه بالقراءة وحدها يتشكل وعينا بالعالم وبالواقع، وها هم كُتابنا الأجلاء، اليوم، يضربون بهذا الإيمان عرض الحائط، ويخذلون يقيننا ذاك.

لطالما سمعنا أن الكاتب الفذ يعرف الكتابة بالفن الذي لا يعرف التضييق، لا يعترف بالتحديد والتأطير، ينتصر للمبادئ السامية وللقيم العادلة، فيتسلح بقلمه ضد كل الأفكار المعادية للقيم الإنسانية المنشودة، يكتب ويعبر ويكرر ويصرخ بأعلى صوت لحروفه الحرة، على أمل أن يكون وقعها مؤثراً في الواقع الذي حاول أن ينجو من زيفه، هكذا صفات هي ما سمعنا عن الكاتب الحر، أما وقد أبعدنا كُتابنا الميامين هم الآخرون عن الوعي بالحقائق كما هي  وتركونا نترنح وحدنا في واقعنا هذا الذي لم نعد نعي هل هو رمادي حقاً أم النظارات الملونة التي نضعها هي من جعلت الواقع ورداً جميلاً، فإنا نشهدكم أننا نحن القراء المغلوبين على أمرنا سنشمر عن سواعدنا، فإما أن نصنع للواقع ألواناً أخرى، أو على الأقل سنعمل على أن نزيل تلك النظارات ونرى الواقع كما هو دون حجاب.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
عهود الناصري
أستاذة مادة الفلسفة بالثانوي التأهيلي
تحميل المزيد