في الوقت الذي يبلغ العدوان الخارجي متحالفاً مع العدوان الداخلي على الأمة العربية والشعب العربي مبلغاً غير مسبوق عبر تاريخنا كله.. مبلغاً يدمر وجودنا ذاته، يحتل الأرض.. يقتل ويهجر الشعب.. يدمر مقومات الوطن.. يقسم الأرض قطعاً صغيرة محروقة.. يفرز الشعب مذاهب وطوائف وأقليات متناحرة.. يصنع كانتونات هزيلة انفصالية تشبه الكيان الصهيوني وتتحالف معه.. في وقت يجري تغيير هوية الأمة والأرض والشعب.. في قلب جهود جبارة وإمكانيات هائلة لتغيير حتى بنية الإنسان العربي جملة وتفصيلاً.. ثقافة وتفكيراً وحتى أخلاقاً.. بما يتوافق مع مشروع إلغاء الوجود العربي.
وسط كل هذا ينبري بعض من المثقفين العرب للحديث عما في التاريخ العربي من سلبيات، وعما في التراث من ثغرات محملينها مسؤولية الانهيار الذي نحن فيه..
وبعضهم الآخر لا يجد لنفسه اهتماماً أكبر من الحديث عن عيون المرأة وجمالها أو عن الزواج بغير حب أو عن القبلة إن كانت تفطر أم لا أو حتى عن الجواري وغير ذلك..
إننا نرى أن كل الجهود الوطنية المخلصة يجب أن تتركز على محور واحد.. كيف نحرر بلادنا أرضا وشعباً..
كيف نرد العدوان الداخلي والخارجي على أمتنا..
كيف ندرأ المخاطر عنا.. كيف نوحد صفوفنا
كيف نجد ونعلي شأن ما يجمعنا ويشد عزائمنا ويزيد من إمكانيات وفعاليات مواجهتنا للأخطار كلها..
كيف نحصن إنساننا ونقوي ثقته بنفسه وأمته ومستقبله..
وكل ما يقسم أو يحبط أو يلهي أو يصرف الأنظار عن الخطر الحقيقي الجاثم علينا الآن.. فهو مشبوه لا يخدم إلا أعداء الداخل والخارج..
– الديمقراطية والمثقفون
يتحدث المثقفون كثيراً عن الديمقراطية.. ولم نسمع من أحدهم أية كلمة عما يعنون بالديمقراطية..
لا شيء سوى تمجيد الديمقراطية الغربية واتهام إنساننا بالتخلف والجهل وكل الصفات السيئة..
يشيدون بديمقراطية الغرب، ولا يفسرون لنا كيف أنتجت هذه الديمقراطية الفكر الاستعماري والعنصري والدموي..
كيف أنتجت عدواناً غربياً مستمراً على البشر في كل مكان لنهب خيراتهم ومواردهم..
يهاجمون الإنسان الجزائري مثلاً، ويبدون إعجابهم بديمقراطية فرنسا.. يتناسون مئة وثلاثين سنة من الاستعمار الفرنسي للجزائر، وما خلفته من تشوه في حياة الجزائر وثقافتها.
يفتخرون بديمقراطية أميركا، ويتغافلون عما فعلته في بلاد العالم في كل مكان من جرائم وعدوان وتقتيل وتدمير، وأوضحها مثالاً سورية والعراق..
يفتخرون بديمقراطية الغرب ويتغافلون عما تقوم به من حماية ورعاية لكل الأنظمة الدكتاتورية في العالم، وأوضحها في سورية.. وهكذا..
إن لم توضحوا عن أية ديمقراطية تتحدثون، وما هو معناها ومبناها كما تتناسب مع ظروف بلادنا الحالية، فالكلام ليس إلا سفسطة لا معنى لها..
أما ديمقراطية الانتخابات فلم تعد أكثر من شكل أو ديكور ترسمه أموال وإمكانيات أصحاب السلطة والسلاطين..
– مثقفون بائسون..
وظيفة بعض المثقفين في بلادنا تبرير مشاريع النفوذ الأجنبي، ومحاولة إيجاد خلفيات ودعائم من الواقع والتاريخ والتراث.. بمعنى محاولة إعطائها شرعية المصداقية وبالتالي القبول..
أطلق النفوذ الأجنبي مشروع تقسيم المنطقة العربية.. فراح مثقفون عرب يتحدثون عن غياب البعد الوطني الجامع في مجتمعاتنا منذ القدم.. وإننا لسنا شعباً واحداً ولا مجتمعاً واحداً.
أسسوا داعش وقبلها القاعدة والنصرة، فراح مثقفون يتحدثون عن تاريخنا المليء بالعنف والإجرام والكفر والتكفير بمعنى أن داعش وليد طبيعي لحال مجتمعاتنا وليس صنيعة أجهزة الاستخبارات المشبوهة المعادية.. حتى أن أحدهم راح ينظر لفكرة الدولة المتنقلة التي ابتدعها داعش..
أما العصبية المذهبية التقسيمية، فوجدها بعض المثقفين موروثاً تاريخياً حال دون أي انصهار وطني في أية مرحلة من عمر أمتنا العربية..
وراحوا ينقبون في زوايا التاريخ المنسية وفي كتب الانحطاط المطوية، بل وفي بعض الحوادث السخيفة الهامشية، ليثبتوا أننا لسنا شعباً واحداً ولسنا أمة والتكفير عقيدتنا والتطرف منهجنا.. وكل ما يخططه النفوذ الأجنبي وينفذه النظام العربي وأدواته وأعوانه، ما هو إلا انعكاس لما نحن فيه..
أليس هذا تبريراً وتشريعاً لما يريده أعداؤنا منا وفينا؟!
بربكم من أين نشأت إذن تلك الحضارة العربية التي عاشت قروناً طويلة زاهية؟!
– "مثقفون" ولكن..!
يعتقد بعض أشباه المثقفين أنهم كلما هاجموا أمتنا العربية، وما يتعلق بها من تاريخ وتراث وشخصية ومقومات ولغة وروح ودور وووو.. كبرت مكانتهم الثقافية..
وكلما أقذعوا في الوصف والهجاء أبانوا عن عقل متعمق مثقف..
وكلما تبرؤوا منها كانوا حداثيين متحضرين..
وبمقدار ما يسخرون من انتمائهم العربي، بمقدار ما يبدون مشاركين في صناعة الحضارة العالمية بل يظنون أنفسهم وقد أضحوا شركاء في تقرير مصير العالم..
إن أوصاف بعضهم لشعبنا العربي تثير الغثيان من تفاهتها..
ولعله مما يدمي القلوب أن يجد أحدنا نفسه مضطراً لتأكيد البديهيات البسيطة كالقول إننا أمة عربية وإن تاريخنا مليء بالصفحات الناصعة، وإن شعبنا قد ثار وضحى وقدم ما لم تقدمه أمة من الأمم دفاعاً عن وجودها وحريتها.. وكأن المراد من استجرار عقولنا إلى هذا المنحدر البدائي؛ أن لا ترتقي اهتماماتنا ويعلو تفكيرنا للبحث في كيفية رد أي عدوان على مصيرنا العربي، ولا لمعرفة لماذا فشلنا في التحرر والوحدة رغم تضحياتنا العظيمة..
إن النقد واجب ومراجعة الذات ضرورة حياتية لمصلحة التقدم إلى المستقبل.. فإن لم تكن المراجعة من أرضية الالتزام بالانتماء العربي وما يستدعيه من عمل وطني لرد كل عدوان داخلي أو خارجي، فآنها تخرج عن كونها عملاً إيجابياً مفيداً؛ لتكون تهديماً لما هو إيجابي قائم، وتخريباً لصفوف المناضلين وبعثرة لجهود المؤمنين العاملين في ميادين الكفاح الوطني والقومي..
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.