لم يبدأ مع أردوغان والأمير تميم.. كيف بدأ التحالف بين قطر وتركيا في العهد العثماني؟

عدد القراءات
2,541
عربي بوست
تم النشر: 2018/12/11 الساعة 13:30 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/12/11 الساعة 15:48 بتوقيت غرينتش
الشيخ القطري الشيخ جاسم آل ثاني والسلطان العثماني عبدالعزيز الأول - ويكيبيديا

في الخامس من يونيو/حزيران 2017، استيقظ الشعب القطري على أخبارٍ تفيد بفرض حصار جوي وبري وبحري على بلدهم من جانب السعودية والإمارات ومصر والبحرين وحلفائهم. أصابهم الذهول، وشعروا بأنهم تعرضوا للخيانة من جيرانهم. ستكشف تلك الأزمة التحالفات الحقيقية وتعززها، لا سيّما التحالف بين قطر وتركيا .

يشير التاريخ إلى أن أول تواصل سياسي بين الأتراك والقطريين كان في عام 1871، عندما دخل العثمانيون قطر بدعوة من الشيخ جاسم بن محمد آل ثاني. نتج عن ذلك انضمام محافظة/ ولاية جديدة إلى الإمبراطورية العثمانية؛ في تحالفٍ بين عائلة آل ثاني -العائلة الحاكمة في الدوحة- والسلطان العثماني عبد العزيز في اسطنبول. شهد ذلك التحالف أزمته الخاصة، ومثل العديد من القصص الأخرى عن الاستعمار البريطاني، انتهى بالرضوخ إلى المخططات الإمبريالية.

أسفر سقوط العثمانيين الذي تلى ذلك، ونشأة الدول القومية الحديثة، إلى تغيير نسق وسياسات العالم الإسلامي بأكمله جذرياً. ثم جرت محاولة حقيقية لإعادة تقييم طبيعة الحدود الاستعمارية المصطنعة المفروضة على المحافظات السابقة للإمبراطورية العثمانية (تركيا). وفي الوقت نفسه، يثمر التعاون الملموس لإعادة إنشاء وتصور نظام إقليمي مستقل خالٍ من أي هيمنة استعمارية جديدة، عن نفوذ جيوسياسي وليد. ترددت هذه الرؤية في الشوارع عندما كان الملايين يجوبون الشوارع خلال ما عُرف باسم الربيع العربي.

يمكننا القول بأن الشرق الأوسط اليوم ليس ساحة معركة دينية بين السنة والشيعة، كما يزعم بعض الطائفيين، وإنما هناك معركة سياسية قائمة بين مجموعتين من أجل فرض السيطرة: المجموعة الرباعية العربية المكونة من السعودية والإمارات ومصر والبحرين (وحلفائهم)، والمحور التركي-القطري. وهو تعميم ضروري لمعركة النفوذ في المنطقة، وهناك الكثير مما يمكن قوله عن الدور الذي تلعبه إيران والأطراف الفاعلة التابعة لها من غير الدول. إلا أن هذين التحالفين يمثلان رؤيتين مختلفتين تماماً لمستقبل الشرق الأوسط.

سعى الربيع العربي إلى ترسيخ الديمقراطية في منطقة مليئة بالحكام المستبدين، وقد وقفت تركيا وقطر إلى جانب طموحات الشعوب أثناء ذلك. بينما على الجانب الآخر، آمنت حكومات المجموعة الرباعية العربية بأن تلك الثورات تشكل تهديداً لعروشها ومن ثم ساندت ثورات مضادة تقاوم التغيير المحتمل للأنظمة. في مصر، أدى ذلك إلى انقلابٍ عسكري على الحكومة المُنتخبة ديمقراطياً، ومذبحة طالت الآلاف من مؤيدي الديمقراطية في ميدان رابعة العدوية. أما ثورة السعودية المضادة فقد تبدّت في حربها في اليمن، والتي أسفرت عن ما وصفته الأمم المتحدة بالكارثة الإنسانية الأسوأ في عام 2018. بينما تزايد العنف الوقح لحاكم المملكة الفعلي، ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، نتيجة للتخاذل الدولي عن التحرك ذي الأعمال الوحشية التي ترتكبها قواته في اليمن. إذ قام باعتقال شخصيات بارزة من نشطاء حقوق الإنسان، وممثلات عن حركة حقوق المرأة، واحتجاز أفراد من العائلة المالكة وإجبارهم على صفقات مالية من أجل نيل حريتهم، كما اعتقل رجال الدين المرموقين الحكماء بمعزلٍ عن العالم، ثم قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي -الداعي للديمقراطية والإصلاح- داخل القنصلية السعودية في اسطنبول.

في هذه الأثناء، قامت الإمارات بالتدبير للانقلاب العسكري الفاشل في تركيا عام 2016 وتمويله، وبالتدبير للانقلاب الناجح في مصر، إضافة إلى محاولة فاشلة أخرى للإطاحة بحكومة تونس. كما شهدت الآونة الأخيرة عدة مشاريع اقتصادية شريرة في الصومال، لا تهدف إلا إلى ردع العدو وليس تطوير الاقتصاد الصومالي. عرقلت المجموعة الرباعية العربية عملية إرساء الديمقراطية مراراً وتكراراً، وسالت دماء كثيرة نتيجة لتدخلها غير المرغوب.

ببساطة، فإن المعركة الدائرة بين المجموعتين هي معركة بين المؤمنين بالتقاء الديمقراطية والإسلام في أيدي الشعب، وبين من يعارضون الديمقراطية في العالم العربي بأي ثمن خشية خسارة نفوذهم. وليست مصادفةً أن المعارضين السياسيين وعلماء الدين القادمين من الدول التي تعارض الثورات، وجدوا ملجأ لهم في قطر وتركيا، بما فيهم الشيخين يوسف القرضاوي وعمر عبد الكافي اللذين يعيشان في الدوحة، إلى جانب عدد من العلماء من جامعة الأزهر الشهيرة في القاهرة، الذين يقيمون حالياً في اسطنبول. فضلاً عن ذلك، دافع المحور التركي القطري –علناً- عن حركات المقاومة الفلسطينية، بل سمح بلجوء مسؤولي حماس إلى عواصمهما. وسرعان ما تحولت الحرب الأيديولوجية بين التحالفين إلى صراع بالوكالة من أجل السيطرة على المستقبل.

كما لوحظ خلال العقد الماضي، كانت الانتخابات الحرة في العالم الإسلامي –في أغلبه- تجلب عادة إلى السلطة موظفين عموميين يلتزمون بقيم الشرق وديمقراطية الغرب على السواء. وقد دعم التحالف التركي القطري تلك الجهود من قبل ولا يزال، وهو ما يزعج المجموعة الرباعية العربية، التي كان من بين ردود فعلها، فرض الحصار على قطر ومحاولة إيقاع انقلاب عسكري في تركيا. وهو ما زاد من تماسك التحالف التركي القطري وجعله أكثر صلابة. إذ كانت السلع التركية هي ما ملأت رفوف المتاجر القطرية عندما أخلاها الحصار الذي فرضه جيرانها. ومن المعقول أن نفترض كذلك بأنه كان من الممكن أن يكون الجيش التركي واقفاً في المقدمة لحماية قطر من أي تدخل عسكري ماكر في الليلة التي سبقت الحصار.

من المهم التفرقة بين ملكيات شبه الجزيرة العربية، أي بين السعودية والإمارات والبحرين من جهة، وهي الدول التي حاربت الأحلام السياسية لشعوب المنطقة، وبين قطر على الجهة الأخرى، التي دافعت عن تحقيق الديمقراطية مع شريكها التركي. قد لا يبدو هذا بديهياً؛ تنظر قطر لنفسها باعتبارها ميسر، متحمس، يسعي للعب دور مبادر في منطقة تعلي من شأن التقاليد. ينتقد الكثيرون عائلة آل ثاني الحاكمة، لما يرونه نفاقاً من جانبها

من المهم التفرقة بين ملكيات شبه الجزيرة العربية، أي بين السعودية والإمارات والبحرين من جهة، وهي الدول التي حاربت الأحلام السياسية لشعوب المنطقة، وبين قطر على الجهة الأخرى، التي دافعت عن تحقيق الديمقراطية مع شريكها التركي. قد لا يبدو هذا بديهياً؛ إلا أن قطر تنظر لنفسها باعتبارها ميسر متحمس، يسعي للعب دور فاعل في منطقة تُعلي من شأن التقاليد. ينتقد الكثيرون عائلة آل ثاني الحاكمة، لما يرونه نفاقاً من جانبها، لكن يبدو بأن حكام قطر قد قبلوا بأن الديمقراطية ستحل ببلادهم في وقت ما. لو لم يقبلوا بذلك، لكنا قد رأينا دولة قطرية خانعة، تفتقر لسياسة خارجية مستقلة، بعبارة أخرى، لم نكن لنرى فارقاً بين قطر، والبحرين مثلاً.

في الوقت الراهن، تمتد أواصر العلاقات بين تركيا وقطر على الصعيد العسكري والفكري والأيديولوجي. أسفرت اتفاقية الدفاع المشتركة بينهما عام 2014 عن إنشاء تركيا لأولى قواعدها العسكرية الجديدة في الشرق الأوسط، وهي قاعدة طارق بن زياد، جنوب الدوحة، التي يمكنها استيعاب 5000 جندي. يأتي هذا رمزاً وتذكرة بالماضي العثماني من نواحٍ عدة، بالنظر إلى كونها القاعدة التركية الأولى من نوعها في شبه الجزيرة العربية في تاريخ الجمهورية ما بعد العثمانية بعد 1923. علاوة على ذلك، أصبح من المعتاد مشاركة كل من القوات التركية والقطرية في مناورات عسكرية مشتركة.

كما أن اللجنة الاستراتيجية القطرية التركية العليا المشرفة على التعاون بين البلدين فريدة من نوعها، لا على صعيد المنطقة فحسب، بل على الصعيد العالمي. كما تمتلك العديد من المشروعات الفكرية غير الحكومية مثل التعاون الجامعي في مراكز الأبحاث ومنظمات المجتمع المدني فروع مشتركة أو برامج للتبادل في الدوحة واسطنبول.

مؤخراً، بدا التعاون بين وسائل إعلام البلدين لتغطية مقتل جمال خاشقجي الوحشي مثالاً عملياً على القوة الناعمة الناجحة للبلدين. فبالرغم من مرور شهرين على مقتله، ما يزال الضغط الدولي على محمد بن سلمان قائماً.

يلعب المحور التركي القطري دوراً رائداً في المنطقة، ومن المرجح أن يشهد مستقبل المنطقة فوزاً لأحد الأطراف، فوزاً لا يتمثل بالضرورة في بسط بعض الدول أجنحتها على مساحات أكبر، بل في أي أيديولوجيات ستنجح في الانتشار في أرجاء هذه المنطقة ذات الأغلبية المسلمة. وبينما تشهد اللحظة الراهنة وقوف البعض في وجه تطلعات الشعوب وأمانيهم، فإنها تشهد كذلك دعم البعض الآخر لهذه التطلعات وتشجيعها والإعانة عليها.

– هذا المقال كُتب بالمشاركة مع ناظموس ساكيب، مرشح للدكتوراه في قسم العلوم السياسية بجامعة تكساس التقنية

– هذا الموضوع مترجم عن موقع Middle East Monitor.       

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
عبد الرحمن عمور
طالب دكتوراه في قسم العلوم السياسية بجامعة تكساس
تحميل المزيد