في لقاء أحمد مكي مع منى الشاذلي المذيعة المصرية، سُئل مكي عن أكثر الشخصيات التي أثرت فيه، فكانت إجابته صادمة لي، لم أتوقعها، لقد قال إن الإمام الشافعي كان ولا زال ملهماً له في حياته؛ لأنه -أي الإمام- في تصوّره تتطرق إلى قضايا لم يتطرق إليها غيره..
بل قال إن فكرة فيلمه الأخير مقتبسة من أبيات شعر للإمام الشافعي قال فيها:
ومن يذق الدنيا فإني طَعمْتُها وسيق إلينا عَذْبُها وعذابها
فلم أرها إلا غُروراً وباطلاً كما لاح في ظهر الفلاة سَرابُها
وما هي إلا جِيفةٌ مستحيلةٌ عليها كلابٌ هَمُّهن اجتِذابها
فإن تجتنبها كنت سِلماً لأهلها وإن تجتذبها نازعتك كلابها
فطوبى لنفسٍ أُودعت قعر دارها مُغَلَّقَةَ الأبوابِ مُرخًى حجابها
لا أذكر أني رأيت أعمالاً فنية لأحمد مكي، اللهم إلا مشاهد عابرة في أوقات متباعدة، لكني أجزم أن هذا اللقاء الذي ظهر فيه مؤخراً من اللقاءات التي أضحكتني فرحاً، بقدر ما غرس الرجل من قيم، وحجم ما طرح من علوم ومعارف.. وتمنيت أن لو وجُد على ساحتنا الفنية والإعلامية كثيراً منه!
في تصوري كان هذا اللقاء أبلغ من مئات الخطب الدينية، وعشرات المقالات التوعوية، ذلك أن جلّ ما قيل فيه كان صادقاً، صادراً من رمز يحبه الجميع صغاراً وكباراً، رجالاً ونساءً، موجهاً لقيم الخير والتحدي والإقدام، مستعلياً على اليأس الذي اقترب من النفوس.
تكلم عن مرضه النادر الذي فتك بكبده وطحاله، لدرجة أنه كان ينام معظم اليوم، وفقد من وزنه أكثر من 30 كيلوغراماً، على نحو أوشك أن يفقده الأمل في الحياة وشرح كيف تغلب على مرضه، مستعيناً بالله، وكيف تمكّن من العودة إلى رياضته المفضلة (كمال الأجسام)، ويستعيد وزنه، وعضلاته، ليقدم للشباب المغرم باللعبة نموذجاً يعكس قدرة الشخص على النجاح والصمود، والتغلب على الصعاب.. وهو ما جعل شريحة كبيرة من الشباب تتجه إلى هذه اللعبة ليكونوا على شاكلة نجمهم المحبوب.
لقد أقر الرجل في ثنايا حديثه الصادق بجميل نعم الله عليه، وإدراك أن الخير كامن في الشر، فقد علَّمه مرضه أن القوة والمال والجاه والشهرة لا تنفع صاحبها إذا وقع قدر الله وتحكم قضاؤه، وما الابتلاء الذي أصابه إلا ليستشعر جميل نعم الله عليه، فيغيّر من عادته وسلوكياته، ويعدل من وجهته بعيداً عن الطريق الذي أريد له أن يسير فيه.
تحدث عن التفكك الأسري، على اعتبار أنه نشأ في أسرة مفككة، فالأب في دولة والأم في دولة أخرى، وتبعات ذلك التفكك على نفسية الأطفال، حيث تنشأ صراعات داخلية نتيجة لعدم إدراكه الأهداف الكامنة وراء الصراع بين الوالدين، بطريقة كأحسن ما يكون المتخصصون في الطب النفسي!
من أجمل القيم التي طرحها الرجل فكرة تعزيز نفسية الطفل في حالة انفصال الزوج عن زوجته، فهو كما ذكر منفصل منذ 5 سنوات لكنه حريص على أن ينشأ الطفل بينه وبين أمه، لأنه برأيه لا يمكن أن يحل أحدهما مكان الآخر.
تحدث عن طفولته التي كانت مثالية، ثم تحولت فترة صباه إلى كابوس، حيث لا أب، ولا مال، ما اضطره للعمل دون خجل لينفق على نفسه، على عكس كثير من الشباب درس وتخرّج في الجامعة ولا زال يأخذ مصروفه من أهله!
تحدث عن هواياته الكثيرة المفيدة، من تربية الطيور، وعلاجها، والإخراج، والغناء الهادف، والتمثيل الذي يطرح قيماً جديدة، كما تحدث عن تجربته في الامتناع عن التدخين، وما يضر بصحة الإنسان.
وأقرّ بأن أكبر مشكلة يمكن أن يواجهها الإنسان (أن يألف النعمة) دون حمد الله عليها، ولهذا عندما ابتلاه الله بالمرض النادر كان يرى الثلاجة ممتلئة بالطعام والشراب لكنه غير قادر أن يشرب الشربة، وكان يرى ابنه أمامه فلا يستطيع أن يضمّه إلى صدره خشية أن ينتقل إليه الفيروس، ولديه القوة والعضلات لكنه عاجز عن الحركة، ومن ثم على الإنسان أن يستذكر نعم الله عليه، ولا يغفل.
وأخيراً.. بحكم خبرتي المتواضعة أعتقد أن الشخص القادر على القيام بعدة أدوار في عمل فني واحد، وتبدو كل شخصية بما فيها من حركات وإيماءات وتعابير وجه، وطبقة صوت، متباينة عن الشخصية الأخرى فإن صاحب هذه الشخصية موهوب فنياً لأقصى درجة ممكنة.. ولهذا فمكي هو الأفضل حالياً على الساحة الفنية.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.