من الفحم والتلوث إلى الفن والثقافة.. كيف تحولت منطقة الرور الألمانية؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/12/10 الساعة 13:18 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/12/12 الساعة 10:11 بتوقيت غرينتش
منطقة الرور الألمانية - iStock

يعد حقل الرور واحداً من أكبر حقول الفحم في العالم، حيث ينتج الجزء الأكبر من الفحم في ألمانيا ويشكل إنتاج الصلب والصناعات الكيماوية المتنوعة الصناعات الأساسية الأخرى في المنطقة، أعطى نهر الرور اسمه إلى واحدة من أكبر المناطق الصناعية في العالم  والأكثر كثافة سكانية في ألمانيا، وإحدى شبكات السكك الحديدية الأكثر كثافة في أوروبا.

قبل أن يقوم عصر العولمة بترسيم هوية العالم كان وادي الرور الألماني هو قلب ألمانيا الصناعي، على الرغم من أن الاستيطان في المنطقة يعود إلى فترة العصر الحجري القديم وتعدين الفحم إلى ما قبل العصور الوسطى، إلا أن  أهمية المنطقة الصناعية فى إنتاج الفحم والصلب تعود إلى أوائل القرن التاسع عشر، عندما بدأت شركات الفحم والصلب في المنطقة بالإنتاج.

فقبل عام 1918م، كان الكثير من خام الحديد المستخدم في إنتاج الصلب يأتي من لورين التي كانت تخضع إلى ألمانيا،  قد أدت عودة الألزاس واللورين إلى فرنسا بعد الحرب العالمية الأولى إلى انخفاض كبير في إمدادات ألمانيا من المعدن الخام، وقد تم استيراد معظم المواد المطلوب منذ ذلك الحين، على الرغم من أن التعويضات من الحكومة الألمانية سمحت بتشييد مصانع حديدية وأعمال حديدية جديدة في الرور وتحديث صناعات تفحيم الفحم وصيد الفحم بعد الحرب العالمية الأولى، إلا أن تعافي المنطقة كان يعوقه التعويضات المطلوبة من ألمانيا وكانت العامل الحاسم في التضحم الجامح وانهيار العملة الألمانية.

في يناير 1923م، عبرت القوات الفرنسية والبلجيكية الحدود واحتلت العديد من النقاط في وادي الرور في ألمانيا،  فقد تم تحقيق الاحتلال الكامل لمنطقة الرور وبمجرد عبور القوات الفرنسية والبلجيكية الحدود أغلقوا الإقليم وعزلوه عن بقية ألمانيا.

أقام الفرنسيون منطقة استبعاد وحصروا حركة المرور داخل وخارج منطقة الرور، وبدأوا بمصادرة المواد الخام والسلع المصنعة، التي تم تحميلها على عربات السكك الحديدية ليتم شحنها مرة أخرى إلى فرنسا وبلجيكا واستمر  احتلال الرور لأكثر من عامين ونصف، وكانت تعاني المنطقة من نقص في الموارد الصناعية ولا سيما الفحم، كان هناك الكثير الذي يمكن الحصول عليه من خلال احتلال منطقة الرور التي تأوي ثلاثة أرباع إنتاج ألمانيا من الفولاذ والفحم.

على الرغم من أن دور المنطقة الصناعي ساعد في تعزيز إعادة التسلح الألماني أثناء حكم هتلر، فلعبت موارد المنطقة والصناعات الثقيلة دوراً حيوياً في استعدادات ألمانيا للحرب العالمية الثانية، وبالتالي كان الرور هدفاً أساسياً لقصف الحلفاء، وتم تدمير حوالي 75% من المنطقة أكثر من ثلث مناجم الفحم التي توقفت عن العمل أو تعرضت لأضرار جسيمة.

أدى التصرف في الرور في مرحلة ما بعد الحرب إلى حدوث خلافات كبيرة بين الحلفاء حول ملكية وتشغيل المناجم والمصانع الموجودة فيه، كانت المقترحات الأولية لمنع القوة العسكرية الألمانية في المستقبل واحتواء العدوان الألماني، من خلال تفكيك المعدات الصناعية وتفكيك تركيزات كبيرة من القوة الاقتصادية، التي أثبتت أنها غير واقعية في الوضع السياسي المتغير بعد عام 1947م.

تم استبدال السلطة الدولية للرور التي أنشئت في عام 1949 م، وأصبحت تحت السيادة من قبل جمهورية ألمانيا الاتحادية (ألمانيا الغربية) في عام 1954.

في الوقت الحاضر تعتبر المعدات ومتاجر الآلات القديمة التي كانت في يوم من الأيام جزءاً من الحياة العادية لأحد عمال المناجم والمواطنين بالمنطقة، جزءاً من التراث الثقافي لألمانيا، يسارع المسؤولون إلى الإشارة إلى أن الثقافة في منطقة الرور هي أكثر بكثير من التاريخ الصناعي؛ أكثر من مجرد المداخن والأفران العالية.

فتجد في المنطقة مصنعاً سابقاً للفحم تحول إلى متحف  ينغمس فيه الحنين إلى دور المنطقة في الثورة الصناعية في ألمانيا بل ويروي تاريخه المبكر المنسي، بالإضافة إلى حاضره وتشرح جدرانه دور المنطقة في الصناعات الثقيلة، وكيف عوقبت خلال الحرب العالمية الأولى والثانية، في الماضي وفي الحاضر كانت سبباً في التدهور البيئي من إنتاج غبار الفحم والكبريت وتأثيرهما على حياة العمال.

والآن، فإن منطقة الرور قد أزيحت من أنقاضها الصناعية أساساً اقتصادياً جديداً أكثر استدامة، له علاقة بالفن والمسرح أكثر من الفحم والفولاذ، فكل المدن والبلدات تشترك في أمر واحد وهو النجاح في تحقيق الانتقال من الصناعة إلى الثقافة، كان هذا التغيير في الدور واضحاً وأصبح ودائماً، فهو الواقع الجديد والهوية الجديدة، ففي عام 2010م اختيرت مدينة إسن بحوض الرور العاصمة الثقافة الأوروبية.

قبل أكثر من 100 عام كان التلوث جزءاً طبيعياً من الحياة في وادي الرور، والآن تشرق الشمس في السماء على مدنها باللون الأزرق.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
أمنية طاهر
كاتبة مصرية
تحميل المزيد