هل تتمنى أن تصبح مشهوراً؟
سؤال أو ربما أمنية تنتاب الأغلب في عصرنا الحالي وسط هذه الزحمة التي نعيشها في عالم السوشيال ميديا، بل قد يتعدى ذلك أن تكون أمنية لتتحول إلى هدف يستميت المرء من أجل تحقيقه.
قد يدعي البعض أنهم أصحاب رسالة سامية وقضية عادلة، يريدون أن تصل رسالتهم وقضيتهم إلى أكبر قدر ممكن من الناس، ووسط هذا الشيء السامي يتسلل شيء آخر بخفية ودهاء إلى صاحبه، ويبدأ رحلته معه يداعب روحه ويثلج صدره من أول انجاز يصفق له الجماهير بأيديهم أو بأصابعهم في كبسة الإعجاب على مواقع التواصل، فكلما زادت عدد الإعجابات وزاد متابعوه، زادت نشوة الشهرة وزاد بريقها في عيينه ولكن للأسف تغيب الفكرة وتغيب الرسالة شيئاً فشيئاً ولا يدرك ذلك إلا بعد فوات الأوان.
فقد أصبحت الشهرة اليوم يا أصدقائي غاية بذاتها بل وغاية فريدة يحارب من أجلها ويدخل طالبوها ميادين التنافس والغلبة.
قبل فترة ليست بالطويلة أتحدث مع صديقة لي وتقول أمنيتي أن أصبح مشهورة،
للوهلة الأولى قد لا نستغرب ولا نستهجن بغيتها فالشهرة جميلة وبريقها جميل ولكن، عندما نتوقف قليلاً ونفكر بهذه الأمنية فنقول: يا ترى هل أصبحت الشهرة هدفاً بذاته؟ هل فعلاً تحولنا دونما ندري عن غايتنا المثلى وأصبحنا رهناً لها؟ بمعنى إذا لم نحقق المستوى المطلوب من إعجاب الناس ورضاهم ومدحهم وثنائهم لما ننقل من أفكار ولما نحقق من إنجاز هل نحكم على ما قدمنا وأنجزنا بالموت سلفاً؟ وما مقياس نجاح العمل وفشله؟
ذكر أصحاب الاختصاص أن الإعلام الاجتماعي غيّر طريقة التواصل الجماهيري، فأصبح الفرد قادراً على إيصال رسالته إلى العالم من بيته عبر إنستغرام أو سناب تشات، وجميع شرائح المجتمع وجميع الفئات العمرية أصبحوا مادة سهلة للاستعراض في وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة في أوساط بعض النساء والفتيات لزيادة الشعبية بين المتابعين.
وكلنا يدرك جيداً أن من عوامل شهرة هذه الحسابات كشف الخصوصيات، والاستعراض بالمهارات سواء اللفظية أو الحركية الغريبة، مثل: الرقص، والاستهبال، وتغيير نبرة الصوت.. إلخ.
حتى وصل الحال إلى إغراء بعض الأسر لتشجيع أطفالهم وذويهم لتحقيق الشهرة، وبين هذا وذاك قد تختفي كثير من القيم والمثل العليا في المحتوى وقد يضطر البعض التنازل عن الكثير من المسلمات والمبادئ، وكل ذلك في سبيل تحقيق هدف الشهرة والنجومية.
كم وجب علينا أن ندرك جيداً أننا جميعاً بلا استثناء لربما نقع في هذه المطبات اللامعة والبراقة، كم وجب علينا أن نتدارك ما قد نقع فيه في هذا العالم الأزرق فقد بتنا نقدم محتوى نافعاً وغير نافع، كم حريّ بِنَا أن نتناسى إعجاب المتابعين وثنائهم طالما نحن واثقون بما نقدم وبما نطرح ونكثف جهودنا على توصيل الرسالة.
وكم هو جميل أن ندرك أن عالمنا الافتراضي ما هو إلا وسيلة إعلامية ننقل من خلالها نجاحاتنا وإخفاقاتنا وتجاربنا ليتعلم منها غيرنا ونتبادل أفكارنا وثقافتنا؛ لأنه وللأسف الشديد قد يحقق البعض شهرة براقة شهرة فارغة لا تستند إلى عالم حقيقي بل تستند إلى فقاعات في الهواء لا تلبث إلا أن تختفي سريعاً.
فكما يقول المثل الإنكليزي (الذي يأتي بسهولة يذهب بسهولة)، وأنا أقول الذي يأتي سريعاً يذهب سريعاً بتحقيق شهرة فارغة دون أن تستند إلى واقع معاش فسوف تذهب هذه الشهرة في مهب الريح.
اعلموا جيداً يا أصدقائي أن مخلفات تلك الشهرة الزائفة مخلفات وخيمة على أصحابها، فكم سمعنا عن المشاحنات والنزاعات بين المشاهير، وكم نسمع يومياً بمصطلح جديد ما يسمى الحسد الإلكتروني، وكم خسرنا علاقات صادقة من ويلات تلك الحروب الإلكترونية، وكم ولّدت عداوات حاقدة خاصة عندما تتزاحم المصالح والأهداف الشخصية، فالكل يسعى إلى تسابق محموم وأنانية مفرطة لتحقيق أهدافه وبغيته في لفت الأنظار إليه دوناً عن غيره،
وبين هذا وذاك يتوه وهو متعب الفكر والبال.
حرب إلكترونية ليست مع عدو يناقض فكرتك ومعتقدك بل مع عدو اختلقته أنت بنفسك وأنت تسابق فلاناً كالذي يخشى ألا يلحق بالركب ويفوته القطار تسعى جاهداً تحث السير وأنت تلهث وراء الأضواء البراقة التي سرعان ما تلبث بالانطفاء كما النجوم في السماء الناظر إليها يراها "متلألئة"، لكنها في الحقيقة لا تتلألأ ولكنها تبدو كذلك عند النظر إليها من سطح الأرض بسبب تأثير الغلاف الجوي للأرض، فعند عبور نور النجم من خلال الغلاف الجوي للأرض فإنه يمرّ بمناطق مختلفة في الكثافة ودرجات الحرارة، الأمر الذي يؤدي إلى أرجحة الضوء فتظهر النجوم وكأنها تتراقص.
أقولها وبكل صدق وشفافية: اعمل على تحقيق أهدافك وتوصيل رسالتك فكلما كنت صادقاً في ذلك تأتيك الشهرة طواعية، وكلما أدركنا جميعاً عظم الأمانة التي استخلفنا الله من أجلها في الأرض، حققنا رضا الله عنا ثم رضانا عن أنفسنا.
كن نجماً حقيقياً يُشار إليه بالبنان بما قدم لدينه ومجتمعه، لا أقول لكم دعكم من العالم الافتراضي، لكن كونوا أنتم كما أنتم بلا زيف ولا خداع، قدم محتواك الذي تعيشه بشخصيتك العفوية المرحة، والجادة المتزنة، ولا تنس أنك مستخلف في الأرض معمّر لها، ولا تنسَ أن الله قد وهبك ما لم يهب غيرك، فاستثمر ذلك في حياتك الواقعية واخدم نفسك ومن حولك فلكل مجتهد نصيب، ولا تنظر إلى ما آل إليه هذا الناجح وذاك، وتذكر كم كانت هي بداياته الصعبة، ولا تحكم على نهاياته المميزة، فأنا أؤمن جيداً بأن لكل بدايات محرقة نهايات مشرقة، حينها فقط تشعر بالسعادة والطمأنينة، وتذكر قوله تعالى: (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ).
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.