ليس هناك أطباء في مخيم الركبان ، وهو مخيم عشوائي يقع في منطقة صحراوية حدودية قاحلة بالقرب من الحدود بين سوريا والعراق، لكن اللاجئين يعتبرونني طبيباً لأنني أبذل قصارى جهدي لعلاج حالات المرض المتزايدة بين 45 ألف شخص. في الواقع، أنا ممرض أمضى 15 عاماً من عمره رئيساً لفريق التمريض بالعناية المركزة في مستشفى مدينة تدمر، قبل أن أفرَّ إلى الركبان في جنوب شرقي سوريا منذ ثلاث سنوات.
تساعد زوجتي في حالات الولادة "قابلة"، وإجمالاً هناك ستة ممرضين وممرضات وثلاث قابلات في المخيم، بالإضافة إلى عشرات المتطوعين الذين حصلوا على دورة تدريبية في التمريض لمدة شهر في قاعدة عسكرية أميركية قريبة. نعرف أحياناً كيفية التعامل مع حالة طبية معينة، ولكننا أيضاً نعيش في خوف دائم من ارتكاب أي خطأ.
ظل مخيم الرُّكبان لأكثر من عام تحت حصار نظام الأسد، الذي قطع الإمدادات القليلة المتبقية من الطعام إلى المخيم في الشهر الماضي. على مدى عدة أشهر، كان الوضع الصحي مُروعاً، فقد كنا نفتقر إلى الأدوية الأساسية وغير قادرين على الوصول إلى الأطباء المؤهلين. وإذا أردنا الحصول على الإمدادات الطبية، كان علينا أن نشتريها من خلال السوق السوداء والمهربين، وغالباً ما يكون ذلك بأربعة أضعاف السعر الفعلي. ومنذ اشتداد حصار النظام، في أكتوبر/تشرين الأول، توفي سبعة أشخاص، منهم ثلاثة أطفال وامرأتان ورجلان.
ساد شعور بالغ بالارتياح بين جميع اللاجئين في المخيم، عندما وصلت قافلة مساعدات تابعة للأمم المتحدة في وقت سابق من هذا الشهر. فقد أرجأ النظام وصول القافلة مراراً وتكراراً، وخشينا من أنها لن تصل أبداً، لكنها ساعدت على جلب البهجة والمساعدات الحيوية إلى مجتمع مهمَل فعلياً، من خلال توفير الإمدادات الغذائية ومراكز التطعيم لأطفال المخيم.
لكن على الرغم من أهمية تلك الإمدادات الغذائية، فإنها لن تدوم سوى لمدة 10 إلى 15 يوماً فقط. وعلاوة على ذلك فإن ما يقرب من 3 آلاف طفل ما زالوا بلا تطعيم، نظراً لأن نظام الأسد لن يمد وقت بقاء قافلة الأمم المتحدة في المخيم.
وكما توقعنا، لم توفر القافلة سوى القليل من المعدات الطبية، ولم تُحضر سوى مضادات الالتهابات والفيتامينات للنساء والأطفال فقط. ولم يكن هناك تنسيق أو تشاور مع الطاقم الطبي في المخيم، الذي كان يمكن أن يخبر الأمم المتحدة بما يحتاجون إليه. وفي ظل الأوضاع القائمة حالياً، لا توجد وعود بإرسال قافلة أخرى، وذلك لأن الأمم المتحدة، بكل صراحة، لا تعرف ما إذا كان النظام سيسمح لها بإرسال المزيد من المساعدات.
لقد أعطينا الأمم المتحدة قائمة تضم حوالي 150 شخصاً، يعانون من أمراض خطيرة، ولكنهم لا يعرفون ما إذا كانوا يستطيعون مساعدتهم عن طريق إرسالهم إلى المستشفيات السورية أو الأردنية. عندما وصل الوفد إلى المعسكر، طلبت منهم زيارة أسامة العبدالله، 37 عاماً، الذي كان يحتضر بسبب عدوى أصيب بها أثناء وجوده في الأردن لإجراء عملية جراحية. كان جوابهم أنهم لم يأتوا إلا لتحليل الوضع ودراسته، وأنهم لا يمكنهم تقديم أي شيء له، ثم زاروا أسامة والتقطوا عدة صور، ومات الشاب في نفس الليلة.
لم يتلق مخيم الركبان حتى الآن المساعدات الطبية الكافية منذ تأسيسه في عام 2015، فقد كانت آخر مرة وصلت فيها أي معونات إنسانية إلى المخيم قبل قافلة الأسبوع الماضي بعشرة أشهر. ومن المرجح أن يؤدي انتظار المساعدات إلى وفاة المزيد من سكان الركبان، الذين يعاني الكثير منهم من مشاكل صحية ناجمة عن المجاعة.
لدينا العديد من حالات فقر الدم بسبب نقص الغذاء، وخاصة بين النساء، بالإضافة إلى أن حدوث مضاعفات الحمل أمر شائع أيضاً بسبب سوء التغذية والافتقار إلى المرافق الصحية المناسبة. تقدم زوجتي النصائح للنساء الحوامل وتجري فحوصات التصوير بالموجات فوق الصوتية في المركز الطبي، لكن ليس لديها سوى عدد قليل من الأدوات الجراحية البسيطة المستخدمة في عمليات الولادة الطبيعية. يولد العديد من الأطفال في حالة صحية سيئة ويحتاجون إلى حاضنة، ولكن كما هو الحال مع ندرة الطعام والمعدات الطبية الأخرى في المخيم، لا يوجد حاضنات.
مرت عليّ واحدة من أحلك اللحظات عندما أدركت أنني لا أستطيع مساعدة طفل عمره 10 أشهر يعاني من الإسهال الشديد. لقد كان يعاني منذ أسبوع، لكن والدته المكروبة لم تكن قادرة على تحمل تكاليف الدواء الذي يحتاجه، جلست بجانبهم ولم يسعني سوى الشعور بالعجز والضعف، كنا بحاجة إلى معايرة اختلال توازن بعض الأملاح المتأينة في جسمه باستخدام عقاقير خاصة مثل البوتاسيوم، ولكن من دون أي وسيلة لعلاج طفل هذه المرأة، كان كل ما استطعت فعله هو أن أشاركها الدموع، وبعد مرور نصف ساعة وافته المنية.
عندما يموت طفل هنا، أشعر وكأنني أب يفقد طفله أمام عينيه، غير قادر على إنقاذه. أما بالنسبة للآباء الفعليين لهؤلاء الأطفال فهذا الألم يكون أكثر حدة.
ضربت سوريا عواصف شديدة في الوقت الحالي، مما جعل الوضع هنا أسوأ مما هو عليه بالفعل. فقد دُمرت المنازل الطينية المغطاة بالأقمشة المشمعة والمنسوجات، ومع اقتراب فصل الشتاء سيتدهور الوضع أكثر.
لقد سمعنا أن روسيا والأردن تسعيان إلى إغلاق مخيم الرُّكبان، إذ يريدون منا العودة إلى ديارنا، لكن ذلك يعني العودة إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام، حيث يمكن أن نكون عرضة للاعتقال والاختفاء القسري من قبل قوات النظام.
لقد قلناها من قبل، وسنقولها مرة أخرى، إننا نرفض أي تسوية أو عودة إلى المناطق الخاضعة لسيطرة النظام إلا وفقاً للشروط التالية: سنعود إذا كان هناك حل سياسي في سوريا يضمن لنا أن نحيا في سلام، أو إذا تم عقد اتفاق العودة من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، أو إذا كنا سنحظى بحماية قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.
سكان مخيم الركبان مدنيون، ونحن ندعو المجتمع الدولي إلى حمايتنا، لا تخاطروا بحياة أكثر من 45 ألف شخص، 70% منهم من النساء والأطفال، بإجبارنا على العودة إلى ديارنا دون ضمان سلامتنا.
-هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Independent البريطانية.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.