ماذا يحدث في الوطن العربي؟

تم النشر: 2018/12/08 الساعة 13:02 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/12/08 الساعة 13:02 بتوقيت غرينتش
إحدى شوارع الدول العربية - iStock

قرأت قبل فترة مقالاً بعنوان "الشرق أوسطيون المجانين الفقراء" للكاتب الصحافي الأميركي توماس فريدمان، يتحدث فيه عن إعجابه بفيلم  Crazy Rich Asians أو "الآسيويون المجانين الأغنياء"، فيقول: "لقد أصبحت آسيا الغنية، غنيةً جداً، ليس لأنَّها ليس لديها اختلافات سياسية وقبلية وعرقية ودينية مثل المناطق الأخرى، وإنَّما لأنها تعلمت أكثر فأكثر تنحية هذه الاختلافات جانباً والتركيز على بناء الأساسات الحقيقية للثروة المستدامة، وقد جعلني هذا الأمر أفكر: لو أنَّ شخصاً أراد أن يقوم بفيلم مشابه عن الشرق الأوسط ، فسوف يكون اسمه "الشرق أوسطيون المجانين الفقراء"؛ لأنَّه، مع بعض الاستثناءات القليلة، لم تكن هذه المنطقة في فوضى أكثر مما عليه الآن، وأصبح بها المزيد من الناس الذين يتقاتلون حول من يملك أية شجرة زيتون، والمزيد من المدن التي تحولت إلى ركام على يد طوائف متنافسة وضاعت إمكاناتها".

ما سبق مؤلمُ جداً، أن يتعاون أُناس يفتقدون لأدنى مقومات الشراكة في اللغة أو التاريخ أو الدين أو الثقافة، ومؤلمُ جداً، أن يتعارك من يُفترض فيهم أنهم أخوة حسب تعاليم الرب الذي يوحدونه ويعبدونه ويرجون رضاه.

ومما ذكره في مقاله وجعلني أتوقف ملياً عند هذه المنطقة من العالم "الشرق الأوسط" التي كان ينبغي لها أن تكون غنيةً بشكلٍ طبيعي، جعلت نفسها فقيرةً من خلال ترك الماضي يدفن المستقبل بشكلٍ متكرر، بينما المنطقة الفقيرة بشكلٍ طبيعي جعلت نفسها غنيةً بالسماح للمستقبل بدفن الماضي.

ما قاله فريدمان ليس اختراعاً أو افتراءً، بل إنه قد أصاب كبد الحقيقة، فمن يتأمل في وضع الوطن العربي لا بد أن يستغرب ويتساءل: هل هذا الوطن الذي قرأنا عنه في المدارس؟ وهل هذا الوطن الذي تغنى به الشعراء؟ وهل العرب لازالوا أمة واحدة ذات رسالة خالدة؟ وهل حقاً بلاد العرب أوطاني؟ وأن كل العرب إخواني؟ أم هذه كانت أضغاث أحلام؟   

لا أخال أحداً في الوطن العربي يعجبه ما وصل له حال الأمة العربية والإسلامية، ولا أخال أنه لا يسأل: ماذا يحدث في الوطن العربي؟

حالة عدم الإعجاب هي حالة منطقية، وربما كانت ضرورية، فهي تدلّ على شعور المواطن العربي بالظلم والقهر والحيرة والدهشة التي يعيشها في بلاده.

إن سؤال: ماذا يحدث في الوطن العربي؟ سؤال منطقي ومشروع؛ لأن حالة فقدان البوصلة أثرت على المواطن العربي من كل النواحي، حتى وصل الأمر إلى اختراع مقولة قرأتها ذات يوم، وهي تصف واقعنا بشكلٍ دقيقٍ جداً "قديماً كنا نبحث عمن يفسر لنا الأحلام، والآن أصبحنا نبحث عن من يفسر لنا الواقع".  

الإجابة عن سؤال ماذا يحدث في الوطن العربي؟ لا تحتاج إلى كثير جهد وعناء في البحث، يكفي أن تفرغ نفسك لفترة يوماً كاملاً وتتابع نشرات الأخبار فسترى العجب العجاب، ترى الدعاة في السجون والبغاة يتجولون، ترى الساقطات قد رُفعن للصدارة والطاهرات العفيفات يلاحقن في كل شيء، ترى الأخ يكيد لأخيه ويستدعي عدواً خارجياً لقتله، ويهرول نحو عدو لنيل رضاه، ويبذر أمواله فيما لا فائدة فيه، يمنح امرأة أموالاً كثيرة؛ لأنها جميلة، ويشتري لوحة ويختاً بحرياً بمبالغ خيالية رغم أن بطون الفقراء خاوية على عروشها، وسترى أن القوي الجاهل يكدس السلاح وبكثرة ليس لقتال العدو الإساسي "دولة الاحتلال"  بل لقتل من يفكر في قتالها، ترى المساجد تحتاج لألف إذن كي تُرمم، بينما المعابد يُرصد لها ملايين الدولارات كي تشيد بحجة حرية الأديان، ترى أهل الفتنة تُفتح لهم الفضائيات بينما أهل العلم يُلاحقون.

وربما من أصدق الإجابات المقنعة عن سؤال ماذا يحدث في الوطن العربي؟ هي قصيدة رائعة بعنوان "تحت السيطرة" كتبها الأديب الرائع الشاعر العربي مازن الشريف، وغناها الفنان العربي لطفي بوشناق، والفنان العربي عبدالله مريش، ولا أخال أحداً في الوطن العربي سمع القصيدة ولم تبكيه، فهي تشرح ما يعانيه  المواطن والوطن العربي من دمار وخراب ممتد من محيط القهر إلى خليج الذل، وتتحدث عن دور رجال الدين والإعلام والسياسة الذين باعوا ضمائرهم للغرب وساهموا في تخريب الوطن العربي من أجل امتيازات زائلة، والقصيدة عبارة عن حوار بين ابن وأبيه، والتي منها :

 

يـَا أَبِـي حـزْنٌ بـبـَوحِ الحُـنْجُـرَةْ وَجَـعٌ بـِهَذَا الـصَّدْرِ يُغـْمِدُ خـِنْجَرَهْ

هِيَ حـيـرَةٌ مِـثـــْـلَ الـهَـزِيـمَةِ مُـرّةٌ مـا لِلْعُرُوبَـةِ كَـالحُطـامِ مُـبَـعـْثَــرَةْ

أَنَّى نَـظَرْتُ رَأَيتُ مَـوتا صَـارِخًا لـكَأنَّمَا وَطـنُ الـعُرُوبــَـةِ مَـقـبـرَةْ

فـي كُــلِّ شِــبـر من ثَـرانـا لَـوعَةٌ في كُــلِّ رُكنٍ مِـن مَدانَا مجزرةْ

 

على أي حال فالواجب معرفته أن ما يحدث الآن هو ليس صدفة، وليس وليد اللحظة، بل هو مخططٌ قديمٌ جديدٌ مُحاك بحكمةٍ وحنكةٍ كي يتم تفتيت الأمة العربية؛ لأن العدو يعرف أن قوة العرب تعني تغييراً كبيراً في خريطة العالم على كل المستويات، ولا أدل على ذلك من كتابات كثيرة لمفكرين وساسة من خلف البحار يؤكدون رغبتهم في رؤية العالم العربي "جسداً بلا حراك " ضمن رؤية كبيرة اسمها "الفوضى الخلاقة".

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
مصطفى أبو السعود
كاتب وباحث فلسطيني
تحميل المزيد