الصراع الذي لا تعرفه.. لماذا تحاول روسيا الاستيلاء على شرقي أوكرانيا وضمها إلى أراضيها؟

عدد القراءات
6,442
عربي بوست
تم النشر: 2018/12/01 الساعة 10:13 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/12/01 الساعة 10:13 بتوقيت غرينتش
قوات عسكرية في شرق أوكرانيا - AFP

رَمت عاصفة البرد بورقة ذابلة من شجرة منحنية في الأفق، بوجه مقاتل ذي ملامح باردة، يقف متكئاً بخندق حربي في مدينة أرتيومافسك الشرق أوكرانية، الشهيرة بصناعة النبيذ، فيما كان يعبث المقاتل بهاتفه الخلوي وتهَللت أساريره فجأة، فضمّ راحته اليسرى في شكل قبضة ونفخ بشفتيه كي يشعر بدفء مؤقت، ومن ثَم فتح زجاجة فودكا صغيرة مرتشفاً القليل، ومن ثم على ملامحه بَدت السعادة.

فالأخبار الآتية عبر الإنترنت تقول إن روسيا احتجزت ثلاث سفن أوكرانية بعد إطلاق نار في البحر الأسود.

هذا المشهد الأخير بين روسيا وأوكرانيا الذي نتج عنه احتجاز روسي للسفن الحربية الأوكرانية في مضيق كيرتش، أعاد للواجهة قضية أغُفِلت من المتابعة النخبوية العربية، حيث إنها تأجَّجت وتمخَّضت واحترقت واشتعلت.. كل هذا في العام 2014.

في ظلِّ ما كان الوطن العربي يرصد تبعات الانقلاب العسكري بمصر، وسقوط الفلوجة، فالموصل، فالرمادي بالعراق تباعاً، ومحافظات الشرق في سوريا في يد تنظيم الدولة الإسلامية. وقضية شبه جزيرة القرم وانضمامها لروسيا بعد استفتاء شعبي، وانفصال أقاليم شرقي أوكرانيا.

ثَورة في الميدان

أصل الحكاية يعود إلى خروج آلاف من مؤيدي التكامل مع الاتحاد الأوروبي في أوكرانيا، بتظاهرات ضد الرئيس فيكتور يانوكوفيتش، التظاهرات التي تمدَّدت في العاصمة كييف، وتطوَّرت إلى مواجهات مسلحة بين أحزاب المعارضة والشرطة وقوات الأمن، وفشل جُل المفاوضات الأوروبية والروسية في تهدئة الأجواء، وبعد توقيع يانوكوفيتش مع زعماء المعارضة اتفاقاً لتسوية الأزمة في فبراير/شباط 2014، غادر البلاد بعد التوقيع بيوم واحد إلى العاصمة الروسية، فصوّت البرلمان الأوكراني على عَزله من منصب الرئاسة.

فاعتبرت موسكو ذلك انقلاباً، وأعلن نواب شرقي أوكرانيا أن ما حدث انقلاب غير دستوري، فيما أعلن المجلس المحلي بشبة جزيرة القرم أنه سيجري استفتاء على انضمام شبه الجزيرة إلى روسيا، وقد نجح الاستفتاء الذي عُقد في مارس/آذار 2014، وانضمت شبه الجزيرة لروسيا.

دُويلات على الخارطة

في أعقاب هذا المشهد المتسارع والمعقَّد، أعلن اليسار في شرقي أوكرانيا كلمته، إقليم دونستيك إقليم مستقل عن الدولة الأوكرانية، فبرزت جمهورية دونستيك الشعبية، ومن خلفها مباشرة إقليم لوهانسك، كي تصبح جمهورية لوهانسك الشعبية هي الأخرى وكلتاهما تواليان روسيا طاعة على المستوى الأمني والسياسي والعسكري والاقتصادي.

ففي الوقت التي كانت فيه رايات تنظيم الدولة الإسلامية تُرفع أعلى المنازل في الموصل بالعراق 2014، كانت رايات اليسار ترفع على منازل دونستيك ولوهانسك، تُنذر بصراع مسلح في الأفق القريب على نفس المقدار من العنف والأممية التي تشهدها دول الشرق الأوسط.

فما الذي حدث في الجمهوريات الشعبوية الجديدة شرقي أوكرانيا؟!

بداية، لماذا دونستيك مهمة لروسيا كي تلقي دعماً كهذا؟!

إن كان الصراع على شرقي أوكرانيا بين روسيا والحكومة الهادفة للتكامل مع أوروبا بأوكرانيا عسكرياً أمنياً في ظاهره، فإن المال والاقتصاد من تحت طلقات الرصاص والسيطرات الأمنية على الأرض له كلمته.

أوكرانيا بانفصال إقليم دونستيك وحده تخسر من دخلها القومي مقدار 23%، فمدينة دونستيك هي المدنية الأم للمال والاقتصاد بعد كييف في أوكرانيا، وبها أكثر من 200 شركة صناعية، فيما يعني على الجانب الآخر انفصال إقليم لوهانسك خسارة أوكرانيا 211 مليون دولار سنوياً في مجال الطاقة فقط، وكل هذه الخسارات تصبُّ في خانة مكاسب الدب الروسي.

فستة عشر منطقة ومدينة صناعية في كل المجالات أرباحها تتجاوز المليارات ستصبّ كلها مباشرة في الخزينة الروسية، في حال إن انفصلت هذه الأقاليم بشكل نهائي وأعلنت باستفتاء انضمامها لروسيا.

الصراع بين الانفصاليين في شرقي أوكرانيا والحكومة المطالبة بالتكامل مع أوروبا في العاصمة كييف خلّف إلى اليوم أكثر من 10 آلاف مدني، في ظل صراع عسكري ما بين حملات لمحاولة تحرير وإعادة هذه الأقاليم للسيطرة الأوكرانية، ومقاومة الجمهوريات الشعبية الوليدة لهذِه الاستعادة.

هل تقبل أن تصبح مواطناً دونستيكياً بجواز سفر دونستيكي؟!

روسيا قبلت واعترفت بجوازات السفر الصادرة من إقليم دونستيك شرقي أوكرانيا، في العام 2017، وبعض وثائق الهوية التي أصدرتها كل من أقاليم جمهورية دونستيك ولوهانسك الشعبيتين؛ دعماً سياسياً لهذه الجمهوريات التي أعلنت استقلالها من طرف واحد باعتراف روسي فقط من بين كل دول العالم.

فهل نرى عمَّا قريب حاملي الجواز الدونستيكي يجولون بينا في المطارات، ويتسرب المقاتلون الأجانب  إلى العالم بهذا الجواز عبر روسيا؟!

هذه حسابات لا تخرج للعلن، لأنها لا تكسوها صبغة إسلامية كي تحوز اهتماماً عالمياً بقرارات صارمة لكنها واردة الحدوث.

الحنين إلى دونستيك يُعيد فعاليات القتال الأممي اليساري شرقي أوكرانيا

في بداية الخطوات التي بدأت بالصراع المسلح ما بين المقاتلين في إقليم دونستيك ولوهانسك، وصل العشرات من مقاتلي اليسار حول العالم، مُرددين نشيد الأممية الشيوعي، للشاعر الفرنسي أوجين بوتييه، خاصةً مقطع "غَدُ الأممية يوحد البشر".

فمئات المقاتلين الألمان توجهوا للانضمام للجماعات المسلحة في الأقاليم المنفصلة شرقي أوكرانيا، للقتال جنباً إلى جنب مع قوات الانفصاليين هناك.

فيما أعاد عشرات من الإسبان رومانسية رواية الكاتب البريطاني جورج أورويل "الحنين إلى كاتالونيا"، التي تحكي عن حقبة الحرب الإسبانية في ثلاثينيات القرن الماضي، في ظل وجود متطوعين يساريين مقاتلين من كل أطياف العالم إلى جانب الانفصاليين الإسبان في هذا الوقت.

فإسبانيا أعلنت في 2015 عن القبض على ثمانية إسبان من أصحاب أفكار اليسار، بعد عودتهم من القتال جانب الانفصاليين في شرقي أوكرانيا.

مجلس الأمن يحاول رأب الصدع من جهة، من تطور الصراع عسكرياً بين روسيا وأوكرانيا بعد حادثة احتجاز السفن الأوكرانية من قبل روسيا، وترامب يرفض لقاء بوتين في قمة العشرين بالأرجنتين بسبب هذه الحادثة.

فهل يشهد العالم اتساع رقعة جمهورية الدب الروسي بضمّ إقليم دونستيك ولوهانسك، فيحدث صراع اقتصادي أكبر عمّا قريب قد تتدخل فيه قوى دولية تكون بها أوروبا في الواجهة، دعماً لأوكرانيا ضد موسكو؟

هذه رقعة من أرض الكوكب تشهد صراعاً أممياً بمقاتلين أُممين دخلوا بطرق غير شرعية وبأخرى شرعية  لمناطق صراع محتدمة شرقي أوكرانيا، تحت مظلة روسية.

الأمر الذي ينبئ عن اتساع قوة الدب الروسي عما قريب، أو في الوقت الذي تقرره موسكو عسكرياً وأمنياً عبر رجالها في دونستيك ولوهانسك.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
أحمد الطوخي
صحفي مصري
صحفي مصري
تحميل المزيد