حتى الشيخ سلمان العودة لم يكتب إلا لزوجته.. قصص ستُغير نظرتك للزواج

عدد القراءات
872
عربي بوست
تم النشر: 2018/11/27 الساعة 10:50 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/06/12 الساعة 11:25 بتوقيت غرينتش
الشيخ سلمان العودة وهو يُرثي زوجته

في غزوة من غزوات النبي صلى الله عليه وسلم، ولما عاد الجيش، جاءت امرأة لتتحسس أخبار ذويها، فأخبرها الناس بأن أخاها قُتل، فبكت واسترجعت، ثم أخبروها بأن أباها قُتل فبكت واسترجعت، ثم أخبروها بأن زوجها قُتل فصاحت وولولت. والنبي صلى الله عليه وسلم يشاهد، وحينها قال: (إن الرجل ليقع من امرأته موقعاً عظيماً).

وقد سمى الله الميثاق الذي بين الزوج والزوجة بالميثاق الغليظ كما جاء في سورة النساء، وهو تأكيد على أن الميثاق بين الزوج والزوجة هو ميثاق كبير، بل هو أكبر مواثيق الدنيا وعهودها.

وقال تعالى في سورة الروم: (ومِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أزواجاً لِتَسْكُنوا إليْها وجَعَلَ بينَكُمْ مَوَدَّةً ورحمةً إنَّ في ذلكَ لآياتٍ لقَوْمٍ يَتَفَكَرُون} (سورة الروم: 21).

وفي هذه الآية أطيب حديث عما بين الزوج وزوجته، حيث السكن والمودة والرحمة.

دائما ما أقول إن العلاقة بين الزوج والزوجة هي العلاقة الوحيدة في الحياة التي تتطابق فيها المصالح بين الطرفين تطابقاً تاماً، فما هو مصلحة للزوج هو مصلحة للزوجة بلا ريب، وما هو مفسدة له هو مفسدة لها، وبالتالي فهذه العلاقة علاقة خاصة جداً، ولها من الخصوصية ما ليس لغيرها.

العلاقة بين الوالد والولد من الممكن أن تختلف فيها المصالح ويحصل التنازع، عندما ينفصل الولد عن والده، ويطمع مثلاً في شيء من والده، فيمتنع الوالد لرؤيته طمع ابنه، أو لمصلحةٍ يراها لبقية أولاده.

وكذلك هي العلاقة بين الإخوة وأبناء العمومة، بل إن الأصل الذي نراه اليوم في العلاقة بين الإخوة وأبناء العمومة هو التنازع على مصالح الدنيا، والحسد والحقد، إلا من رحم الله، وهم قليل نادر.

لا افتراق في المصلحة بين الزوج والزوجة إلا أن يتزوج عليها، وحينها يكون الافتراق في المصلحة، وربما يقع افتراق كامل وقطيعة وطلاق!

عجيبة حقاً هذه العلاقة الزوجية التي يباح بها ما لا يباح بالأبوة والأمومة، وما أعجب أن نرى أن للزوج أن يطلع من امرأته على ما لا يستطيع أبوها ولا أمها أن يطلعا عليه، مع أن المرأة ما هي إلا جزء من أبيها وأمها، وكذلك الرجل من أبيه وأمه.

وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذ عبر عن ذلك في حديثه الذي يقول: (اتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله) رواه مسلم.

يوم أن كانت الحادثة التي تُوفي فيها وَلَدُ الشيخ سلمان العودة وزوجته، خرج الشيخ سلمان علينا صابراً محتسباً، وكتب حينها مقالة في توديع زوجته تفيض رقة وحباً وحناناً وفقداً.

وقد لاحظت أن الشيخ سلمان لم يكتب في ابنه الذي مات مع زوجته في نفس الحادثة، وقلت: إن مردّ هذا إلى أحد أمرين؛ فإما أنه لم يستطع أن يكتب عن ابنه وذلك لأن المصيبة في الولد أكبر بكثير من المصيبة في الزوجة، وإما أنه أراد أن يكتب في زوجته خاصة ليكون كما عودنا إماماً يعلّم الناس حب الزوجة وعظم قدرها، وأما عن قدر الابن فالجميع يعلمه فطرةً وجبلّة.

ردّ عليّ أحد الأصدقاء حينها وقال: بل إن علاقة الرجل بالزوجة أكبر من علاقته بالابن.

فقلت في نفسي: إن هذا الصديق يبالغ في تعبيره، فعلاقة الرجل بالزوجة ليست أكبر من علاقته بابنه، لكنها علاقة كبيرة عظيمة خاصة، بل هي العلاقة الأكثر خصوصية في الحياة.

لي جار طاعن في السن، فقد زوجته منذ أيام، وكان قد فقد ابنه منذ ثلاث سنين، وقد رأيته في جنازتي الاثنين يبكى بكاء شديداً ويودعهما بكلام مؤثر مبكٍ، وما كان حاله عند فراق زوجته الطاعنة في السن بأقل من حاله عند فراق ابنه الشاب الفتيّ.

قلت حينها: إن حب الرجل لابنه أكبر من حبه لزوجته بلا ريب، لكن ارتباط الرجل بزوجته وافتقاده لها لا يقل عن ارتباطه بابنه وافتقاده له، بل ربما يزيد.

فارتباط الحب والعاطفة هو أكبر في الولد من الزوجة، أما ارتباط الحاجة والعون فهو في الزوجة أكبر.

منذ سنين كان في بلدتنا رجل، تُوفيت زوجته، ثم تُوفيت أمه بعدها بساعة، وخرجنا بهما معاً في جنازة واحدة إلى المقابر لدفنهما، ولما وصلنا إلى المقابر كان قبر الأم بعيداً عن قبر الزوجة، فانقسم المشيعون إلى فريقين؛ فريق أخذ جثة الأم إلى قبرها، وفريق أخذ جثة الزوجة إلى قبرها، فما كان من الرجل إلا أن سار وراء جثة زوجته تاركاً جثة أمه، بل وأخذ يبكي ويولول على فراق زوجته، ويصيح وهو الفلاح البسيط: (خُرب بيتي، خُرب بيتي).

استهجنت الموقف ولم أرَ له مبرراً، وكنت حينها في بدايات شبابي، ولكن بعد مضيّ العمر بي ما زلت أستهجن المشهد، لكني أصبحت أرى مبرره.

فدور الأم في حياة الرجل يظل كبيراً إلى أن يكبر الرجل ويشب ويتزوج وينجب، ثم ترث الزوجة هذا الدور، فيصبح احتياج الرجل لزوجته أكبر من احتياجه لأمه، حتى وإن بقي حبه لأمه أكبر من حبه لزوجته.

حب الرجل لأمه أكبر من حبه لزوجته، ويجب أن يكون كذلك، وحب الرجل لابنه أكبر من حبه لزوجته، ويجب أن يكون كذلك، لكن احتياج الرجل لزوجته وكذلك احتياجها له هو احتياج أكبر من أي احتياج آخر، وخصوصاً مع كبر السن ومرور العمر.

الاحتياج بين الزوجين أكبر احتياج، والرفقة بينهما أكبر رفقة، والفقد بينهما أكبر فقد.

وإن أكثر المشاهد التي تؤلمني، أن أرى في بلدتي زوجة كبيرة في السن مات عنها زوجها، فأصبحت في دارها وحيدة، حتى وإن كان لها أولاد، فالأولاد ينشغلون بأزواجهم وأولادهم عنها.

 وكذلك أن أرى رجلاً كبيراً في السن ماتت عنه زوجته، وانشغل عنه أبناؤه كذلك.

ولقد رأيت حزن الرجل على زوجته بعد وفاتها أكثر من حزن أولادها عليها، وكذلك حزن المرأة على زوجها، وخصوصاً إذا كان الأبناء كباراً لهم أزواج وأبناء.

مع تقدم العمر تصبح العلاقة بين الزوجين أوثق، والعِشرة أكبر، والحاجة أشد، والفقد أفجع.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

راجي سلطاني
كاتب مصري
تحميل المزيد