أحكام المواريث وقيم الرجولة

عربي بوست
تم النشر: 2018/11/27 الساعة 12:14 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/12/12 الساعة 10:22 بتوقيت غرينتش
امرأة تركية وأخرى تونسية

فعلتها تونس! كما فعلتها تركيا من قرن مضى!

منذ فترة طويلة ونحن نقرأ عن نية واضحة في تونس لتعديل أحكام المواريث؛ بإقرار المساواة بين النساء والرجال في الميراث، لتتناسب مع التوجه العلماني للدولة التونسية. ومن الواضح أن أغلب نساء ورجال تونس راضون بهذا التعديل، ولم يشكل لهم أزمة، ولكن الأزمة أبت إلا أن تحدث في مكان آخر!

في مصر، صرّح الدكتور الأزهري سعد الدين الهلالي بأن تعديل آيات المواريث لا يناقض الشريعة الإسلامية، وأننا يوماً ما سنسير على درب تونس ونطبقه في مصر، ليسارع الأزهر بإصدار بيان يناقض فيه تصريح الهلالي.

الأهم، كان رد فعل الرجال في مصر، من كل التيارات، تجاه الأمر، وكأن أحكام المواريث هي صلب الإسلام الذي يكادون ينتهكون ثوابته عياناً جهاراً، في كل سلوك، قولاً وفعلاً. أما النساء فقد اختلفت نظرتهن، وانقسمت رؤيتهن حول الموضوع، وقد لمست ذلك بنفسي، وإن لم تصرح سوى قلة قليلة منهن بذلك، تجنباً للتسافه المؤكد الذي يمكن أن يرد به الرجال.

أتذكر يوم عزاء والدي أن عمتي –رحمة الله عليهما- قالت لي: لم يكن هناك أحن منه، لم يزرني يوماً إلا وأخذني في آخر الزيارة إلى جانب، ومد يده، وأعطاني مالاً.

وحتى عهد قريب، كانت هدايا المواسم والأعياد تُعد للأخوات من بيوت الإخوة، محملة بكل ما لذ وطاب من الطيور واللحوم وغوالي أصناف الأطعمة.

لم تكن أي امرأة تستشعر ضيقاً لأن أخاها أخذ ضعف نصيبها في الميراث، ليس فقط لأن الشرع قد قرر ذلك بوضوح، ولكن لأن الرجل بالفعل كان هو من يتولى مسئوليات الإنفاق وحده على بيته، ويبر بأخواته البنات لأعوام طوال حتى مماته. من ثم، كانت أحكام المواريث متناسبة مع قوامة الرجل على المرأة، وداعية لبر وصلة الرحم.

أما الآن، فأسر كثيرة تعيش على إعالة المرأة، وحرفياً يمكننا القول إنه لولا عمل الأم لتضور أبناء تلك الأسر جوعاً، بينما الأب ينفق أمواله على نفسه، ما بين جلسات مقاه، وتعاطي مخدرات، وبعضهم ينفقها على مظهره، قد يعطي القليل لأبنائه، وقد لا يعطي! فإن كان أشباه رجال لا ينفقون على أولادهم، هل يُنتظر منهم أن يبروا بأخواتهم؟!   

حُكي لي عن إخوة ذكور –رغم غِناهم- رفضوا شراء تجهيزات زفاف أختهم الصغرى من مالهم، وقاموا بشراء جزء من نصيبها في الميراث في أرض زراعية كي تشتري ما يلزمها لبيتها، ورضيت صاغرة، لكن لم يفتها أن تسألهم: ولماذا أعطاكم الله إذاً ضعف نصيبي في الميراث إن لم تدفعوا لأمر كهذا؟!

في المقابل، أعرف نموذجاً مخالفاً تماماً لأخ وحيد أشرف على تربية أخواته البنات بعد ممات والده، وزوجهن من ماله، وأعطى كلاً منهن نصيبها في الميراث كاملاً غير منقوص، فهل شعرت إحداهن للحظة أن شرع الله قد ظلمها؟!

أعلم أن المتنطعين ليسوا إلا فئة من رجال المجتمع المصري، ولكن أعدادهم في تزايد، ومسئوليات المرأة عن إعالة نفسها وأولادها تتزايد هي الأخرى، وكان طبيعياً أن تشعر هؤلاء النساء بالغُبن، لأن المقصد الشرعي لتقرير نصيب الرجل المضاعف لنصيب أخته قد انتفى فعلياً على أرض الواقع، بينما بقي الحكم، والرجال يدافعون تحديداً وبشراسة عن بقاء أحكام المواريث لأنها في مصلحتهم، وليس حباً في العمل بالشرع المعطلة أحكامه في مواطن عديدة، دون أن نجد أي مواقف عنترية مماثلة للدفاع عنها.

يمكن القول أيضاً إن دفاع الرجال عن بقاء أحكام المواريث دون مساس، هو جزء من نظرة الرجل المصري الدونية للمرأة، التي تتزايد كلما زادت الحياة في إلقاء ضغوطها عليه؛ فالرجل المصري الذي تشعره كثير من مواقف الحياة غير الكريمة بالإهانة، يرى في نظرته للمرأة ككائن أقل منه في الحقوق، ويشعر أمامه بالقوة والتميز، تنفيساً عن أزمته النفسية الخانقة. إنه دفاع عن النفس، وليس عن الشرع.

قد تكون الأزمة الاقتصادية سبباً رئيسياً من أسباب الإشكالية، وهي التي تقف وراء تغير كثير من مفاهيم الرجولة في المجتمع، ولكن الحقيقة أنها أزمة أخلاق في المرتبة الأولى، وليس كل من يتنطع فقيراً، ولا كل من يجود بغنيٍّ، وليس كل من يسيء إلى المرأة مضغوطاً اجتماعياً، ولا كل من يحسن إليها بمُرفهٍ.

ولأن الله سبحانه وتعالى هو من شرع أحكام المواريث، أرى أن تغيير أحكام المواريث ليس هو الحل، بل الحل أن يعود الرجال رجالاً.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
منى زيتون
باحثة وكاتبة مصرية
تحميل المزيد