أغلب الناس البسطاء والعاديين وحتى التماسيح يتمنون جنسيات كبيرة تحميهم براً وبحراً وجواً، كالأميركية أو الكندية أو الألمانية، لكن كارلوس غصن (مدير تحالف رينو- نيسان- ميتسوبيشي، ومُستشار وزير الوظيفة العمومية) يتمنى أن لو كان مديراً لأحد أخطبوطات المغرب، متمتعاً بجنسية أجمل بلدان العالم.
في مقابل 40 ألف مقاولة مغربية تُعلن عدم تحقيق أرباح سنوية للتهرب من الضرائب، رغم كون "العسعس" وزوار الغسق يرصدون فيلاتها وتحويلاتها نحو ملاذات العالم الآمنة، يواجه كارلوس غصن (64 عاماً)، عقوبة السجن 10 سنوات وغرامة 10 ملايين ين ياباني، أو العقوبتين معاً، ليس لكون من يتقاضى 12 مليون دولار سنوياً مدَّ يده وسرق أو قتل أو اغتصب، بل لأن الرجل لم يكن صريحاً وشفافاً في التصريح بمداخيله. ولأنه، حسب الادعاء العام وحسب تحقيق داخلي في شركة نيسان، استعمل أصول الشركة لمصالحه الخاصة ابتداء من سنة 2010.
شبكة التلفزة اليابانية "إن إتش كيه" لم تستضف خلال اعتقال غصن "الشيخة الشريفة" مدة 30 دقيقة في نشرة رئيسية! القناة اليابانية أدت دور المحقق كونان، وأعدت تقارير قالت فيها إن "نيسان" أنفقت ملايين الدولارات على منازل فارهة في البرازيل ولبنان وفرنسا، التي يحمل غصن جنسيتها أيضاً، دون وجود أي مبرر استثماري لذلك.
مكانة غصن الرفيعة في اليابان وفرنسا وبلده لبنان، لم تشفع في وقوفه أمام العدالة واعتقاله وتمضيته أياماً مِلاحاً داخل زنزانات طوكيو. فالرجل من شدة الشهرة، تم تجسيد زوجته في أحد مسلسلات الكرتون الشهيرة، كما عُرف عنه لقب القاتل المالي لحجم التخفيضات المالية الكبيرة وتسريح آلاف الموظفين، حتى أنقذ التحالف "رينو-نيسان" من الإفلاس.
وفي حين اعتقلت اليابان أحد أكثر الشخصيات التي يرغب المواطنون في رؤيتها تدير بلادهم، حسب استطلاع أُجري سنة 2011، حل فيه غصن بالمركز السابع، والرئيس الأميركي السابق باراك أوباما تاسعاً، فإن المغاربة يُمسون ويُصبحون على وجوه يكرهونها حد العمى تسيّر شؤونهم وتعيد رسم خارطة مخططاتهم، مُخرجةً لسانها في وجه الشعب، عملاً بنظرية فقع مرارة الشعب: في زيته قليه.
شخصيات، رغم تقارير تُدينها بأكل المليارات واحتكار الجو والبحر والأرض، تبقى جاثمة على أنفس شعب 40 مليون (إنسان) وبضعة آلاف مواطن، لهم الكلمة الأولى والأخيرة.
غصن تردد اسمه سابقاً لرئاسة بلده الأم لبنان، لكنه رفض، قائلاً إنه يشغل مناصب كثيرة. داخل رقعة شطرنج بمساحة 700 ألف كيلومتر مربع، ينتقل "مشبوه" من السياسة للأعمال للمال للعُملة، لتسيير شؤون العُمال الفقراء بعد أن جالس الأثرياء في المؤتمرات، يقفز من المعارضة للموالاة، حسب رغبة من صمتوا عن عجينة تسكن بطنه.
عجينة لا تدخل البطون إلا في جُنح ظلام دامس، عكس شفافية كبيرة تعيشها شركات غزت العالم، بالنزاهة والمراجعة المُستمرة للدفاتر والحسابات إلى جانب التقنية والابتكار.
في بلدنا العزيز تبقى الشركات العملاقة صناديق سوداء لا يعلم أحدٌ مالكيها الأقحاح سوى علّام الغيوب، مُلّاك لا يظهرون سوى ساعة الإفلاس يوم لا تنفع معلومة ولا رقم.. ولكم في "سامير العمودي" عِبرة يا أُولي الألباب.
"ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير"، ولو علم غصن، الغيب لزاد للمغاربة ساعتين بدل ساعة… وجلس معهم "يُبدل الساعة بأخرى". لكن قضاء ربك نفذ، ولا رادّ لقضاء الله!
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.