في الوقت الذي كان يتساءل فيه المتابعون العرب عن مصير غوندوز بن أرطغرل بن سليمان شاه، بالمسلسل الشهير "قيامة أرطغرل"، في حلقته الرابعة والعشرين بعد المائة، كان خبر هامشياً -في انتشاره- أرفقته وكالة رويترز الإخبارية على موقعها، مفاده أن قوات عسكرية خليجية وصلت إلى خطوط التماس شرق الفرات، ما بين قوات حماية الشعب الكردية وقوات تنظيم "الدولة الإسلامية".
صحيفة "يني شفق" التركية صَنّفت هذه القوات بأنها قوات سعودية وإماراتية دخلت لمنطقة سيطرة القوات الكردية في خطوط تماسها مع تنظيم "الدولة الإسلامية"، بمناطق دير الزور شرقي سوريا تحت غطاء جوي أميركي، في مَهمة مجهولة الهوية استمرت من السادسة صباحاً حتى الرابعة عصراً.
الإثنين 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، في هذا الصباح كان ولي عهد أبوظبي، الأمير محمد بن زايد، وسط إضاءة حثيثة من شمس الخليج، يستقبل الرئيس الشيشاني رمضان قاديروف، لبحث ما قيل عنه إنه علاقات ثنائية مشتركة بين البلدين، في حين كانت الأروقة الملكية بالسعودية أكثر اشتعالاً، إثر فرض عقوبات ألمانية على 18 سعودياً، قتلوا وقطعوا جثة الصحافي السعودي جمال خاشقجي بقنصلية المملكة في إسطنبول.
إذن، ما الذي أتى بعسكريين سعوديين وآخرين من جيرانهم الإماراتيين إلى قلب الصحراء في شرقي سوريا مع "قوات سوريا الديمقراطية"، المثيرة للجدل في دعمها المادى والعسكري وفي خريطة امتداداتها العسكرية والسياسية التي تُربك دول الجوار؟!
هل يشارك السعوديون والإماراتيون عسكرياً فيما قيل إنها المعركة الأخيرة ضد قوات تنظيم "الدولة الإسلامية" في دير الزور بمنطقة الهجين، التي يُعتقد أنه يتمركز بها عدد من قادة التنظيم، على رأسهم البغدادي نفسه؟!
لكن، ما الذي أتى بمن فشلوا عسكرياً في اليمن إلى هذه المعركة الأخيرة، على حد وصف العسكريين بسوريا، ضد التنظيم في هذا الوقت.
حيث لم تظهر أي قوات عربية منذ أولى المعارك الكبرى التي أخرجت التنظيم من المدينة الأم الرقة، وعاصمته الثانية في العراق الموصل؟!
إنه حِراك قِطع الشطرنج
ربما تُعد سوريا جامعة المتناقضات والمتخالفين والمتناحرين في بوتقة جهنمية حربية واحدة، حيث يعيش العالم قضايا وتأثيرات خارجية، في حين تعيش سوريا بكوكب موازٍ على كل الأصعدة سياسياً وعسكرياً وإنسانياً.
سيناريوهات تفرض نفسها بهذا النطاق لتفسير وجود هذه القوات الخليجية في هذا التوقيت، تُعيد إلى الأذهان ربما ما سُرِّب من خطة أميركية تهدف إلى تقسيم مناطق في سوريا بعينها بإدارة أميركية.
حيث تسيطر على القامشلي والحسكة وامتداد خط الحدود التركي-السوري إلا قليلاً، "قوات سوريا الديمقراطية" المدعومة أميركياً.
وتسيطر على جنوب القامشلي باتجاه العمق الصحراوي الجنوب الشرقي لسوريا مع الحدود العراقية قوات عربية مشتركة، حيث تتحكم في خطوط إنتاج البترول بتلك المنطقة في نطاق جغرافي يضم دير الزور والبوكمال.
ربما المعركة الأخيرة التي تستعد لها "قوات سوريا الديمقراطية"، للهجوم على الهجين والقضاء على ما تبقي من قوات تنظيم الدولة، هي المبرر الأكبر لوجود هذه القوات، كي تمهد لرباط قوات عربية خليجية على وجه الخصوص، بمشاركة ووجود وتمركز أكبر في حال تمكنت "قوات سوريا" من طرد تنظيم الدولة من هذه المنطقة بشكل نهائي، وتتم بذلك الصفقة الأميركية، ليُكتب بذلك عهد جديد لهذه الأراضي من حيث الإدارة والامتداد والنفوذ، والذي سيتعاظم فيه النفوذ القبلي، خاصة لقبائل شمر التي تتمركز في هذا النطاق، وتكون تحت إدارتين عربية خليجية، لديها امتدادات للقبيلة نفسها خليجياً، تفهم أسس التعامل معها ونطاق السيطرة عليها وتحركها، ومن خلف كل ذلك إدارة أميركية، للملمة خراج تِلك الحرب نفطياً.
وهذه الفرضية تؤكدها هذه الزيارة الغامضة لوفد عسكري سعودي في يونيو/حزيران 2018، لمنطقة عين العرب (كوباني)، للقاء وفد من "قوات سوريا الديمقراطية" وقوات أميركية، لدراسة حشد قوات عربية في منطقة شرقي سوريا.
فخرائط القواعد الأميركية الأربع عشرة في سوريا لا توحي فقط بمجابهة الإرهاب، إنما باحتلال بالوكالة، تُديره هذه القواعد، لتنفيذ أجندات عِدة، من دورها إعادة مَركزة التوازنات الإقليمية في المنطقة، على الصعيدين السياسي والعسكري والاقتصادي.
فمنطقة دير الزور والبوكمال التي من المفترض أن تسيطر عليها تلك القوات العربية، تحت إدارة وتحريك أميركي، من دورها أن تقطع الطريق على القوات الإيرانية والميليشيات العراقية من وصل طريق طهران-لبنان مروراً بسوريا ودمشق.
لكن كل هذه الترتيبات والتكهنات، المعتمدة على قراءات سياسية وعسكرية، قد تُنسف بين عشية وضحاها، حيث لا تعرف سوريا توازنات عسكرية وسياسية ثابتة.
ففي الوقت الذي تدعم فيه أميركا "قوات سوريا الديمقراطية" مادياً وعسكرياً من جهة، أعلنت بداية الشهر الجاري (نوفمبر/تشرين الثاني 2018)، عن مكافآت مالية في حال الإدلاء بمعلومات عن 3 قيادات في حزب العمال الكردستانى؛ الأمر الذي تسبب في انفراجة -ولو يسيرة- بين أنقرة وأميركا بعد شهور من التوتر والعقوبات، هذا في الوقت الذي تجس فيه تركيا نبض أميركا بقصف على "قوات سوريا الديمقراطية" وغيرها من الأحزاب الإرهابية كردياً والمناهضة للدولة التركية في منطقة عين العرب (كوباني)، تمهيداً لاقتحامها وتطهيرها من هذه الوحدات.
كل هذا يضعنا أمام خريطة قد تتغير بين ساعة وأخرى، حيث تنساب الأراضي السورية من يد إلى يد إلى يد، ومن قوة عسكرية إلى أخرى، ومن جماعة فكرية إلى تنظيم.
فالكل في سباق من يُسقط راية من على المدينة التالية في خريطة الصراع على الأراضي السورية.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.