لا يبدو موقف الإدارة الأميركية ورئيسها متقلب المزاج، دونالد ترامب، في أحسن حال؛ فجريمة اغتيال خاشقجي تزامنت مع خسارة حزبه الجمهوري في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، ما دل على عقاب الناخب الأميركي خيارات رئيسه، التي لم تجلب للبلاد حتى الآن سوى مزيد من العزلة والانكفاء والتراجع.
يمنح الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، نفسه مزيداً من الوقت قبل اتخاذ قرار لا تنتظره واشنطن أو الرياض أو أنقرة فقط؛ لما نالته جريمة قتل الصحافي جمال خاشقجي من اهتمام عالمي. وتمتد الخيارات بين تبني أكثرها حزماً، وهو المنسجم مع موقف وكالة الـ "سي آي إيه" والإقرار بمسؤولية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان المباشرة عن مقتل خاشقجي، إلى تبني أقلها وطأة، والقبول بالرواية السعودية الرسمية التي تتحدث عن مسؤولية ضباط ومستشارين لولي العهد عن عملية القتل وتبرئة بن سلمان.
واقع الحال أن خلفية العلاقات الحميمة بين ترامب وصهره غاريد كوشنر من جانب ومحمد بن سلمان من جانب آخر، إضافة إلى طبيعة شخصية ترامب- يفضي بنا إلى عدم توقع خطوته التالية. وتطورات القضية في واشنطن خلال الساعات الأخيرة، تترك الخيارات مفتوحة، على الرغم من استباق الـ "سي آي إيه" وتسريب موقفها إلى كبريات وسائل الإعلام العالمية.
في السياق ذاته، جاء الإعلان عن استقالة كريستين فونتين روز، المكلفة ملف دول الخليج والسعودية في مجلس الأمن القومي، ليشير إلى وجود انقسام داخل إدارة ترامب بشأن الخطوة المقبلة تجاه ولي العهد السعودي. وتشرف كريستين على ملف العلاقات الأميركية-السعودية، وتتبنى موقفاً متشدداً ضد ولي العهد، على خلفية تقديرات الـ "سي آي إيه"، إلا أن خروج رئيسها المباشر جون بولتون، مستشار الأمن القومي، للقول قبل أيام، إن ما لدى واشنطن من دلائل لا يشير إلى علاقة لمحمد بن سلمان بعملية قتل خاشقجي، دفعها إلى تقديمها استقالتها احتجاجاً.
في ظل المعطيات المتقدمة، قد يكون من الصعب أن يتبنى الرئيس ترامب موقف الـ"سي آي إيه"، ويقر بأن ولي العهد مسؤول مباشر عن عملية القتل، وهنا لا يستطيع ترامب أن يطالب بتنحي ولي العهد علناً؛ لما في ذلك من تدخل مباشر في صنع القرار السعودي، خاصة مع وجود الملك السعودي بسدة الحكم. وأقصى ما يمكن أن يطالب به ترامب علناً السماحُ بتحقيق دولي على شاكلة التحقيق في مقتل رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري.
لكن في المقابل، لا يمكن إنكار أن تبني ترامب موقفاً يشابه الموقف الرسمي للرياض والإقرار بأن الجريمة وقعت بعيداً عن ولي العهد، وأن من قام بها هم مسؤولون صغار دون توجيه مباشر من ولي العهد، ويقبل أن تحاكمهم الحكومة السعودية- أمر غير مستبعد عن "طفرات الرجل المستشقر". لكنه سيواجَه حينها بعاصفة معارضة من كبار قادة الكونغرس والإعلام الأميركي، وسيتبنى الكونغرس من جانبه عقوبات مختلفة، من بينها فرض حظر على تصدير السلاح، ومشاريع قرارات في الكونغرس لمحاسبة السعودية، وسيطلب من ترامب فرض عقوبات على ولي العهد.
لا يمكن استبعاد أن يختار ترامب خياراً وسطاً، يقر فيه بمسؤولية مسؤولين سعوديين كبار مقربين من محمد بن سلمان دون الإشارة إليه شخصياً. وسيطلب أن تسمح السعودية بتحقيق دولي، بما أن الجريمة وقعت داخل تركيا.
يحاول الرئيس ترامب إجراء مفاوضات حثيثة الآن، للحفاظ على ماء وجهه وعدم التضحية بحليفه محمد بن سلمان، من خلال صفقة تشمل وقف حرب اليمن، والضغط على الرياض وأبوظبي لتمويل إعادة إعمار اليمن، إضافة إلى إنهاء الحصار على قطر. الشيء الوحيد الذي بات مؤكداً وغير قابل للشك، أن موقف ترامب، بوصفه زعيماً لدولة عظمى، قد أضحى أكثر حرجاً من موقف محمد بن سلمان نفسه، فلا أحد بات يقتنع بأن الأمير "الطموح" ليست له علاقة بالجريمة الشنيعة، سواء من حيث التخطيط أو التنفيذ أو الإيعاز بالتخلص من الجثة، لكن ترمب قد يغامر بمستقبله السياسي له ولصهره، وقد يطيح بحظوظه في إعادة انتخابه مرة ثانية عام 2020، في حال تجرّأ على اتخاذ قرارات قد يستغلها ضده خصومه أياً كانت صفتها ومضمونها، ولذلك فإنه قد يقرر التضحية بحليفه، على أن يطيح بـ "رقبته" ومستقبله السياسي، وربما إمبراطوريته المالية أيضاً.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.