الجدران التي حبسونا وراءها منذ ساعة الولادة الأولى..!

عربي بوست
تم النشر: 2018/11/24 الساعة 13:50 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/12/12 الساعة 10:18 بتوقيت غرينتش
little girl is crying

منذ ساعة الولادة الأولى وحتى لحظات الموت الأخيرة هناك من يبني لنا جدراناً لا ينافس طولها سوى عرضها السميك، جدراناً نصطدم بها صباح مساء، في أيام الطفولة البريئة، أو ليالي الكهولة الثقيلة، نتأقلم مع وجودها فنتجنَّبها ونتجنَّب حتى ما يوجد وراءها!

فاختراق الجدران فعل تستنكره بعض المجتمعات، كمجتمع العيب والحشمة، وكلام الناس، وتقاليد الكبار، كمجتمعات الشرق الحزين، شرق الشرف الذي لا يوجد سوى بين أفخاذ النساء، وتسليم الضعفاء والفقراء لقضائهم وقدرهم، شرق العروبة التي تلاشت عند اكتشاف البترول، شرق الممانعة الذي لا يقتل سوى أبنائه، شرق العنوسة الذي يجلد بناته، شرق الأعراف التي لا تُطبَّق سوى على الضعفاء والنساء.

نصطدم ونحن فتيات في عمر لا نفرق فيه بين الجنسين بجملة "حيت نتي بنت، لعبي بالمونيكات ولبسي لغوز وجمعي لخوك حوايجو". فالخطأ يعتبر فقط خطأً عندما تقترفه بنت، ويعتبر مجرد حركية مفرطة ونشاطاً صبيانياً عند الولد، فيفخر الأب بولده لتعدد المعجبات به، والولهات بعينيه العسلية التي ورثها عن سابع جد، ويمكنه أن يمارس الملاكمة بجميع أوزانها من الفراشة إلى الفيل على ابنته إذا وجد رسالةً لها من معجب!

نصطدم بجدار مدرس لم يتسلم راتبه بعد، ولم يجد ذاته بعد، ولم يتزوج فتاة أحلامه، بل قبل بابنة خاله لتعينه براتب وظيفتها، والتي لا يكنّ لها سوى الاحترام وشعور الأخوة لا غير. فيأتي ليبني لنا جدراناً كثيرة ونحن مراهقون أعيتهم أحلامهم، جدران من "لاطفرتيه هاوجهي، نتا ماشي ديال القراية نت ديال الزنقة، نتي سيري تزوجي وهني راسك راك بدون مستوى" ونصدق نحن، المصيبة أننا نصدق.

جدران العائلة، التي تصنف الأبناء والأحفاد والأقارب وفقاً لمدى تفوقهم دراسياً، أو جمال وجوههم، أو أموال آبائهم، فيبنون لنا جدراناً وأسواراً من الغيرة والحقد لأبناء الخؤولة والعمومة، نكبر مثقلين بكراهية لا نعرف سببها أصلاً، كراهية وغلّ لكل من يمكن أن يتفوق عليك في نهائيات الحفيد المفضل أو الحفيدة الأجمل والقريب الأذكى. يدخلوننا معهم دون إذن في صراعات ليست لنا ولا تعنينا، ونبقى سجناء لها إلى أن يشاء الله.

جدارن زوج يخاف أن تتفوق زوجته عليه، فيستكثر عليها تشجيعها بكلمة واحدة، حتى لا تنسى نفسَها وتنسى دورها الأساسي في الحياة، التي لم تكن لتُخلق لَولاه، للعناية به وبأولاده، فنجد نساء ضحّين بأحلام الدراسات العليا لأن أزواجهن لا يتجاوز مستواهم البكالوريا، خوفاً من إحراج رجولتهم ونيل سخطهم، فتتسرّب كل مخطَّطاتهن وآمالهن أمام جدران يبنيها زواج فاقد للبوصلة، منحرف عن مبدأ التكامل والتراحم والتشجيع، الذي يقوم عليه أساس الزواج.

جدران هنا وهناك، توضع لنا ونضعها نحن أيضاً، نضعها لمن نحب فنُعجزهم بطلباتنا الخيالية، ومطالبنا بمثالية مستحيلة، نضعها لأولادنا، عندما ننفس عن عقدنا الطفولية بجرّهم نحو طريق لا يُشبههم، فتجد أُما فشلت في أن تكون طبيبة كما تحلم، تجعل من حلمها البائد حلماً لابنها، تدفعه نحوه دون معرفة رأيه في الموضوع، وأب يرفض موهبة ابنته الأدبية فيقمعها محاولاً توجيهها نحو تخصصات علمية هي لا تريدها! جدران بعضها فوق بعض، تكاد تكون مدافن جماعية نرقد فيها بكل استسلام.

حَطِّمْ جِدارَك، حَطِّمي كلَّ الأوهام والقواعد التي بُنيت فقط لشلِّ حركتك، حَطِّم كلام الناس عنك، حَطِّم هُبَلَهم الذي صنعوه لك لتعبده، حَطِّمي رواسب ثقافة الكيل بمكيالين التي نشأتِ عليها، فالخطأ خطأ سواء اقترفه ذكر أو أنثى.. حطِّم ما دون الحق، ما دون المنطق، ما دون الصواب، ولا تنتظر من أحد أن يخبرك ماذا تستطيع، عن ماذا تعجز، ولا تتوقع من أحد أن يزيل جداره ليسمح لك بالمرور، حطِّمه ولا تبالي! وإياك أن تنجرف وراءهم لاهثاً ومتوسلاً: "دعوني أمُر".

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
جهاد بريكي
طبيبة مغربية
تحميل المزيد