رحل الصحافي السعودي جمال خاشقجي عن عالمنا، حيث كان ضحية لواحدة من أبشع عمليات الاغتيال التي جرت في تاريخ أجهزة الاستخبارات على يد فريق مكوّن من عناصر أمنية سعودية بعد استدراجه إلى قنصلية بلاده في مدينة إسطنبول بذريعة إنهاء بعض الأوراق المتأخرة، ومن ثم الاعتداء عليه وتجزئة جثمانه والتخلص منه.
الأزمة اليمنية والاقتتال في الداخل اليمني بين قوات هادي المدعومة من التحالف العربي بقيادة السعودية من جهة وجماعة أنصار الله الحوثي من جهة أخرى كان شاغلاً جداً لجمال خاشقجي، فلطالما دعا مسؤولي المملكة والملك سلمان بن عبدالعزيز ووليّ عهده محمد بن سلمان علانية إلى إنهاء التدخل العسكري في الأراضي اليمنية بشكل عاجل، بالرغم من أنه كان مؤيداً له في البدايات، فقد استنزفت السعودية في هذه الحرب ثلث ميزانيتها، التي انخفضت إلى 400 مليار دولار لشراء الأسلحة والمعدات العسكرية، التي من ضمنها أنظمة صواريخ باتريوت الأميركية الصنع التي تبلغ كلفتها نحو 3 ملايين دولار.
بل إنه صرَّح في إحدى المرات، وهو الذي كان حتى فترة قريبة مقرباً من القصر الملكي، بأن الاستمرار في الحرب على اليمن يعني تحول قائد هذه الحرب والمسؤول عنها إلى سفاح، في إشارة إلى حجم الجرائم التي ارتكبت في هذا البلد الفقير.
لكن من الواضح أن آمال جمال -رحمه الله- في إنهاء تلك الحرب التي تسببت في أزمة إنسانية حادة للشعب اليمني نتيجة للعمليات العسكرية التي يجريها التحالف السعودي باتت أقرب إلى أن تصبح حقيقة قريباً جداً، فلم تعد الحرب في اليمن مجهولة أو حجم الكارثة الإنسانية التي يعاني منها الشعب هناك يخفي على أحد، فالاهتمام الإعلامي بتلك الأزمة بعد قضية مقتل جمال خاشقجي جعلها تتصدر نشرات الأخبار ومحادثات المسؤولين والقادة الغرب على عكس التجاهل الإعلامي الواضح قبل عملية الاغتيال.
كذلك كانت المبادرات الدولية التي جرى إطلاقها من قبل بعض بلدان الغرب ضعيفة جداً لا تكاد تلبي واحداً في المئة من آمال الشعب اليمني، كانت جميعها تتركز على تحقيق متطلبات بعض الدول والأطراف المتحاربة، على سبيل المثال مبادرة وزير الخارجية الأميركي جون كيري التي كانت بنودها تنحصر في: حكومة وحدة وطنية، وانسحاب المسلحين من المدن والمؤسسات، وتسليم السلاح الثقيل لطرف ثالث.
أما الآن فالمبادرات والقرارات التي اتخذت من بعض البلدان الأوروبية والمؤسسات الدولية تؤكد أن تغييراً واضحاً كان السبب فيه مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي بات يسيطر على كافة القوى الدولية تجاه الأزمة اليمنية، ولعل أبرز ما يؤكد هذا إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وتأكيده أن قضية مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي يمكن أن تتيح فرصة لإيجاد حل سياسي للحرب في اليمن.
كذلك دعوات وقف بيع الأسلحة التي كانت تطلقها المؤسسات والمنظمات الحقوقية ولم يستجب لها أحد سوى دولة السويد التي أوقفت صفقات السلاح مع السعودية في مارس/آذار 2016، فبعد مقتل خاشقجي أعلن وزير الاقتصاد الألماني بيتر ألتماير عن وقف حكومة بلاده إجازات تصدير السلاح للسعودية، داعياً لموقف أوروبي موحَّد حيال قضية مقتل الصحافي جمال خاشقجي.
كما أن اللهجة الانتقادية لتدخُّل المملكة في اليمن باتت واضحة أو أكثر جدية من قبل فترامب الذي دافع عن صفقة أسلحة مع السعوديّة تبلغ قيمتها 110 مليارات دولار إثر دعوات إعلامية وسياسية غاضبة لمعاقبة السعودية عاد واتهم الأخيرة بسوء استخدام الأسلحة الأميركية في اليمن، ووصف حادث شن التحالف العربي غارة جوية في أغسطس/آب الماضي على حافلة تقلّ أطفالاً في اليمن بـ"المروّع" وأنه لا يريد أن تقع أسلحة بلاده في أيدي أشخاص لا يعرفون كيفية استخدام هذه الأسلحة.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.