قد يتعجب الكثير منا عندما يسمعون ذلك المصطلح العجيب، ألا وهو التصالح مع النفس، فهل أنا وذاتي في حلبة مصارعة حتى أحتاج إلى التصالح معها بعد عراك طويل؟ والحقيقة المُرة أننا بالفعل نحيا هذا الصراع، ولعل مفتاح عدم التصالح مع الذات هو المشاعر السلبية، تلك المشاعر التي تزداد يوماً بعد يوم لتُغرق صاحبها وتتحول إلى هاجس مزعج لا يكاد يفارقه.
فالإنسان كثيراً ما يختلف مع ذاته في شتى المواضيع، فهل معنى هذا أن يظلَّ أسير مشاعره السلبية، وأن يكون في مجتمعه عبارة عن آلة تُحرِّكها تلك المشاعر السلبية، من دون إنجاز أو تحقيق ذلك النجاح، الذي يُشعره بذاته ووجوده في الحياة، تعتبر مسألة تصالح المرء مع ذاته، وتحقيق السلام الداخلي من الأمور التي باتت صعبة إلى حدٍّ ما في عصرنا الحالي؛ إذ إننا أصبحنا نادراً ما نجلس مع ذاتنا من دون أن نفكّر في مسائل العمل، أو في أمورنا العائلية، أو في مستقبلنا والأيام القادمة، ولكن هل تعلم أنّنا لنكون قادرين على مواجهة الحياة بكلّ صعوباتها وتعقيداتها ولحظات التوتر فيها يجب أن نكون متصالحين مع ذواتنا، وواثقين من أنفسنا وقدراتنا؟
انتبه: إن كنت أنت هذا شخص؟
يستيقظ كل يوم ويحمل الكثير من المهام التي لم ينجزها، والتي يجب أن ينجزها، وعلاوة على ذلك قد يستيقظ متأخراً عن ذلك الموعد الذي كان يُرتِّب له من أيام، فيشعر بأنه تائه، وأن حياته تؤول إلى الفشل، ويشعر أنه يسقط وينهار، وكل أحلامه تتحطَّم، وكل علاقته تنهار، يرفض التواصل مع أحد لكي لا يظهر بأنه ضعيف، فهو لا يحب ذلك، يبدأ بالاختلاء بنفسه وتأمل كل الذي سيحدث له إن استمرّ بهذه الطريقه في التعايش.
ويبدأ بالحسابات والإحصائيات، ويجد أنه أصبح بلا قيمة، أصبح غير نافع، يشعر أنه يحتضر، لا يستطيع التفكير في أي شيء، لم يعد يستطيع التخطيط والترتيب لمهام اليوم، لقد استنفد كلَّ طاقته في لوم نفسه، وحساب ما سيحدث في المستقبل، وها هو يقع، لكن ليس بتلك الطريقة، إنما هو الذي قد أوقع بنفسه في تلك الحفرة المظلمة، التي لا يظهر فيها أي منفذ للنور.
ماذا إن قلتُ لك إن هذا ما يحدث مع معظم الشباب في تلك الأيام، ومعك أيضاً عزيزي القارئ، فقد تمر بتلك الفترة، سواء كانت في الوقت الحالي أثناء قراءتك هذا المقال وقد انتابك شعور القشعريرة، أو قد تخطيت تلك المرحلة، ماذا أيضاً لو قلت لك إن هذا الشخص هو شخص ناجح، ويمتلك الطاقة الكافية لإعمار الأرض كلها.
لقد قتل نفسه!
بالفعل هو الذي أفسد حياته لأنه لم يستطع أن يتصالح مع نفسه، ولكي تتصالح مع نفسك ولا تسقط في تلك الحفرة المظلمة، عليك أن تتأمل النعم التي أنعم الله عليك بها، وأول شيء تفعله هو أن تحمد الله على كل النعم، وعلى أنك ما زلت على قيد الحياة، فما دمتَ على قيد الحياة استغلّ كل لحظة، ولا تفكر في الغد، فإنه بيد الله، ولا تفكر في الأمس فإنه مضى، وفكِّر فقط فيما يمكنك فعله اليوم، في حاضرك، لتتقدم ولتطور من نفسك، فكِّر فيما بين يديك فقط، ولا تُشتت نفسك بأي شيء آخر.
تصالَح مع نفسك كل يوم، كل صباح، وأول شيء تفعله عند الاستيقاظ أن تحمد الله وتقول: "الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور".
إليك تلك النصائح الذهبية
1- عليك أن تعرف أنه لا يوجد شخص سيئ مطلقاً، أو جيد مطلقاً، ولكننا جميعاً مزيج بين هذا وذاك، إنّ التسامح هو الحل الأمثل لكل مشاكلنا، التي تواجهنا، سواء مع أنفسنا أو مع الآخرين؛ لأنها تحررنا من الماضي، وتطلق سراحنا نحو الحاضر والمستقبل.
2- عليك أن تعتني بنفسك، أنجِز شيئاً لنفسك، فكل شخص لديه القدرة على إدخال التغييرات على حياته الخاصة وحياة الآخرين؛ حيث إنّ التغيير يَحدث انطلاقاً من صغائر الأمور.
3- عندما تنتقد نفسَك لا بأس من ذلك، ولكن انتقدها لبنائها، فهنالك فرق شاسع بين النقد البنّاء والنقد الهادم المدمر.
4- عليك وضع نفسك في مكانها الصحيح، وعدم تحميل الخطأ أكبر من حجمه، وعدم إعطاء الإنجاز أكبر من قيمته، وهذا سوف يؤدي بك إلى تحقيق التوازن المقبول بين الجسد والروح.
5- يجب أن تدرك جيداً أنَّ مفتاح الانسجام الداخلي هو التعامل بتلقائية مع النفس، من دون تكلف ولا تصنُّع.
"روشتة" التصالح مع الذات
استغلّ قواك في صنع حياتك التي تحلم بها، فالشخص الناجح متألق، معطاء، ليس كسولاً أو خائفاً، وتعلَّم الشيء الذي ترغبه فيملأ عقلك بالسُّبل، ويفتح آفاق وعيك بأسس التخطيط في إدارة هذا الشيء، من خلال شغل وقت الفراغ، ودائماً فكِّر بإيجابية لتحقيق الحُلم، وضَعْ كل تجربة سلبية مرت عليك، ودعمت شعور القلق والخوف عندك في الإطار الإيجابي، واستفدْ منها، وتدبر حكمة الله بالتأكيد، لأن هناك طريق آخر أفضل، وأنفق لمن تحب أن يكون في حياتك، فحينما تساعد وتكون بعون شخص آخر ستكتسب ثقة بالنفس، واطمئناناً ويقيناً أن الله سيساعدك فيما تريد وأكثر.
لا تشعر بالقلق
عش اللحظة واشعر بجمالها، كن سعيداً بسعيك في سبيل تحقيق أهدافك، فهذا سيُجنّبك التفكير في التقصير، لتضع يدك على إيجابياتك، فتعطي المزيد في العبادة وفي العمل للحلم، وتذكر أن القلق والتفكير في أنك مقصر سيجعلك تفعل كل شيء في حياتك بشكل سلبي، لأن تركيزك السلبي يمنع طاقاتك، فدائماً فكِّر فيما تريد أن تفعل، وليس فيما تخشاه، تركيزك وتوجهك الإيجابي سيصنع لك تركبية نفسية وقوة عقلية وسلوكية لصنع حياتك التي تريد أن تعيشها حقاً.
وأخيراً
عليك أن تصالح نفسك عشر مرات في النهار، لأنه إذا كان في قهر النفس مرارة فإن في بقاء الشقاق بينك وبينها ما يزعج رقادك.
"عليك أن تجد عشر حقائق في يومك، كي لا تضطر إلى السعي وراءها في نومك، فتبقى نفسك جائعة". فريدريك نيتشه.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.