«أنتِ أحبُّ بلاد الله إليَّ».. لماذا لم يوصِ النبي محمد أن يُدفن في مكة بعد وفاته؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/11/20 الساعة 10:51 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/12/12 الساعة 10:15 بتوقيت غرينتش
الهجرة من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة (صورة تعبيرية)

نحن نعيش هذه الأيام حدث هام في تاريخ الأمة الإسلامية، وهو ميلاد خاتم النبيين والمرسلين، أشرف الخلق أجمعين محمد (عليه الصلاة والسلام).

أما بعد، فإن ميلاده (عليه الصلاة والسلام) ما فتئ يذكّرنا بأهم قضايا هذه البشرية اليوم، ألا وهي الهجرة.

الهجرة، الغربة، الابتعاد عن الوطن، اختلفت المسميات واتفق الألم.

فما بين أوجاع الغربة، ومكاسبها، العديد من الصراعات، والآلام، والحزن الدفين في القلب، الذي لخَّصه الرسول حينما هاجر أصيل الغفاري إلى المدينة فسأله النبي عن مكة، وعندما بدا أصيل بوصف مكة وهوائها قال له النبي: "ويحك يا أصيل لا تبكنا"، بالرغم من كل المكاسب التي حققها النبي في الهجرة، وبالرغم من المعاناة التي عاناها في وطنه وطرد أهله له من وطنه، فإنه قال إنها أحب البلاد إلى قلبه ولولا أن أهلها أخرجوه منها لما خرج، رغم أن مكة لم تكن بديعة الجمال، ولا خضراء الأرض، بل هي بلد لا تصلح للعيش كما وصفها القرآن ذاته (وادٍ غَيرِ ذِي زرعٍ) صدق الله العظيم.

فهي صحراءٌ جرداءٌ، ورغم أنه في الغربة حقق مكاسب جمّاً وانتصاراتٍ بالغة للدعوة، بل والمدينة كان فيها أهم فترات الرسالة، حيث خرج من وطنه ومعه الصديق مسلم واحد وعندما عاد، عاد ومعه 10 آلاف مسلم، إلا أن لمكة مكانتها الخاصة فهي الوطن العزيز.

وغيره من الأنبياء مثل الصديق يوسف (عليه السلام)، الذي عذبه إخوته وألقوه في الجب، فأخذه بعض السيارة إلى مصر تاركاً وطنه وأهله، مهجراً من وطنه، عبداً يعاني الأمرين، إلا أنه أصبح في بلد الغربة عزيزها وسيد قومها، وآمن على يديه عدد كبير من المصريين، وقضى على عبادة الأصنام في مصر، بالرغم من شوقه للعودة لوطنه ووالدة، وبالرغم من قسوة معاناته في وطنه من أحب الناس إليه، فإن الوطن يبقى عزيزاً بالرغم من قسوة المعاناة فيه، وبالرغم من كثرة المكاسب في غيره يبقى فراقه مؤلماً ومنقصاً من فرحة الانتصارات.

هذا لأن الأهداف واحدة في أي مكان كانت، الهدف يبقى هدفاً رُغم قسوة الظروف، ومرارة المعاناة، وألم الفراق، فالدعوة كانت هدفاً تحقق في الغربة، وحماية أهل مصر ودعوتهم للتوحيد، وإنقاذ يوسف أهلها من القحط وإنقاذ الدول المحيطة مع مصر حتى وطنه، كان هدفاً هيأه الله له رغم قسوة ما عاناه.

فكم من مغترب يتوق شوقاً للعودة إلى وطنه؛ لينسى فيه آلام الغربة، مهما حقق من مكاسب، إلا أنه يتمنى من صميم قلبه لو كانت هذه المكاسب في وطنه.

فإن كان الأنبياء أكثر الخلق ابتلاء، فإن الهجرة ابتلاء أيضاً من ضمن الابتلاءات التي عانوها ويعانيها الأفراد، بل وأصبحت شعوباً بأكملها تعانيها، بل لشدة ألم الهجرة من الوطن والبعد عنه وصفها القرآن حينما قال: (ولو أَنَّا كَتَبنَا عَلَيهِم أن اقتُلُوا أَنفُسَكُم أو اخرُجُوا مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إلَّا قَلِيلٌ مِنهُم)، صدق الله العظيم.

فجاءت الهجرة كألم وعذاب بعد قتل النفس مباشرةً،

بل وكان من أكثر العقوبات السياسية ألماً النفي عن الوطن عانى منه الكثير على مرّ التاريخ.

إلا أن لكل فرد على هذه الأرض رسالة عليه أن يؤديها في المكان الذي كتبه الله عليه، وإن لم تكن رسالته ستتحقق في وطنه فعليه أن يحققها في المكان الذي هيَّأه الله له، فالنبي رُغم حبه لمكة لم يوصِ أن يُدفن فيها، وهاجر ليحقق رسالته في غيرها.

على كل مهاجر أن يحقق رسالته وأن يستعين بالله رغم قسوة الظروف، فإن العمل عبادة إن كان خالصاً لوجه الله في أي أرض كان، فإن الأراضي كلها لله (أرض الله واسعة).

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
إيمان عاصم
شغوفة بالقراءة والكتابة
تحميل المزيد