فقير مريض بالصرع أولاده يموتون واحداً تلو الآخر.. دوستويفسكي بعيون زوجته

عدد القراءات
954
عربي بوست
تم النشر: 2018/11/18 الساعة 12:41 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/12/12 الساعة 10:27 بتوقيت غرينتش
الروائي الروسي دوستويفسكي وزوجته آنا

لن تكتمل جولاتنا كقراء بين الكتب إلا بالاطِّلاع على الأدب الروسي، ولا يمكننا الاطلاع على الأدب الروسي دون الحديث عن أيقونته وجوهرته التي حافظت على بريقها في سماء الأدب العالمي رغم مرور عشرات السنين؛ فيودور دوستويفسكي (أو داستاييفسكي حسب اللفظ الروسي).

احترت صراحةً في اختيار كتاب من بين مؤلفات الراحل لأقدمه اليوم، فاخترت في النهاية أن أقدم المبدع الروسي بطريقة مختلفة بعض الشيء.

لن نتعرّف على العبقري دوستويفسكي من خلال مؤلفاته، بل من خلال مذكرات زوجته!

كتابنا لهذا اليوم هو "مذكرات آنا غريغوريفنا أو آنا دوستويفسكايا" زوجة دوستويفسكي ، الذي صدر لأول مرة عام 1925 بعنوان أصلي باللغة الروسية Воспоминания Анна Григорьевна Достоевская وهذا بعد وفاة صاحبته بسبعة أعوام.

يقدم هذا الكتاب فكرةً شاملةً عن حياة الأديب الروسي، من خلال مذكرات زوجته التي شهدت مراحل مهمة وفاصلة من حياته المتقلبة والمليئة بالصدمات والمنعطفات الحاسمة، فوصفت بدقة شديدة انفعالات هذا العبقري وطقوسه الخاصة في كتابة رواياته، ومعاناته في نشرها في الصحف، كما تطرَّقت لمشاريعه الروائية وأسفاره خارج روسيا.

لو قُدر لي اختيار عنوان آخر لهذا الكتاب لاخترت بلا تردد "الإبداع الحقيقي يولد من رحم المعاناة" أو "الصدمة"، فأي قارئ لم يكلف نفسه عناء قراءة نبذة مختصرة عن فيودور قبل الاطلاع على أعماله سيُصيبه الذهول من هول الصدمة، ولن يصدِّق أن هذه كانت حياة  دوستويفسكي، الكاتب الرائع الذي قرأنا له الجريمة والعقاب، والأبله والإخوة كارامازوف وغيرهما، بين الديون التي لا تنتهي، والمرض، والتعب، والسفر والترحال المستمر، بين المآسي التي لا تتوقف، بين مرضه، ومرض أولاده، ووفاة ابنته الكبرى، ثم وفاة ابنه الأصغر!

لن يتخيل القارئ أبداً أن دوستويفسكي كان يكتب وقت وفاة ابنته حتى يوفر له ولزوجته قوت يومه، وأنه كان يرهن أثاث بيته لتوفير الطعام، ولن يصدق القارئ أن فيودور أصيب بالبرد الشديد أكثر من مرة، لأنه اضطر لرهن معطفه لقريب حقير حتى يوفر لنفسه ولعائلته المال، رغم تسبّب ذلك في إصابته بالحمى ونوبات صرع!

حياة متقلبة بين الديون والقمار والجوع والبرد والمرض والمصائب، كل هذا وهو مستمر في الكتابة!

مَن يقرأ عدداً من روايات دوستويفسكي، ثم يتبعها بقراءة هذه المذكرات، سيلمس أن هناك تشابهاً مع تلك الأجواء الحزينة التي طَبعت أدب فيودور، ويفهم أن كل ما كتبه لم يكن إلا انطلاقاً من الظروف الصعبة والرهيبة التي عاشها، والتي حفَّزته على إخراج أفضل ما عنده، ولو أنه لم يكن راضياً عن معظم أعماله الخالدة، وكان يتمنى لو أن ظروفه كانت أفضل، ليكتبها بطريقة أفضل! لست من هواة المبالغة والمغالاة، لكن مَن يقرأ هذه المذكرات سيخرج منها بقناعة مفادها أن دوستويفسكي هو أبرز مثال للإنسان الحقيقي بكل غموضه وتقلباته، كما أن قصة دوستويفسكي الإنسان تفوّقت بتواضعها ومأساويتها على أعماله الأدبية العظيمة.

إنسان لم يترك له الفقر ولا الديون فسحة يتنفس فيها، إنسان تكالبت عليه أسوأ الظروف والكوابيس؛ ابتلاؤه بمرض الصرع، وفاة ابنته الكبرى وهي طفلة، وفاة ابنه المحبوب أليوشا وهو صغير، حقارة أقربائه، انعدام أخلاق زملائه "الأدباء"، ازدراء الدولة له. وفي مواجهة هذا السيل الجارف وهذا العالم الحقير، لم يكن يملك غير ابتسامته الصادقة ونيته الطيبة وإنسانيته وقلمه…

أنصح، أنصح، وأنصح الجميع بقراءة هذا الكتاب القيم، والأمر بالنسبة لي سيان، سواء كنتم ممن طالعوا أعمال فيودور وأردتم التعرف عليه أكثر، أو كنتم ممن يفكرون في الاطلاع عليها وأحببتم أخذ فكرة مسبقة عن هذا الأديب العبقري، فنحن لسنا هنا أمام رواية محكمة الحبكة والوصف، بل أمام قصة حقيقية.

قصة إنسان..

 

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
عبدالمجيد سباطة
كاتب مغربي
تحميل المزيد