يصنعونها حتى من القات وإطارات السيارات.. لماذا ستصبح إثيوبيا بلد صناعة الأحذية والحقائب الفاخرة؟

عدد القراءات
2,190
عربي بوست
تم النشر: 2018/11/17 الساعة 12:03 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/12/12 الساعة 10:27 بتوقيت غرينتش
الشابة الإثيوبية "بيتلهيم تيلاهون" المشهورة بصناعة الأحذية والحقائب

الزائر للعاصمة الإثيوبية أديس أبابا يلاحظ انتشار متاجر ومحلات عديدة للأحذية والحقائب الفاخرة في كل مكان، خاصة في منطقة بياسّا التاريخية التي كانت تمثل قلب العاصمة في عصورٍ سابقة. إلى جانب وجود هذا النوع من المحلات داخل المراكز التجارية الضخمة مثل مجمعات إدنا مول ودامبل وشوا وغيرها، كما توجد محلات الأحذية في الأسواق الشعبية المفتوحة مثل ماركاتو وشيروميدا.

ومن أشهر العلامات التجارية للمنتجات الجلدية الفاخرة في إثيوبيا مجموعتا شيبا وأنسبّا Sheba وAnbessa "شبه حكوميتين"، وتضمان فروعاً كثيرة داخل العاصمة أديس أبابا وفي عواصم الأقاليم التسعة إلى جانب العديد من المدن الأخرى، مع العلم أن الشركتين تصدران منتجاتهما إلى أسواق خارجية. كما تبرز هناك شركات خاصة أخرى لتصنيع المنتجات الجلدية مثل مجموعتي "سول ريبلز" و"إنزي" وغيرهما.

بيتلهيم تيلاهون.. قصة نجاح شابة إثيوبية دخلت قائمة فوربس

لعل الصبيّة الطموحة بيتلهيم "بيت لحم" تيلاهون أليمو ابنة ضاحية "زينابورك" الواقعة غربي العاصمة الإثيوبية أديس أبابا لم تكن تتوقع أن تحصد هذه الشهرة التي وصلت إليها، فعندما أنهت دراستها الثانوية أخذت تفكر في كيفية تحويل المهارات الإبداعية للعمال المهرة من أبناء حيّها الفقير وكيفية الاستفادة من المواد المتاحة لإيجاد فرص عمل لهؤلاء الشباب كما ذكرت لوكالة أنباء الأناضول  إذ لاحظت أليمو وجود موارد طبيعية متوافرة في إثيوبيا كالبن والجلود التي تستخدمها الشركات العالمية في صناعة سلع استهلاكية وبيعها في الأسواق الخارجية.

والدافع الذي أثار حماس بيت لحم هو كيفية مزج الثقافة والتقاليد الإثيوبية مع حداثة العالم تطوره، فضلاً عن ابتكار سبل جذابة لتكون أفكارها حصريةً نابضة بالحياة وذات صلة تامة بالمنطقة. فقامت بتأسيس شركتها (SoleRebels) سول ريبيلز، لصناعة الأحذية في عام 2004 التي بدأت بخمسة موظفين واستطاعت تأمين رأس المال الأساسي لها من عائلتها.

والشركة تُصنِّع الأحذية يدوياً من مواد محلية متوافرة في زينابورك من بينها القنّب أو القات الحبشي (وهو نبات ليفي محلي)، وتضمّنت منتجات الشركة أنواعاً متطورة من الأحذية التقليدية التي كانت تصنع من إطارات السيارات بعد إعادة تدويرها من جديد وصناعتها يدوياً، مع إضافة بعض لمسات الموضة العالمية عليها، فجمعت منتجات بيت لحم بين إبداعات الحرفيين ومواكبة العصر.

وشركة "سول ريبليز" تأسست قبل 15 عاماً من ورشة عمل يدوية متواضعة يعمل بها 5 أشخاص ثم تطورت تدريجياً إلى أن أصبحت شركة ضخمة رأس مالها لا يقل عن ملايين الدولارات ووصل عدد الموظفين والعمال فيها إلى أكثر من 300 شخص نسبة للتوسع المضطرد في أعمال الشركة التي صارت أول علامة تجارية إفريقية تحصل على لقب مركز عالمي لتوليد فرص العمل. ومن المتوقع أن توفر متاجرها الدولية أكثر من 600 فرصة عمل جديدة في البلدان التي توجد فيها بحلول العام المقبل.

الطريف في الأمر أن موظفي بعض المتاجر العالمية سخروا من منتجات تيلاهون عندما بدأت في تسويقها قبل 14 عاماً. قائلين "كيف تأتي لمطعم وأنت بحذاء مصنوع من الإطارات؟. لكن سرعان ما تغير الحال بعد سنوات قليلة فقد أصبحت شركة سول ريبلس تمتلك العلامة التجارية العالمية الأولى للأحذية الإفريقية، وتوزع منتجاتها في اليابان وسنغافورة وتايوان والولايات المتحدة واليونان وسويسرا وأستراليا وإسبانيا، والطلب العالمي المتزايد دفعها لافتتاح مراكز توزيع في عدد من الدول هذا بالإضافة إلى منافذ البيع الإلكترونية عبر موقع التجارة العالمي "أمازون" وغيره.

السيدة بيت لحم تيلاهون

اعترافاً منها بالأدوار الريادية لبيت لحم تيلاهون، اختارتها مجلة فوربس الأمريكية ضمن أكثر السيدات تأثيراً في العام 2012. حيث نجحت الشابة الإثيوبية التي تبلغ من العمر 37 عاماً في تقديم نموذج للمرأة الإفريقية ذات الطموح الوثاب‏ ومزجت بين تراث بلادها الثري وموضة العصر في شركتها "سول ريبلز" التي حاولت من خلالها أن تنقل للعالم صورة مختلفة عن إثيوبيا‏ بعيداً عن الصورة التقليدية التي شوهها تاريخ المجاعات والحروب.

واستطاعت بيت لحم أليمو أن تجد لنفسها ولشركتها مكانةً مرموقة بين أرقى الماركات العالمية في صناعة الأحذية والحقائب إذ افتتحت مؤخراً متجراً كبيراً بمركز تجاري راقٍ في قلب منطقة رواد الأعمال "وادي السليكون" بولاية كاليفورنيا الأميركية إلى جانب افتتاح متجر لها بمدينة هامبورغ الألمانية، وتمكنت شركتها بفضل حرصها على جودة المنتجات ومهارتها في الإدارة وروح الحب والتعاون التي غرستها بين العاملين لديها من بيع أكثر من 70 ألف حذاء بعائدات سنوية تبلغ نحو 15 مليون دولار.

أنبسّا وشيبا.. وجود قوي في السوق المحلية

على عكس سياسة شركة "سول ريبلز" المملوكة لبيت لحم، تركز شركتا أنبسّا وشيبا (شبه حكوميتين) على السوق الإثيوبية فحيثما وجَّهت بصرك تجد مَعارض الشركتين خاصة في منطقة بياسا القلب النابض للعاصمة الإثيوبية ولدى أنبسا مركز مبيعات رئيس يقع مقابل رئاسة الخطوط الجوية الإثيوبية بالقرب من مقر شركة الكهرباء، كما يوجد متجر كبير لشيبا على بعد أمتار قليلة من معرض أنبسّا. والشركتان توفران لعملائهما من الجنسين الأحذية المتوسطة والفاخرة إلى جانب الحقائب الجلدية ومنتجات أخرى مثل الأحزمة الرجالية ومَحافِظ النقود.

ومن اللافت أن شركة أنبسّا (كلمة تعني باللغة المحلية الأسد) تأسست منذ عام 1935 على يد مستثمر إيطالي كأقدم شركات الأحذية الإثيوبية، ثم انتقلت إلى مالك أرميني قام بتغيير الاسم إلى Dramer الذي استمرت عليه لـ33 عاماً عادت بعد ذلك إلى الاسم الأم كمؤسسة عامة ذات استقلالية نسبية. وهي تنتج حالياً نحو 10000 زوج من الأحذية بشكل يومي من مقرها الواقع بمنطقة أكاكي الصناعية بالقرب من العاصمة أديس أبابا، وقد حافظت Anbessa على وجودها في السوق الإثيوبية رغم المنافسة الشرسة، كما تمتلك في الوقت خطوط إنتاج لماركات تجارية مشهورة عالمياً مثل J.Crew, DSW, Imex, SAWA وتسعى لمواكبة السوق والمحافظة على عملائها المحليين والأجانب، حيث حصلت مؤخراً على تصنيف متقدم ضمن أبرز العلامات التجارية في إفريقيا.

أما شركة شيبا للصناعات الجلدية التي تأسست حديثاً فهي تمثل إحدى الشركات التابعة لصندوق تنمية تغراي، بدأت عملياتها في عام 2004 ونمت بسرعة لتوفر فرص عمل لما يزيد عن ألف مواطن. وتنتج الشركة تشكيلات واسعة من المنتجات الجلدية على رأسها الحقائب النسائية والأحذية الفاخرة للجنسين فضلاً عن الأحزمة الرجالية وأنواع أخرى من المنتجات الجلدية المميزة، ونلفت إلى أن شيبا تطرح نفسها كشركة متخصصة في منتجات جلد الماعز بالتحديد.

بفضل اهتمامها برضا العملاء والسعي لتحقيق الجودة في العمل من خلال التطوير والابتكار المستمر لمنتجاتها حجزت الشركة مكانة جيدة لعملائها في الداخل الإثيوبي رغم سنوات عمرها القصيرة، كما عادت شيبا إلى استئناف عمليات التصدير بعد توقف لخمس سنوات، إذ حصلت خلال الفترة الماضية على 83 ألف دولار عائدات تصدير منتجاتها إلى إيطاليا، وواصلت المجموعة تسويق المنتجات الجلدية عبر مواقع التجارة الدولية مثل موقع أمازون الأميركي الشهير وغيره.

وتخطط شيبا إلى أن تكون بذاتها إحدى العلامات التجارية الكبرى في الصناعات الجلدية على مستوى العالم بحلول عام 2025 بغرض المساهمة في نمو اقتصاد البلاد، وهو ما يتسق مع خطط الحكومة كما ذكر أركيبي أوكوابي متيكو، المستشار الخاص لرئيس الوزراء الإثيوبي سابقاً، حيث قال لقناة الجزيرة إن التركيز على الصناعة يفتح المجال لستة ملايين فرصة عمل بشكل مباشر أو غير مباشر.

وقد سأل كاتب المقالة، زائر من جنسية أوروبية التقى به في أحد معارض الأحذية والحقائب الجلدية بمنطقة بياسا، عن سر شرائه لعدد كبير من الأحذية فأجابه بأن أسعارها رخيصة مقارنة مع جودتها العالية لذلك لم يتردد في شراء 3 أزواج له و4 أخرى لأفراد من عائلته. وذكر السائح الأوروبي أن موظفي المتجر باعوه الأحذية ذات الماركات العالمية بالعملة المحلية "البِر الإثيوبي"، وكان يمكن أن تُكلِّفه 3 أضعاف السعر العالمي بعملته "اليورو".

ولذلك أصبح من المألوف أن تجد الزوار العرب والأفارقة والأوروبيين والأمريكان في متاجر الأحذية والحقائب الإثيوبية، فالعديد منهم ينتهز فرصة وجوده في البلاد ويسارع لاقتناء المنتجات الجلدية عالية الجودة بأسعارٍ معقولة، إذ أصبحت معارض الأحذية وجهةً أساسيةً لزوار أديس أبابا جنباً إلى جنب مع أسواق البُن والعسل والزهور والأزياء الشعبية التي تشتهر بها إثيوبيا.

عالم صناعة الأحذية والمنتجات الجلدية الفاخرة في إثيوبيا لا يقتصر على الشركات الثلاث المذكورة أعلاه فهناك 13 شركة أخرى من بينها Enzi الشركة الناشئة التي بدأت أعمالها بـ30 ألف دولار فقط كما يقول مديرها أزارياه مينجيتسو، فمن ورشة صغيرة يتم تصنيع الأحذية التي غزت الأسواق الأوروبية والآسيوية والأميركية في ظل منافسة قوية داخلياً وخارجياً. وتقول شركة Enzi في موقعها الإلكتروني إنها تأخذ وقتاً في اختيار أجود أنواع الجلود لضمان تقديم السلع الفاخرة لعملائها، مشيرةً إلى أنها أمضت العامين الماضيين في تطوير إنتاجها الخاص  مع شريك مطور من أجل منافسة العلامات التجارية الأخرى في السوق الدولية وتتعهد بالابتكار والمواكبة.

45.5 مليون دولار عائدات تصدير الأحذية الإثيوبية

بحسب صحيفة "أديس فورتشن" الإثيوبية ــ الناطقة باللغة الإنكليزية ــ حصلت إثيوبيا على 45.5 مليون دولار مقابل تصدير الأحذية الجلدية خلال السنة المالية الماضية وهو رقم دون الطموح، كما تقول الصحيفة، إذ إنه لا يتعدى سوى 1.8% فقط من مجمل عائد الصادرات الإثيوبية التي بلغت 2.5 مليار دولار وهو ما يمثل 53% من الهدف المنشود ويُعتقد أن التراجع طبيعي في ظل الأزمات السياسية التي مرت بها البلاد قبل تقديم رئيس الوزراء السابق هايلي مريام ديسالين استقالته وحتى بعد أن جاء رئيس الحكومة الحالي آبي أحمد تواصلت القلاقل بمحاولات تفجير احتفال كان يشهده رئيس الوزراء وحشد من آلاف المواطنين.

وتسعى شركات صينية تعمل في الداخل الإثيوبي لمنافسة الشركات الوطنية في مجال صناعة الجلود، حيث أطلقت مجموعة "هواجيان" الصينية الرائدة في تصدير الأحذية، أول عملياتها الخارجية في إثيوبيا عام 2013. إذ تتميز أجور العمالة في أديس أبابا بمنافسة كبيرة، كما تكلف الكهرباء النصف بالمقارنة مع الصين وتمنح الحكومة الفيدرالية وحكومات الأقاليم تسهيلات وإعفاءات واسعة للمستثمرين الأجانب.

وبالنظر إلى السياسات الإصلاحية الجديدة التي تبناها رئيس الوزراء الإثيوبي الجديد آبي أحمد والمتمثلة في فتح المجال للاستثمار في قطاع الخدمات اللوجستية وخدمات الاتصالات ــ لأول مرة، فإن إثيوبيا ستكون مؤهلة بشكلٍ كبير لأن تصبح وجهة عالمية مفضلة لصناعة الأحذية والحقائب الفاخرة إذا ما توفر المناخ السياسي والأمني اللازمين، فلا استثمار في ظل الأزمات والمخاوف الأمنية لأن رأس المال جبان كما يصفه الاقتصاديون.

ما تملكه إثيوبيا من بنية تحتية آخذة في النمو إلى جانب توافُر جلود الماعز والأغنام بكميات كبيرة يساعدها على التحول الديناميكي لمركز عالمي في مجال صناعة الأحذية والمنتجات الجلدية عموماً. إذ يمكن لها بعد أن وقّعت قبل أشهر اتفاقيات لاستخدام مينائي إريتريا "عصب ومصوع" تصدير المنتجات إلى مختلف أنحاء الجوار الإفريقي وأمريكا وأوروبا. هذا إلى جانب القوة الشرائية الكبيرة لبلدٍ يزيد عدد سكانه على 107 ملايين نسمة يكفي أن يحصلوا على احتياجاتهم من الحقائب والأحذية الفاخرة ذات الماركات العالمية من داخل البلاد مكتوب عليها "صنع في إثيوبيا".

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
محمد جامع
صحفي متخصص بالشأن الأفريقي
محمد مصطفى جامع، كاتب وصحفي سوداني، حاصل على بكالوريوس الإعلام من جامعة وادي النيل، أعمل حالياً على ماجستير في الإذاعات الرقمية، أجد نفسي في الكتابة عن دول شرق إفريقيا، ونُشرت لي عنها أكثر من 300 مقالة وتقرير في عدة صحف عربية، أعشق القهوة وأحب الحوار الهادئ المتعمق.
تحميل المزيد