في المغرب.. من المسؤول عن إثارة الأزمات؟

عدد القراءات
1,092
عربي بوست
تم النشر: 2018/11/14 الساعة 14:07 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/11/14 الساعة 14:07 بتوقيت غرينتش
مظاهرات في المغرب

في العامين الأخيرين شهد المغرب عدداً من الاحتجاجات الاجتماعية عمَّت الكثير من المدن، كان أبرزها الاحتجاجات التي هزَّت الريف المغربي ومدينة الحسيمة على وجه التحديد، والتي تفجَّرت على خلفية مقتل بائع السمك محسن فكري وطحنه في حاوية للقمامة.

كانت احتجاجات الريف من المحطات الأساسية في مسار مغرب ما بعد الربيع الديمقراطي، سياسياً واجتماعياً وحقوقياً، كانت مجرد احتجاجات يطالب من خلالها المحتجون بضرورة فتح تحقيق جدّي وشفاف، في قضية مقتل بائع السمك محسن فكري بطريقة وحشية، لكن سرعان ما تحوّلت إلى أطول حركة احتجاجية، وأشدها وتيرة بعد حراك الربيع العربي في المغرب، تجاوزت مطلب التحقيق في مقتل محسن فكري وطحنه، إلى المطالبة برفع التهميش والإقصاء عن مدن الريف، والمطالبة بتنمية شاملة لمنطقة الريف، وتقديم المسؤولين عن فشل المشاريع التنموية، التي أطلقها العاهل المغربي محمد السادس، خاصة مشروع منارة المتوسط، إلى المحاكمة والمحاسبة.

تواصلت الاحتجاجات في الريف المغربي لعدة أشهر، دون التوصُّل لحل جدي لإخماد شرارتها، بل زادت حدتها بعد مواجهتها بمقاربة أمنية، من طرف النظام المغربي، بدل الحوار والاستجابة لمطالب المحتجين، التي لا تتجاوز سقف المطالب الاجتماعية، متجليةً في المطالبة بتوفير مستشفى لعلاج مرضى السرطان، وجامعة، ومشاريع تنموية تقيهم شر البطالة وشبح العوز والفاقة.

اتخذت الاحتجاجات في الريف منحى تصاعدياً أكثر بعد اعتقال الناشطين وقادة الحراك، وزجِّهم في السجون والمعتقلات، ما خلَّف موجة من الاستياء لدى عموم المواطنين المغاربة، لتجتاح على إثره مظاهرات التضامن مع المعتقلين ومع حراك الريف عامة، مختلف المدن المغربية من الشمال إلى الجنوب.

كان الربيع الديمقراطي في المغرب سنة 2011 قد ترتب عليه مجموعة من المكتسبات الديمقراطية، كانت هذه المكتسبات بمثابة اللبنة الأساسية لمسار الإصلاح السياسي بالمغرب، كان النهوض بحقوق الإنسان وحمايتها أهم المكتسبات التي حرص النظام المغربي على تكريسها في مسار الإصلاح السياسي هذا، إلى جانب مكتسبات أخرى جعلت من المملكة المغربية استثناءً فريداً، ونموذجاً في المنطقة، واستدعت إشادة واسعة حينها من قبل مختلف قوى المنتظم الدولي.

ومع تصاعد منحى الاحتجاجات بالريف، وانتقال شرارتها لتعمَّ مختلف المدن المغربية، كجرادة وزاكورة، اختبر مسار الإصلاح السياسي بالمغرب، ليتضح أنه مسار هشٌّ غير جدي، مجرد محطة لإخماد نار الغضب الشعبي إبان الربيع العربي، ليعود النظام المغربي إلى سياسة القمع المعهودة منه والترهيب بحق المحتجين، فلا يجد أدنى حرج في تلفيق التهم للمعارضين وتسخير القضاء، للانتقام منهم بأحكام جائرة وظالمة، كما هو الشأن بالنسبة لمعتقلي الريف ومعتقلي جرادة، أضف إلى ذلك التراجع المخيف عن هامش حرية الصحافة، حيث تم تسجيل العديد من حالات الاعتقال والمحاكمات للصحافيين وتلفيق تهم خطيرة لهم كما حدث مع الصحافي حميد المهداوي، وإدانتهم بأحكام قاسية كما هو الشأن بالنسبة للصحافي توفيق بوعشرين مدير تحرير جريدة اليوم 24 الذي حُكم عليه مؤخراً بـ12 سنة سجناً نافذاً.

هذا الاحتقان الاجتماعي الذي يعيشه المغرب في السنتين الأخيرتين ولا زالت تداعياته تلقي بظلالها على المشهد السياسي بالمغرب، وراءه مطلب اجتماعي صرف يتلخص في المطالبة بتوفير ظروف العيش الكريم للمواطنين، واحترام كرامتهم دون تهميش أو إقصاء.

هذا الغليان الشعبي الذي تتزايد وتيرته يوماً بعد يوم نتيجة للفساد المستشري في كل المجالات وكل القطاعات، وهو نتيجة حتمية لسياسة استنزاف خيرات الوطن ومقدراته، والتوزيع غير العادل للثروة، هذه السياسات أفرزت ظاهرة التفاوت الاجتماعي والطبقي، بحيث تركزت الثروة في يد أقلية أوليغارشيا، بينما الغالبية الساحقة من الشعب المغربي يدبر مصيره بيده، كما أفرزت أيضاً ظاهرة التباين  المناطقي في المغرب، حيث إن هناك مناطق تعيش فقراً شديداً ومدقعاً، وتنتشر فيها البطالة بين مختلف الفئات بشكل مهول، إضافة إلى تردي وضع البنيات التحتية، فضلاً عن تردي الوضع الصحي والتعليمي في هذه المناطق، هذا الوضع ولَّد لدى سكان هذه المناطق الإحساس بالتهميش والإقصاء، ما يدفع بهم إلى الاحتجاج والمطالبة برفع الحيف والتهميش عنهم، مثلما حدث في الحسيمة وجرادة وزاكورة، وغيرها من بؤر التوثر والاحتجاج.

النظام الحاكم في المغرب وعن طريق حكومة مكوَّنة من عدة أحزاب سياسية مختلفة التوجه والأيديولوجية، يتزعمها حزب العدالة والتنمية ذو التوجه الإسلامي، (بقيادة أمينه العام سعد الدين العثماني، وهو رئيس الحكومة المعينة من طرف الملك محمد السادس) أغرق البلاد في الديون الخارجية، حيث بلغت نسبة المديونية مستويات قياسية، (92.9%) حسب تقرير المجلس الأعلى للحسابات (مؤسسة رسمية)، بالإضافة إلى إثقاله كاهل المواطنين بالزيادات الصاروخية على مستوى المواد الأساسية، وزيادة نسبة الضرائب وغيرها من الإجراءات اللاشعبية، ما جعل البلاد تعيش هذا الواقع المرير، الذي يزداد مرارة وخطورة يوماً بعد يوم، في غياب أية مبادرة لإخماد هذا الغضب الشعبي، وتخفيف حدة السخط والاستياء الذي تتزايد وثيرته وتتسع رقعته، ليشمل كل فئات المجتمع المغربي.

هذه الزيادات، خاصة التي يشهدها قطاع المحروقات، كانت سبباً مباشراً في احتجاج السائقين المهنيين، وأرباب شاحنات نقل السلع والبضائع، وخوضهم إضراباً عاماً عن العمل دام لعدة أيام في الأسبوع المنصرم، احتجاجاً على زيادة أسعار المحروقات من جهة، ومن جهة أخرى على إشكالية الحمولة الزائدة الواردة في مدونة الطرق، وكذا على تعريفة الطريق السيار.

هذا الإضراب شمل جميع المواد الغذائية، الشيء الذي أدى إلى ارتفاع أسعارها بشكل قياسي، الأمر الذي زاد من محنة الأسر الفقيرة، وعمَّق أزمة العائلات  المغربية المحدودية الدخل، على كثرتها في المجتمع المغربي.

موجة الاحتجاجات شملت كل المجالات وانخرطت فيها كل الفئات العمرية في المغرب، حيث وفي بحر الأسبوع المنصرم، كانت المؤسسات التعليمية في مختلف المدن المغربية فضاءً للاحتجاج من طرف تلاميذ وتلميذات المستويين الإعدادي والثانوي، رفضاً لاستمرار العمل بالتوقيت الصيفي، واعتباره توقيتاً رسمياً للمملكة المغربية، عوض توقيت غرينتش المعمول به في السنوات الماضية، احتجاج رافقه امتناع الآلاف من التلاميذ عن الالتحاق بحجرات الدرس، مع تنظيم مظاهرات حاشدة خارج أسوار المؤسسات التعليمية، وأمام بوابات بعض المؤسسات العمومية، كالعمالات والولايات قصد إيصال صوتهم الرافض لقرار الحكومة، إلى مراكز صنع القرار في المملكة، ومن المنتظر أن تستمر هذه الاحتجاجات، مع إمكانية التصعيد وانضمام فئات أخرى وفي قطاعات أخرى، خاصة أن قرار ترسيم ساعة+1 أثار موجة من الاستياء والسخط، لدى عموم المواطنين المغاربة، بل هناك احتمالات قوية لخوض إضراب عام يشلّ جميع القطاعات، خصوصاً في حالة تجاهل مطالب المحتجين من طرف النظام المغربي، وتشبت الحكومة بقرارها هذا، الذي لا يراعي مصلحة المواطنين.

رغم حالة من الاحتقان والرفض الشعبي لقرارات وسياسات الحكومة المغربية، التي تعبر عنها موجة الاحتجاجات التي هزَّت كل مناطق المغرب وما زالت تتواصل إلى اليوم، لم تكلف الحكومة المغربية نفسها عناء البحث عن حلول جدية، بقدر ما تعاملت مع هذه الحالة بصمت وتجاهل ثارة، وبمقاربة أمنية صرفة ثارة أخرى، وهذا ما يعمِّق الأزمة ويعقدها ويطيل أمدها، ففي الوقت الذي كان من المفترض على الحكومة كما هو معمول به في الدول الديمقراطية التي تحترم شعوبها وتقدر إرادتها، أن تستنفر كل أجهزتها للتوصل لحلول ممكنة لحل المشاكل العالقة واتخاذ إجراءات استعجالية تستجيب لحاجات المواطن وتطلعاته وتلبي طموحاته ومتطلباته، سارعت الحكومة المغربية كعادتها إلى سن سياسة القمع والترهيب، بإطلاق القوات الأمنية على المحتجين كما حدث مع التلاميذ المحتجين، وكما سبق لها التعامل بنفس الطريقة مع احتجاجات الريف وجرادة وزاكورة، وهذا ليس غريباً في عرف الأنظمة الاستبدادية التي لا مجال للتعبير عن الرأي والمطالبة بالحقوق في عرفها وقاموسها.

إن ما يعيشه المغرب اليوم من احتقان شعبي، الذي يبدو أنه سيستمر إلى أمد طويل، وقد يتطور إلى ما لا تحمد عقباه، ناتج إلى جانب ما تحدثنا عنه أعلاه، عن غياب الوسائط الاجتماعية، من أحزاب سياسية ونقابات، ومختلف الهيئات المنتخبة، وانهيارها وفقدان المواطن المغربي الثقة بها، بعد أن خاب ظنه فيها، بعدما أدارت ظهرها له، وأصبحت المتحدث الرسمي باسم مصاصي دم المغاربة، وناهبي مقدراتهم وثرواتهم، وكانت مطيَّة لتمرير قرارات وسياسات مجحفة، تمسُّ كرامة المواطن المغربي، وتهضم حقوقه.

لم يكن أشد المتشائمين في المغرب يظنون أن بلادهم قد تزيغ عن مسار الإصلاح السياسي الذي دشنه النظام المغربي، خلال مرحلة الربيع الديمقراطي بشكل خاص، كان المغاربة يظنون أن مستقبلاً زاهراً ينتظر وطنهم، وطن يسمو بحماية حقوق مواطنيه، ويزدهر بحفظ كرامتهم، وينمو بصون مكتسباتهم الديمقراطية، لكن هذه الأحداث المتوالية أظهرت العكس تماماً، أظهرت بما لا يدع مجالاً للشك أن النظام المغربي حقاً وصدقاً قد زاغ عن المسار الصحيح، وقطع أشواطاً لإخفاء أثره ومعالمه، والعودة إلى طبعه القديم، طبع الاستبداد والظلم والقمع.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
رشيد غفران
كاتب مغربي
تحميل المزيد