كانت ضخمة لا صوت للمصريين فيها.. ماذا تعرف عن أول مظاهرة مليونية في العالم؟

عدد القراءات
1,875
عربي بوست
تم النشر: 2018/11/14 الساعة 12:00 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/11/14 الساعة 12:00 بتوقيت غرينتش
مظاهرة يوم 14 نوفمبر1951

في صباح الأربعاء 14 نوفمبر/تشرين الثاني 1951، شهد ميدان الإسماعيلية (التحرير الآن)، أول مظاهرة مليونية في العالم، احتشد فيها أكثر من مليون مواطن من جميع فئات الشعب المصري من (الرجال والنساء والطلاب والمدرسين والموظفين والعمال والصحافيين والصناع والقضاة والمحامين والتجار والأطباء والصيادلة…)، وكانت المظاهرة صامتة، احتراماً لجلال الشهداء الذين سقطوا برصاص الإنكليز الغادر.

وسبب هذه المظاهرة المليونية أن مصرنا الحبيبة شرعت في الكفاح المسلح ضد الاحتلال البريطاني الجاثم على أرضنا في قناة السويس بعد قرار حكومة الوفد الأخيرة بإلغاء معاهدة 1936، واتفاق 1899 بشأن السودان (من طرف واحد)، وظهرت حركة الفدائيين بمختلف توجهاتهم السياسية والحزبية، وكان الهدف الجامع لكل الحركات الفدائية والفدائيين هو تطهير مصر من الاحتلال الإنكليزي البغيض، الجاثم على أنفاس مصر والمصريين منذ أكثر من سبعين سنة عجاف وذل وقهر…

ويشهد التاريخ في صفحاته الناصعة البياض، أن بعضاً من أساتذة كلية العلوم بجامعة القاهرة، وعلى رأسهم الدكتور (مصطفى كمال حلمي)، وزير التعليم فيما بعد (في السبعينات)، كانوا يدربون الطلاب والفدائيين في بدروم الكلية على تصنيع الديناميت والمواد المتفجرة لاستخدامها في الكفاح المسلح؛ لذلك كان لا بد أن تسقط حكومة الوفد الأخيرة (12 يناير/كانون الثاني 1950 – 27 يناير/كانون الثاني 1952) بحريق القاهرة المفتعل، في 26 يناير/كانون الثاني 1952 على يد عدة أجهزة مخابرات، منها المخابرات الأميركية والبريطانية، وأن يأفل نجم حزب الوفد العريق و(النظام الديمقراطي ذاته) إلى الأبد، بانقلاب 23 يوليو/تموز 1952، على يد (شوية) ضباط سرقوا حكم مصرنا الحبيبة، واغتصبوا ثرواتها، ووضعوا الغطاء الذهبي للجنيه المصري في جيوبهم وكروشهم التي لا تمتلئ أبداً، والممتدة إلى ما لا نهاية،  وتمكنوا من كل مفاصل الدولة حتى الآن.

وبسبب هذا الكفاح المسلح، كان لا بد أيضاً، أن يختفي الزعيم الخالد الذكر مصطفى النحاس من العمل العام، وأن يُحبس في بيته قيد الإقامة الجبرية، بعد انقلاب يوليو/تموز 52 بقليل، حتى وفاته في 23 أغسطس/آب 1965!

وإذا كان التاريخ يعيد نفسه فإنه كان لا بد أيضاً أن تجهض ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، وما أثمرته من (التجربة الديمقراطية الوليدة) في انقلاب 3 يوليو/تموز 2013 العسكري الدموي المشؤوم، وكأنه قد كتب علينا ألا نحكم أنفسنا بأنفسنا أبداً، إنما نُحكم إما بالاستعمار أو (بأذناب الاستعمار) من أبناء جلدتنا من العسكريين المغتصبين للسلطة والمغتصبين والمهدرين لثروات البلد، وما نتج عن ذلك من تدمير بلدنا المكلوم في كل المجالات السياسية والاقتصادية والتعليمية و… و… والحضارية!

 

فيديو لأول مظاهرة مليونية في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 1951

وقد ساهم أعضاء الطليعة الوفدية بدور مهم في حركة الكفاح المسلح في القناة، كما قام فريق منهم بإمداد الفدائيين بالأسلحة والقنابل، وشارك بعضهم مشاركة مباشرة في المعارك ضد الإنكليز كعزيز فهمي.

 

وعندما اشتدت معارك القناة، اتصلت الحكومة السوفيتية بحكومة الوفد، وأبدت استعدادها لتزويد الجيش المصري بكافة المعدات الحربية التي يحتاجها، وبنصف الأسعار التي يعرضها حلفاء الغرب، ووعدت بإرسال بعثة عسكرية من 250 ضابطاً روسياً، وقبل أن ترد حكومة الوفد على العرض الروسي، أقيلت تلك الحكومة الوفدية الأخيرة!

ولما سقط الشهداء أثناء معارك القناة، خرج الشعب المصري بكل طوائفه ليعلن للعالم كله أنه لن يلين عزمه أبداً، حتى يُحرر البلد من الاستعمار الإنكليزي البغيض.

وأصدرت اللجنة المنظمة للمظاهرة بياناً ناشدت فيه أبناء الأمة المصرية أن يقدروا أهمية هذا اليوم الخالد حق قدره، وأن يعاونوا منظمي المظاهرة على مهمتهم، لكي يشهد العالم أن أبناء النيل خرجوا لكي يؤكدوا العزم على أن يأخذوا بحق هؤلاء الشهداء.

وقرَّرت اللجنة المنظمة أيضاً ألا ترفع في المظاهرة أية لافتات حزبية، إنما ترفع  فقط شعارات وطنية خالصة، مثل (أرواحنا تفديك يا مصر، بالدماء نحرر الأوطان، مصر للمصريين، ماء النيل حرام على الإنكليز، عاش كفاح أهل القنال…).

وقد شاركت بعض الجاليات العربية والأجنبية في المظاهرة، تضامناً مع المطالب المصرية: ومنها البعثة العلمية التعليمية السعودية، والجالية الباكستانية، والنادي اليوناني الرياضي ميلون، وحتى رابطة صناع الحلويين اليونانيين…

 

وكان للمظاهرة خط سير محدد، حيث تبدأ مسيرتها من الحادية عشرة صباحاً متجهة من ميدان الإسماعيلية (ميدان التحرير) إلى شارع سليمان باشا (طلعت حرب الآن)، ثم شارع فؤاد (شارع 26 يوليو الآن)، ثم ينصرف المتظاهرون في هدوء من الشوارع المتفرعة من ميدان عابدين بعد ذلك.

 

وكان في مقدمة المظاهرة الزعيم مصطفى النحاس رئيس الوزراء، وعلي ماهر، ورجال الحكومة، ورجال الدين، وكانت كتلة المتظاهرين الأساسية من الطلبة والعمال، أما شعارها الأساسي فهو "الصمت، الحداد، النظام".

 ولم تسجل أقسام البوليس طوال اليوم أي حادث أو اعتداء على أحد أو منشأة، ووزعت على المتظاهرين المنشورات الثورية، وارتفعت اللافتات التي قُدرت بعشرة آلاف كُتب عليها "يسقط الدفاع المشترك"، "الوساطة الأميركية خدعة"، "عمال القنال فداء للوطن"، "الإفراج عن المسجونين السياسيين"، "الموت للخونة"، "المسجونون السياسيون يتمنون لقاء الإنكليز في القنال"…

 

الزعيم مصطفى النحاس يتقدم المظاهرة وبجوار مكرم عبيد باشا وعلي ماهر باشا

إن التاريخ لا يُنسى أبداً، يوم 8 أكتوبر/تشرين الأول 1951، حينما وقف زعيم الأمة، الزعيم الخالد مصطفى النحاس، على رأس البرلمان المصري ليعلن إلغاء معاهدة "الشرف والاستقلال"، وسط تأييد جارف من نواب الوفد والمعارضة، وتأييد شعبي جارف أيضاً.

ولقد خرج النحاس باشا من تلك الجلسة التاريخية لإلغاء مصر لمعاهدة 1936، ليدلي بأخطر تصريح وهو يصعد القطار المغادر إلى الإسكندرية:

"لقد قامت الحكومة بإلغاء المعاهدة، وعلى الشعب أن يكمل المسيرة"

 ولن ينسى التاريخ أيضاً، يوم الأربعاء 14 نوفمبر/تشرين الثاني 1951، حينما وقف شعبنا وقفة تاريخية بأعداد مليونية في ميدان التحرير، ليعلن للعالم كله وللإنكليز، خاصة أنه لن يتوقف عن تحرير مصر من استعمارها المقيت مهما طال الزمن، ومهما زادت أعداد الشهداء في سبيل هذا الواجب المقدس.

إن الحرية ثمنها غالٍ ونفيس…

المراجع:

1- مقالة الأستاذة هند مصطفى في أهرام 5/4/2011 (14‏ نوفمبر‏ 1951 أول مظاهرة مليونية في العالم).

2- كتاب: السياسية الخارجية المصرية أصول وتطور للدكتور جهاد عودة أستاذ العلوم السياسية جامعة حلوان.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
محمود خليفة
كاتب وطبيب بشري
محمود خليفة، طبيب بشري أخصائي جلدية، من مواليد 1963. كاتب وأديب وله رواية "أرض الجمل" مطبوعة. وله عدة قصص قصيرة منشورة في مجلة "أنهار" الأدبية وموقع "قاب قوسين" وغيرهما. وله مقالات سياسية منشورة في موقع "عربي بوست" و"ساسة بوست" وغيرهما.
تحميل المزيد