«الأُلفة».. عن السبب الحقيقي وراء ارتباطنا بالشخص الخطأ أوالفشل في علاقة ما

عدد القراءات
2,221
عربي بوست
تم النشر: 2018/11/12 الساعة 10:39 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/11/12 الساعة 10:39 بتوقيت غرينتش
زوجان في علاقة تبدو فاشلة

واحدة من الفرضيّات التي تفسّر سبب ارتباطنا بالشخص الخطأ أو سبب فشل علاقةٍ ما أنّنا في الواقع نسعى إلى "الأُلفة" في العلاقة، أي أننا نتطلّع في سنّ الرشد إلى إنعاش ذات الشعور والعاطفة التي ألفناها في طفولتنا.

الأمر الذي يُؤدي إلى مشكلة ناتجة عن أنّ ذلك الشعور "الحبّ" الذي ألفناه في مراحلنا الأولى من الحياة غالباً ما يمتزج مع ديناميكيّات أخرى سلبية أو غير صحية وقد تكون مدمّرة نفسياً في كثير من الأحيان، كالشعور بالحرمان من حنان الوالديْن أو الخوف من غضبهما أو التعرّض للإهانة والتجاهل من قبلهما، أو غياب الشعور بالأمان للتحدّث أو الإفصاح عن الأفكار والمخاوف والأماني والآراء. فترانا مرتبكين حيال تعريفنا للحبّ أو شكله أو ماهيّته.

وبالتالي، فسعينا للألفة هذا يتعارض مع مفهومنا للكثير من الأمور داخل نطاق العلاقة، كالسعادة والتفاهم والراحة النفسية. ليصبحَ الحبّ لدينا مرتبطاً بالتجاهل أو الإهانة أو الخذلان أو بالصدّ والإحباط والتخلّي أو بالحضور أحياناً والغياب أحياناً كثيرةً أخرى.

حسب فرويد، فهذا شكلٌ من أشكال "التكرار القهري"، أي الحنين إلى حالة الأشياء كما اعتدناها في الماضي. ولهذا فنحن غالباً ما نفضّل العلاقات التي تكرّر تجربتنا المبكّرة، فالشعور بالمألوف يتغلّب على أيّ شعور آخر.

وبحسب جون بولبي في نظرية "الارتباط العاطفيّ"، فالعلاقات الأولى، خاصةً مع الأم، هي الأساس الذي تُبنى عليه علاقات الفرد طيلة سنوات حياته لاحقاً، من صداقات وارتباطات وعلاقات عاطفية وزواج وأمومة وأبوّة وغيرها. ما يعني أنّ طبيعة علاقة الطفل بأمّه وأبيه تكسبه نمطاً معيّناً من الارتباط يكرّره لاحقاً مع الآخرين بقية حياته.

يحدث التكرار القهري في صورٍ كثيرة؛ كأنْ نريدَ من الشريك/الحبيب أنْ يكون الشخص الذي نريده نحن ويوافق تجربتنا عن الشريك والارتباط، لا الشخصَ الذي هو عليه. أو أنْ نقع ضحية الخوف من الخذلان والأذى الذي تعرّضنا له في السابق، فيصبح المرء متأرجحاً بين رغبته في تلبية حاجاته العاطفية وبين رغبته بالابتعاد عن شريكه خوفاً من تكرار الألم العاطفيّ.

أو أنْ يسلك المرء سلوكاً مشابهاً لسلوك والديْه أو مقدّمي الرعاية في المراحل الأولى، فقد تخذل الشريك أو تبتعد عنه أو تتجاهله أو تمارس سيطرتك عليه لا لشيءٍ سوى لرغبتك اللاوعية بفعل ما فُعل بك من قبل. بهذه الطريقة، قد نجعل الآخرين يشعرون بنفس الشعور بالإحباط والأذى والألم النفسيّ الذي شعرناه بينما كنّا صغاراً، لا لشيءٍ سوى لتكرار التجربة.

ويحدث التكرار أيضاً حين استجابتنا اللاواعية لخوفنا من تكرار التجربة، نخشى أنْ يرفضنا الآخرون ويتخلّوا عنا فنحمي أنفسنا عن طريق الانسحاب والابتعاد حتى يبدأوا بدورهم بالانسحاب والابتعاد شيئاً فشيئاً. أو قد نخشى أنْ يصبح الشريك جافاً ومتجاهلاً فنبدأ بخلق حدود صارمة ومساحات شخصية مقيّدة حتى يقوم بدوره بالشيء ذاته.

الرغبة بالتكرار هي حتماً غير واعية، ومتأصّلة فينا بحيث أنّ الواحد منا لا يعرف ولا يعي أنه يقوم بها. وواحدة من أكثر الأمور المرتبطة به غرابةً هي أنّنا قد نرفض الارتباط بشخصٍ ما أو مصادقة آخرين لا لشيءٍ سوى لأنهم يتنافون مع فكرتنا عن الارتباط على الرغم من أنّهم قد يكونون جديرين بالثقة مثلاً، متفهّمين، قادرين على العطاء ومدّ يد العون عند الحاجة، متّزنين وناضجين وحنونين ومتعاطفين وغيرها من الصفات التي قد تُشعرنا بالغربة عن فكرتنا الأولى عن الحبّ والعلاقات والارتباط.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
غيداء أبو خيران
كاتبة فلسطينية مهتمة بالسفر
تحميل المزيد