في اليوم السابق للقبض عليّ، قرأت في كتاب "لمصر لا لعبد الناصر" لمحمد حسنين هيكل، عن اعتقالات الستينيات، وتحديداً تنظيم سيد قطب ومحاولة تفجير القناطر الخيرية المزعومة، التي طالت مجموعة كبيرة من الأبرياء تحت مبررات الأولوية والحفاظ على سلامة مصر وأراضيها.
قد يكون حقاً توسيع دائرة المشتبه فيهم هو الحل الأفضل لتلاشي الخسائر عند صعوبة التحريات، لكن أن يكون الاعتقال هو النهج الدائم لهذا التلاشي، فالمسألة في غاية الخطورة، خصوصاً عندما تطولك دائرة الظلم وفي الوقت نفسه مشاهد الإرهاب الحقيقي كما هي تعيث في الأرض فساداً.
الوجه الآخر للقبضة الأمنية مظلم شديد السواد، فقد أصبحتَ بجانب اللاحياة، أنت مرفوض منبوذ سياسياً معاقَب قانونياً، وقبل ذلك منتهك نفسيًا وجسديًا، وفق سياسات قانون الغاب، التي إن حالفك الحظ وخرجت منها يومًا، فاعلم أنك لن تكون كما الأحياء مرة أخرى.
بداية، أنا محمد عودة، لن أضع لنفسي توصيفًا علميًا أو وظيفيًا؛ فكلها أمور لا تفرق في عالم أمن الدولة.
تم القبض عليَّ في الحادي عشر من مايو/أيار عام 2017، قضيت اختفاء قسريًا شهد تواطؤ مباحث قسمي شرطة الزيتون والأميرية مع جهاز أمن الدولة بالعباسية، على إخفائي وتعذيبي ضربًا وبالكهرباء، مع تقييدي بالسلاسل وتغمية العينين..
ظهرتُ بنيابة أمن الدولة في الخامس من يونيو/حزيران عام 2017، لأرى المسرحية في أكثر فصولها اختزالًا، فصل تواطؤ القانون الرسمي مع قانون الغاب، فمن نيابة أمن الدولة إلى محكمة الجنايات إلى النيابة العسكرية، أبقى كما أنا، عبارة عن ملف من الأوراق يبدو كأن لن يفتحه أحد.
أكاد أتمَّ عاماً ونصف عامٍ سجين الحبس الاحتياطي، محروماً من كل شيء، منتهَكة كل حقوقي، في فصول لم تكتفِ بصعوبة تحمُّل الحياة، حتى كشرت عن أنيابها بالنزول بقوائم الإرهاب، للمنع من سفر مستقبلي، والحجز على الممتلكات 3 سنوات، في قضية مزعومة بالانضمام إلى "ولاية سيناء"، وإن كنت بعيداً كل البعد عن الانتماء إلى تيارات الإسلام السياسي، إلا أنها إرادة ضابط بأمن الدولة، أخبرني بها في آخر كلماته: "متأكدين إنك مش داعش، بس قررنا نلبسهالك".
ما يحدث الآن جاوَز بشاعة القبضة الأمنية بمراحل بلغت حدود الاستعداء، وإنشاء جيل من حاملي الكراهية، لا يمكن أن نطلق عليهم غدًا صفة الإرهاب، فربما كانت تلك سُبلهم الوحيدة للوجود على قيد الحياة. ما يحدث الآن هو شحن الخوف، والوجود بلعبة فزاعة الإرهاب المتطور، الذي يخرج فجأة بكل مكان ومن أشخاص لم تكن تتوقعهم يومًا، لثقتك الشديدة بهم..
هنا بالسجن تكمن القضايا في صاحب فلان وأخيه وولده وجاره وأبيه، ومَن عرفهم ومَن عرف من عرفهم.
فالقبضة الأمنية شملت الجميع إلا الإرهابيين، فلا تسأل من أين جاءوا؟ وكيف صمدوا؟ بل سل متى يحررون اسمهم من لفظة الارهاب؟
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.